حرص الاحتلال منذ وطئ أرض فلسطين عام 1948م على تخريب وتفكيك البنية الاجتماعية الفلسطينية، وتشتيت الصف الفلسطيني واختراقه، وإيجاد أناس من ضعاف النفوس كي يكونوا أحرص من العدو على نفسه، وهؤلاء هم العملاء. وتتعدد أسباب انتشار العمالة، وأسباب تعاون "العملاء" مع قوات الاحتلال لمتابعة إخوانهم والتجسس عليهم لحساب المحتلين. وتكاد معظم الاتجاهات الفلسطينية تجمع على أن ضعف النفس وقلة الوازع الديني وعدم وجود ضوابط قانونية فلسطينية ووسائل ردع أهم أسباب اتجاه العميل للتعاون مع الاحتلال. أما دور العملاء فقد يقتصر على جمع المعلومات، أو يتعدى ذلك إلى المشاركة في إفساد المجتمع الفلسطيني وزرع المخبرين بداخله، أو الإيقاع بالبعض جنسا. وبالنسبة لعددهم فلا توجد إحصائيات دقيقة، إلا أنها لا تعتبر ظاهرة، رغم التهويل من بعض الجهات بهدف تشكيك أبناء الشعب الفلسطيني في نضالهم. وقد قيدت اتفاقيات أوسلو الموقعة بين السلطة الفلسطينية والاحتلال عام 1993م أجهزة الأمن الفلسطينية، ومنعتها من ملاحقة العملاء وحبسهم أكثر من 24 ساعة. ويستعرض التقرير التالي أهم ما يتعلق بالعملاء ودورهم في المجتمع الفلسطيني حسب ما تذكره عدة شخصيات فلسطينية. عملاء ظاهرون ومختفون! الأخطر من العملاء المعروفين أولئك المخفيين وغير الظاهرين الذين قد يتغلغلوا في التنظيمات والمؤسسات الفلسطينية دون أن يشعر الفلسطينيون، أو أولئك الذين يرافقون قوات الاحتلال في عمليات الاجتياح والاعتقال متخفين بزي عسكري إسرائيلي. ويعتبر "العصافير" وهم عملاء يتظاهرون بأنهم وطنيين ومعتقلين داخل سجون الاحتلال من أخطر العملاء على المناضلين الفلسطينيين داخل المعتقلات؛ حيث توهم المخابرات الإسرائيلية المعتقل أنه أصبح داخل السجن مع مجموعة من زملائه المقاومين الذين يبدأون في سؤاله عن سبب اعتقاله وأعماله، وإذا كان المعتقل حذرا فإنه لا يجيب ويعرف "الفخ" أما إذا كان جديدا على التجربة فقد يسقط في هذا الفخ ويعترف بكل أعماله لهؤلاء العملاء الذين تقمصوا شخصية المناضلين. كيف يصبح الفلسطيني عميلا؟ وعن التعامل مع المخابرات الإسرائيلية يقول الشيخ إسماعيل أبو شنب، أحد قادة حركة حماس: العمالة تنخر في الشعب الفلسطيني منذ وطئ الأرض الفلسطينية، وتعامل معها الشعب الفلسطيني بأكثر من طريقة. ويضيف: نحن نقول أن وجود العملاء بحاجة إلى جناحين للمعالجة: جناح فلسطيني داخلي يحاول أن يحل المشاكل التي تؤدي إلى مثل هذه المشكلة. وجناح آخر هو ملاحقة العملاء وتطهير المجتمع منهم. وبالتالي نستطيع أن نطوق المشكلة ونحلها، ولما تكاسلت وتراخت السلطة عن هذا الدور استشرى دور العملاء في داخل المجتمع الفلسطيني حتى أصبحنا في ظل هذه الانتفاضة نعاني كثيرا من العملاء. ويتابع: الشعب الفلسطيني متيقظ الآن ولديه العلاج لهذه المشكلة باستئصال شأفة العملاء من ناحية، ومنع أسبابها من ناحية أخرى، وعلاج من تورطوا فيها بالإصلاح. هذه نقاط مهمة نأمل أن يمارسها المجتمع الفلسطيني بشكل جماعي ومن خلال الأطر الرسمية، وليس من خلال الفصائل، لأنه لوترك لها الأمر فإن هذا سيؤدي إلى فوضى داخلية. الانتفاضة الأولى. الجنس والابتزاز..! من جانبه يقول العقيد يوسف عيسى، مدير النشاط الإسرائيلي في جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني أن أهم الوسائل التي يتم من خلالها تجنيد العملاء هي المال والجنس والعاطفة والمصلحة والابتزاز. ويضيف: تعتمد مخابرات الاحتلال على أسلوبي الترغيب والترهيب في تجنيد العملاء، وتفضل المخابرات الأشخاص مما يكون لديهم دافع؛ مثل الدوافع العقائدية أو حب الجنس والمال، أو الإدمان على المخدرات، أو حب الظهور، أو الميل إلى المغامرة. ومن الأسباب أيضا الضغط والابتزاز بتصوير الشخص بوضع جنسي معيب، أو استغلال الوفود السياحية أو صغار السن واستغلال الحاجة للمال والبحث عن مصدر رزق، أو الحاجة للسفر لإتمام الدراسة أو العلاج. كما يتم عادة استغلال أصحاب السوابق الجنائية، أو الساعين للحصول على هوية إسرائيلية تمكنهم من إيجاد عمل لدى الاحتلال. عمليات الاغتيال ويرى عيسى أن ارتفاع عدد الشهداء في صفوف أبناء الشعب الفلسطيني لا يعود أساسا إلى انتشار العملاء " الجواسيس"، بل يعود إلى الاستخدام القوة المبالغ فيها من قبل جنود الاحتلال. ويضيف: العملاء لا ينفذون عمليات الاغتيال مباشرة، بل يقتصر دورهم على نقل معلومات استخبارية عن المناضلين والمشاركين في العمل الوطني، والمساهمة في تسهيل عملية اغتيال المستهدفين وخاصة من يتم وضعهم على قائمة الموت الإسرائيلية. ويتابع: التعاون مع الاحتلال في فلسطين لم يسجل كظاهرة أو امتداد لوجهة نظر سياسية، ولم يرتق إلى حالات مثل حالة حكومة فيشي في فرنسا، وحكومة موسيليني في إيطاليا، وحكام البانتوسنات في جنوب أفريقيا. السلطة والعملاء وعن كيفية تعامل السلطة مع العملاء يقول عيسى: نحن نقوم بتوعية الجمهور الفلسطيني من خلال الندوات واللقاءات التلفزيونية والنشرات وغيرها. وعند اعتقال أي "مشبوه" بالتعامل مع الاحتلال، واعترافه بذلك، نقوم بترتيب زيارة له لأبناء عائلته، ويتم وضعهم في صورة اعترافاته حتى يكونوا مطمئنين بأن ابنهم لم يظلم، بعد ذلك يتم تحويلة إلى النائب العام الذي يتولى استكمال التحقيقات معه والتأكد من صحة إفادته عبر الشهود والقرائن، وبعد ذلك يتم تقديم لائحة اتهام بحقه تحتوي على الجرائم التي ارتكبها وتتم محاكمته وفق القانون الفلسطيني. بحث الأسباب! أما الدكتور عبد الستار قاسم، أستاذ العلوم السياسية بجامعة النجاح الوطنية فيقول عن مشكلة العمالة: هناك عدم حرص أمني على الساحة الفلسطينية، ونحن نعيش في حقول من المثالب والمزالق الأمنية، وهناك أجهزة مخابرات وعيون كثيرة تلاحقنا أفرادا وجماعات وفصائل. ولهذا لا بد من جمع خبراء في القضايا الأمنية لوضع أسس وضوابط أمنية تلتزم بها الساحة الفلسطينية. يجب أن تتوفر حساسية أمنية مرهفة وأن نعمل على التخلص من كل مظاهر التسيب. ويضيف: لا بد من العمل على القضاء على الجواسيس والعملاء وذلك من خلال ملاحقتهم مباشرة، والقيام بالدراسات اللازمة للتعرف على الأسباب ووضع العلاج الجذري للمشكلة. محاربة العمالة شعبيا.. ورغم الجهود الرسمية غير المكثفة لقضاء على انتشار العمالة، يعتقد الفلسطينيون أنه يجب العمل على زيادة الوعي والإدراك لطبيعة المخطط الصهيوني وأبعاده ضد الشعب الفلسطيني والأمة العربية عبر عقد الندوات والحلقات العلمية التي تهدف إلى نشر حالة من الوعي للمخاطر الحضارية التي يشكلها المشروع الصهيوني في فلسطين. كما يرى مراقبون أنه من المهم التشديد القانوني عبر تشريع قوانين واضحة وصريحة ضد كافة أشكال التعاون مع العدو الإسرائيلي، وهذا ما فعله المشرع الفلسطيني. حماية عربية.. ويعتقد هؤلاء أنه يمكن على المستوى العربي توفير الدعم الاقتصادي الكافي للفلسطينيين الذين يتم ابتزازهم في لقمة الخبز من قبل ضباط المخابرات الإسرائيلية. ويرى الشعب الفلسطيني أن العملاء يشكلون خطرا على الأمن القومي العربي كما يؤثرون على أمن واستقرار الفلسطينيين الذين يشكلون رأس الحربة في مقاومة المشروع الصهيوني، ويتم مساعدة الفلسطينيين في التصدي لهؤلاء بالمساعدة في الاستثمار في فلسطين لخلق فرص عمل بديلة للعمال الفلسطينيين بدلا أن يعملوا لدى الإسرائيليين الذين لا يدخرون جهدا ويستغلونه في خدمة أهدافهم وعدوانهم على الشعب الفلسطيني. قتل وعزل.. واستغلت بعض الفصائل الفلسطينية المسلحة اجتياح قوات الاحتلال الإسرائيلية للمدن الفلسطينية فقامت بتنفيذ حكم الإعدام في عدد من العملاء وتعليقهم في أماكن عامة علهم يكونوا عبرة لغيرهم ومن العملاء. وبالحديث عن العلاقات الاجتماعية يعيش العميل عادة حالة من الفقر والعزلة شبه تامة عن أقاربه وعائلته، فتنقطع الزيارات عنه، وتتوقف علاقاته الاجتماعية معهم، ولا أحد يزوجهم أو يتزوج منهم، مما يضطرهم إلى الرحيل إلى مدن إسرائيلية أو بعيدا عن قراهم الأصلية على الأقل. وحتى لو مات العميل أو قتل فلا يقام له عزاء ولا يحزن عليه أحد سوى أقرب الناس إليه كزوجته أو أمه أحيانا. الحديث عن العملاء ودورهم ومحاربتهم طويل ولا يمكن معه إلا الاختصار، ورغم اعتراف المجتمع الفلسطيني بوجود ثلة من العملاء ضعاف النفوس تلاحقهم وترصد تحركاتهم، إلا أن عزيمته قوية وقدرته على التصدي ومقاومة الاحتلال أقوى، وأثبت للعالم أن آليات الاحتلال وعملائه وجنوده لم تستطع وقف المقاومة واستمرار الانتفاضة. استشهاد5 صحفيين وإصابة 200 آخرين منذ بداية الانتفاضة فلسطين-عوض الرجوب قدم الصحفيون الفلسطينيون وغيرهم كباقي قطاعات الشعب الفلسطيني نصيبهم من التضحيات خلال انتفاضة الأقصى، فقد استشهد سبعة منهم، وأصيب أكثر من مائتين بجروح مختلفة، إضافة إلى تعرض العديد منهم لأشكال مختلفة من الإذلال والإهانة. كما تعرضت المؤسسات الفلسطينية التي يزيد عددها على 1000 مؤسسة، خلال هذه الفترة، لعمليات التدمير والقصف والمداهمة والتفتيش. ورغم وجود الكثير من العراقيل أمام الصحفيين الفلسطينيين ومؤسساتهم إلا أنهم صمدوا، وقدموا الكثير. وقد أثبتت التجربة الإعلامية الفلسطينية نفسها عمليا ووطنيا، وساهمت في تعرية الإرهاب الصهيوني وفضح ممارستاه الوحشية ضد الفلسطينيين منذ اليوم الأول لانطلاق انتفاضة الأقصى. الإعلام الفلسطيني الخاص وتحتضن فلسطين أكثر من ثلاثين محطة تلفزيونية واثنتي عشرة إذاعة خاصة تمثل الاتجاهات السياسية والفكرية الفلسطينية، إضافة إلى إذاعة وتلفزيون صوت فلسطين. ويغطي بث هذه المحطات في الغالب أثير المدينة التي تبث منها نتيجة لقلة الإمكانيات، واستهداف قوات الاحتلال لمحطات التقوية والبث. وتم تدمير مبنى الإذاعة والتلفزيون الفلسطيني في مدينة رام الله، ومحطات البث التابعة له في الضفة الغربية وقطاع غزة. كما تعرضت محطات التلفزة الخاصة للتدمير والإغلاق لمدة طويلة. ولم تسلم محطات التلفزة الخارجية من اعتداءات الاحتلال حيث تعرض مجمع مكاتب محطات تلفاز: أبو ظبي والكويتي وعمان والنيل للأخبار في رام الله للمداهمة والقصف. وتصدر في فلسطين ثلاث صحف اليومية، يتعطل توزيعها أحيانا بسبب الحصار ومنع التجول. الإعلام في المواجهة.. ونتيجة للدور المهم الذي تقوم به وسائل الإعلام الفلسطينية وغيرها سعى الكيان الصهيوني إلى الوقوف في وجه الصحفيين الفلسطينيين ومؤسساتهم، وذلك بالاعتداء على عشرات الصحفيين ومنع المؤسسات الصحفية من استيراد المستلزمات والأدوات الفنية وغيرها. وقدم الصحفيون الفلسطينيون خمسة من جنودهم هدية لفلسطين منهم: جمال منصور (41 عاما)، مدير المركز الفلسطيني للإعلام والدراسات بمدينة نابلس، ومحمد البيشاوي (28عاما)، مكتب النجاح للصحافة بنابلس، وعثمان قطناني (25 عاما)، مكتب نابلس للصحافة. وعماد أبو زهرة (30 عاما)، مكتب النخيل للصحافة بجنين. أما الصحفيون غير الفلسطينيين فمنهم: ورافيبلي تشيريلو (42 عاما) وكان يعمل مراسلا للتلفزيون الإيطالي. وتؤكد الإحصائيات أن أكثر من 200 صحفي أصيبوا خلال انتفاضة الأقصى، كما تعرضو108 صحفيين للضرب والإهانة على أيدي الجنود والمستوطنين، فيما اعتقل 33 صحفيا. وكان للصحافة الأجنبية حظها من الاعتداءات فعدا عن مقتل الصحفي الإيطالي "روفائيل فرينو" بمدينة رام الله، أصيب حوالي تسعة آخرون بجروح، منهم مراسلو كالة فرانس برس، وأحد مراسلي محطة "سي ان ان"، ومراسل وكالة اسوشاتيتد برس..وغيرهم. مواقع الإنترنت.. وكان للفلسطينيين ولانتفاضة الأقصى تواجد ملحوظ على شبكة المعلومات العالمية (الإنترنت)، وحازت المواقع التي تغطي الانتفاضة على مكانة متقدمة. وكان من أبرز هذه المواقع الإعلامية "المركز الفلسطيني للإعلام" الذي يغطي أحداث الانتفاضة في مختلف القرى والمدن الفلسطينية أولا بأول. وتعرض هذا الموقع وغيره لهجمات فيروسية من قبل قوات الاحتلال. فلسطين-خاص