إعطاء الانطلاقة لبناء ملعبين بمنطقة الكركرات وبئر كندوز مبادرة غاية في الرمزية. على مشارف الحدود المغربية الموريتانية تدبّ الحياة من جديد وينتعش شريان التجارة وتدشّن مساجد يذكر فيها اسم الله، ثم تُبنى ملاعب لكرة القدم توحي بمظاهر العمران والبناء التي يريد المغرب أن يكرسّها في أقاليمه الجنوبية العزيزة. قبل سنوات قليلة فقط كانت نقطة معبر الكركرات مسرحا لشغب إرهابي من طرف بعض الموتورين من الانفصاليين الذين سوّلت لهم أنفسهم أن يقطعوا الطريق على العابرين من السائقين ليخلقوا أجواء غير آمنة على أرض مغربية. وكلنا نتذكر جيدا كيف كان تدخل القوات المسلحة الملكية قمة في الاحترافية بعد أن تم تفريق المرتزقة باستخدام أدوات بسيطة. واليوم يريد المغرب من خلال هذا المشروع أن يدرك العالم أن هذا المعبر الذي كان بالأمس مصدر قلق أمني لإفريقيا وأوربا أصبح نقطة سلام وعيش والتئام ترفع فيه الصلوات مثلما ستلعب فيه المباريات. الكركرات هي نقطة من تراب هذا الوطن الغالي تؤكد أن بلادنا لن تتنازل عن ذرة رمل واحدة من هذه الصحراء مهما حدث. وأن الصبر الذي تتحلّى به القوات المسلحة الملكية في بعض الأحيان تجاه هؤلاء المغرّر بهم لن يطول أبدا. منذ زمن ليس بالقصير لم يعد مسموحا لأي مغامر أحمق أن يتجاوز الجدار الأمني، وأصبحت الطائرات المسيّرة تصطاد هؤلاء مثلما يتم اصطياد الطرائد الشاردة. لكن رسائل السلام دائما تبقى هي الأبرز والأكثر عمقا وبلاغة. وهذا ما يحرص المغرب على إشاعته وبثّه من خلال هذه المبادرات الرمزية. لقد تمكّنت بلادنا من التأمين الكامل لحدودها الجنوبية والجنوبية الشرقية بفضل يقظة القوات المسلحة الملكية وجاهزيتها الكاملة. وأصبحت حركة المبادلات التجارية في أوجها مع الشركاء الأفارقة، بل إن بعض الأسواق الإفريقية اليوم أصبحت مرتبطة بشكل كبير بما يعبر الحدود الموريتانية من سلع وبضائع. والمغرب باعتباره مؤمنا برسالته الإفريقية لن يتوقف عن تعزيز هذه المبادلات وهذا الانفتاح الذي يشكل مستقبل القارة السمراء. ومن المؤكد أن هذا الملعب الذي سيتم تدشينه في منطقة الكركرات سيشكل محجا حقيقيا لكل المغاربة الذين كانوا جنودا مجندين عندما احتدت الأزمة الأمنية في هذه النقطة بسبب استفزازات الانفصاليين. في تلك المرحلة كان غالبية المغاربة يتحرّقون شوقا إلى زيارة هذه النقطة للتعبير عن تجنّدهم من أجل الوحدة الترابية لبلادنا. اليوم سيصبح بإمكان كل مغربي غيور على تراب صحرائه أن يلعب مباراة في كرة القدم أو يشارك في دوري بمنطقة الكركرات في أمن وأمان بعيدا عن أي تهديد أو استفزاز. ومن المهم في هذا السياق التذكير بأن سياسة البناء والتدشين تمثل أقوى رسالة وأبلغ خطاب يمكن أن توجّهه الدولة ضد الانفصال وضد خصوم الوحدة الترابية الذين يكيدون لاستقرار بلادنا ووحدتها. فبينما يدفع الكابرانات المليارات من فوائض البترودولار من أجل شراء الأسلحة للانفصاليين تؤكد بلادنا بالملموس أن الإنفاق على ما هو ثابت وباقٍ هو النهج السليم في هكذا صراعات مفتعلة. من السهل جدا أن تميل السلطات إلى المقاربة الجذرية وإغلاق كل الطرق المؤدية إلى هذه المنطقة بحجة أن الظروف الأمنية لا تسمح إلا بذلك. لكن المغرب لم يختر هذا الأسلوب المتجاوز، إنه يراهن على مواجهة التهديدات الأمنية بطمأنينة الحياة واللعب والرياضة. وإذا كان خصوم الوحدة الترابية قد اعتادوا التلويح بالأسلحة والرصاص وإطلاق التهديدات في الفراغ فنحن فخورون في المغرب بأن صوت السلام والوئام يعلو فوق كل الأصوات الأخرى، فيحوّل الكركرات من بؤرة نائية محاطة بالحذر والمخاوف إلى فضاء يعجّ بمظاهر البناء والتعمير وشغب العيش اليومي.