مؤخرا، كنت على موعد ثقافي هام يحمل عنوان " سؤال القراءة والإبداع في المدرسة المغربية "، بثانوية ابن خلدون الإعدادية بالفقيه بن صالح ( المغرب ). السؤال على أهميته وراهنيته، فتح مساحات عديدة ومتداخلة إلى حد الالتباس. فكنت إلى جانب الناقد والباحث حسن المودن والمؤطر التربوي برناكي البوعزاوي نعارك المساحات التي تسع المجتمع والحياة.لأن سؤال القراءة متعدد الأوجه ابتداء من البيت الذي لا يضع الكتاب في القفة ولا يؤثث الفضاء المشترك بما تيسر من متون الحرف والسؤال؛ إلى المدرسة التي لم تخلق بما فيه الكفاية الفضاء الثقافي الموازي للتحفيز وخلق شرط الحرية في التداول والتأويل كما يقر حسن المودن، وصولا إلى المجتمع كفضاءات ومؤسسات تجعل الثقافي تابعا ومجرد ديكور للتأثيث والادعاء. كثيرة هي الدراسات والأبحاث والمهرجانات التي تقر الآن بخطورة هذه الأزمة ابتداء من وضع مقارنة بسيطة مع ما ينتج وينشر في ثقافات أخرى ومع ما ينشر في الثقافة المغربية والعربية . وبالتالي فمؤشرات عديدة من الإنتاجية والنشر والتداول الضئيل ؛ هذا فضلا عن المسؤوليات الفاترة اتجاه الثقافي إلى حد فقدان السياسة والرؤية المتكاملة اتجاه الثقافي..كلها مؤشرات تؤكد أن الأزمة تراوح مكانها ،لأن الاحساس بها والبيانات لا تكفي للمعالجة ؛ بل التفعيل اليومي ابتداء من خلق علاقة أليفة بالكتاب وقد يبدأ ذلك من فضاء المدرسة غير المميز والذي هو بشكل ما امتداد للشارع والمجتمع . كثيرة هي اختلالات وتجليات هذه الأزمة في المدرسة المغربية ، فبالأمس كانت هذه الأخيرة على صلة قوية بالمجتمع والحياة ، فكان حب القراءة يولد من هذه المدرسة ، بل أحيانا تبنى فيها الأفكار والقناعات والتي تجعل من رجل التعليم يقظا ومنخرطا في النقاش بحماس ووتيرة عالية . أما الآن ، يبدو أن الوظيفة وأشياء أخرى خشبت رجل التعليم وجعلته إسمنتيا كما أحلامه الدائرية . ومن جانب آخر، فالكتاب المدرسي يعتبر الكتاب الأوحد والأحادي النظر والذي يكرس لثنائية صامتة : المعرفة النفعية والمعرفة العامة ، كما أن برمجة النصوص تخضع لمعيارية أخلاقية تغيب النص الساخر كما يطرح الأستاذ البرناكي البوعزاوي ، كأن المدرسة حارسة للقيم. أكيد أن هذه الجوانب تقتل الرغبة في الانفتاح والتطور الذاتي الذي يبلور القدرة على التأويل والتي وحدها بإمكانها تنمية الحس القرائي الذي بإمكانه أن يتحول إلى رهان وأولوية أيضا كما يقول الأستاذ محجوب عرفاوي. القراءة ليست فعلا آليا يمارس من قبل كتل صماء ،بل يمتد للسلوكات والأفعال الاجتماعية ، وقد يمتد للكتابة كمحاورة عميقة تغير علاقتنا بذواتنا وبالآخرين . ففي هذه الحالة قالإنسان يتغير بالوعي الذي بإمكانه إيقاظ الشاعر والكاتب فينا والذي نقتله بالروتين والنمط الذي يبلد الحواس . ومن جانب آخر لا ننكر أن القراءة مدخل أساسي لكل كتابة عميقة تبني علاقتها مع الآخر كنص مركب يقتضي المحاورة والتأويل وإعادة البناء.. الجميل والذي استرعاني أساسا في آخر اللقاء هو أسئلة التلاميذ الناضحة ببوحها وعنفها الجميل ، أسئلة تسعى للحرية في الكتاب ، وفي التدريس وفي الاختلاف ، أسئلة تبحث عن الفضاء الموازي وعن وظيفة المكتبة حتى لا تتحول إلى حانوت للكتب ..وفي مقابل ذلك ، الأمر يقتضي التفرغ للتنشيط الثقافي لأن رجل التعليم يقدم تضحيات ثقافية لتأطير هؤلاء الفتية ؛ لكن التعب يجمد الأشياء . جملية حقا مصاحبة التلاميذ في سلسلة تكوينية وإبداعية عميقة لا تتأطر بغايات ظرفية وآنية . لأن التلميذ حقل ثر وندي لتوليد طاقات كثيفة في القراءة والإبداع في تعالق مركب . وكنا في الخلف المنصت في الصمت العميق، لا نبحث عن أي قراءة بمعناها المنهجي؛ بل نشخص الوضعية التي يستعصي معها تفسير ذاك العزوف واللامبالاة بالكتاب والمقروء. نعم هناك الفقر والأمية بأشكالها المختلفة...لكن الإنسان يضيع أحيانا وقته وماله في أشياء كثيرة وتافهة أحيانا ماعدا الكتاب . لهذا الحد علاقتنا متوترة بالحرف وبالمكتوب ؟؟ . ============= عبد الغني فوزي شاعر وكاتب من المغرب