لا اعرف كيف وصلت الشخصية (الكينونة) الثقافية الفلسطينية في طريقها الى التخلص من الإحتلال والإرتماء في أحضان المؤسسة الوطنية الى مكان افضل من مبنى وزارة الثقافة الفلسطينية، مكان احبه اكثر ويشبهني..عالمي وكوسموبوليتي. راهنت الثقافة الفلسطينية بوعي او بدون وعي ( وهذا بحق لا يفرق) على موديلات تقلد ما يحدث بالبلدان الشقيقة المجاورة بمعنى انتاج مؤسسة ثقافية سيئة تروج لأسس النظام وتصفق لها في كل مناسبة، مؤسسة منغلقة على ذاتها وعلى رؤية القيمين عليها لغويا وفكريا وخطابيا ، مؤسسة يقف أمامها بعض المثقفين على أشكال كليشيهات معارضة متنقلة على أثنتين، تجعجع في الحانات ( هذا إن سمح بوجودها) بدراماتيكية الثملين الذين لن تؤخر كلماتهم ولن تقدم ..ثم يهرب هؤلاء الى أوروبا ليقيمون في عواصمها ماضين في المندبة عن وحدتهم في المدن الكئيبة المكفهرة واستمنائهم حول كأس النبيذ الرخيص الذي لا يغادر موائدهم وعجزهم عن امتلاك رموز فتح الباب المؤدي الى ما قد يسمى مفاهيم الحرية الغربية ومنابعها..وبالفعل فقد قلدت وزارة ثقافة اوسلو النماذج المجاورة بحذافيرها وتبنت ويسرعة مذهلة نفس البدع من الإنتقائية والنفي والإقصاء إضافة الى التصريح غير المعلن للوزارة بأنها تمثل فقط من يقع تحت نفوذها الجغرافي بمعنى كل من يسكن بين حاجز بير زيت وحاجز قلنديا وهكذا أصبحت زوجة الوزير أهم كاتبة في الوطن وأهم مخرجة افلام ثقافية شهدتها فلسطين من بير زيت-لقلنديا وكما قال وقتها المفكر عزمي بشارة "كيف لحقوا ينتجوا كل هذا الفساد وبهالسرعة" ... لقد وجدنا كفلسطينيين في احداثية زمنية ومكانية ما عند هذا التقاطع التاريخي ولا نزال نعيش مفارقاته ومآسيه وحتى جنونه وكوميدياه كل دقيقة..نحن أبناء هذا التقاطع (فليسمه البعض مؤامرة) وهذا مصيرنا ، شئنا هذا ام ابينا فبعد الإنتفاضة الثانية وانقسام السلطة وتفريغ كلمة "سلام" من أي معنى أو ضرورة وجودية أصلا ..وكذلك انهيار مفهوم المؤسسة الوطنية بشكلها المستورد من الجوار..وايضا استمرار حرب البقاء والمكاشفة المزمنة بين المواطنين الفلسطينيين في اسرائيل وغالبيتها اليمينية الصهيونية ..بعد كل هذا لا يمكن الحديث عن منظومة ثقافية عادية بدكتاتوريتها ومحسوبياتها وشعاراتيتها..فالوضع أصلا مستحيل وغير منطقي ومن المؤسف محاولة سجنه مؤسساتيا أو منطقته أو فرض رقابة ابوية أخلاقية عليه في وضعية هي أصلا حالة احتلال غريبة..وحشية من ناحية وتحمل ثغرات جنسية دينية وأخلاقية من جهة أخرى...تضع هذه الحالة من الفوضى غير المزعجة المبدع الفلسطيني في مكان يخضع فيه مشروعه الفني لإعتبارات مختلفة جذريا عن مثيله من سوريا او مصر على سبيل المثال، فالإقتراحات والخيارات والتساؤلات مختلفة وطبيعة التقاطع الذي تحدثت عنه تفرض شخصية ثقافية – فنية اكثر عالمية، ملونة وتحمل قدرا اكبرا من القدرة على المناورة والتميز والتحاور مع المجهول... فبعيدا عن اعتبارات شرطة التطبيع التي تفرض على مبدعي الداخل وصايه اخلاقية دون ان تتقن بالفعل فن التفريق بين ماهية التطبيع وماهية حرب البقاء وتوابع الإرتطام اليومي الإنساني مع الآخر ودون ان تفقه ما يحدث أصلا على الأرض بما انها لا تعيش عليها..فبعيدا عن ذلك ما اقصده بثقافة التقاطع..يعود الى هذا المبدع الذي يتحول بسرعة الى مواطن العالم بفنه وفكره وابداعه كما يحدث في الإنتاجات السينمائية الفلسطينية التي قدمت والتي يتم تصويرها وتلك التي تتم كتابتها الأن تلك التي يختلط فيها الفلسطيني والفرنسي والألماني وحتى الإسرائيلي (يعود هذا لإشكالية تمويل بعض اعمال المبدعين الفلسطينيين من دافعي الضرائب لدولة إسرائيل)..وينسحب ذلك على الفرق الموسيقية التي لا يمكننا ان نصفها سوى بالعالمية كدام وتريو جبران..والأدب الذي يحمل قدرا كبيرا من الرؤية التحررية الفردية والجماعية الإنسانية (لأنه لا يحمل خيارا آخرا ) بحيث يصبح محسوبا وبأسرع الوسائل على أدبيات حقوق الإنسان العالمية ..وكأننا في الخلاصة لا يمكننا الفرار من هذا الدور الإنساني..دور إدوارد سعيد ومحمود درويش وايليا سليمان وغيرهم.