نظمت شعبة اللغة العربية بالمدرسة العليا للأساتذة بمارتيل، مؤخرا، لقاء مع الناقد المغربي محمد مشبال يندرج ضمن سلسلة «تجارب إبداعية»، التي دأبت الشعبة على تنظيمها قصد فتح فرص الحوار بين المبدعين والنقاد المغاربة للتداول في شؤون الإبداع والنقد بمختلف اتجاهاته، وفتح فرص الاستماع إلى تجاربهم، وذلك بقاعة المحاضرات بالمؤسسة. افتتح اللقاء بشهادة للباحث حسن اليملاحي، التي أكد فيها أن علاقته بمحمد مشبال تأسست بعد ترتيبات وتواطؤات جميلة فتحت باب الالتقاء على الموائد النقدية والفكرية، مشددا على أن محمد مشبال كان يلبي نداء الدعوات الموجهة من دون شروط مسبقة، واعترف أن اللقاءات معه كانت تعرف نجاحات باهرة نتيجة التحققات التي تطرحها. وأضاف أن محمد مشبال يعتبر من بين الأسماء المنشغلة بالسؤال الثقافي والأكاديمي بالمغرب، إذ استطاع عبر تجربته في هذا المجال إنجاز مجموعة من الكتب الهامة. وعن كتابه «مقولات بلاغية في تحليل الشعر»، قال حسن اليملاحي إنه كتاب نقدي تحليلي، يفتح أفقا جديدا في كيفية مقاربة النص الشعري من حيث التنظير والتحليل. أما كتاب «بلاغة النادرة» فقد اعتبره يتناول النادرة باعتبارها جنسا أدبيا سرديا وهزليا، من داخل سؤال السمة والصورة. منتقلا بعد ذلك إلى الحديث عن كتاب «أسرار النقد الأدبي» فأشار إلى أنه يتميز بروح البحث والطرح النقدي الرصين، الذي يلتقي الإنساني فيه بالبلاغي، متناولا بلاغة الشعر والنثر. كما ينخرط الكتاب في حوارات نقدية مع نقاد مغاربة وعرب. وهي حوارات تروم التواصل والتفاعل. وبخصوص «كتاب الصورة الروائية لستفان أولمان» فتكمن أهميته في مقاربته الصورة الروائية، متجاوزا الطرح النقدي الذي يحصر الصورة في الشعر، مشير إلى أن الكتاب من ترجمة رضوان العيادي ومحمد مشبال. وعن كتاب «البلاغة والأصول»»، دراسة في أسس التفكير البلاغي العربي، نموذج ابن جني. أكد أنه ينطلق من سؤال حول ماهية البلاغة، وموضوعها، وهل توجد بلاغة واحدة أم بلاغات متعددة؟ أما عن إصداره النقدي الأخير: «الهوى المصري في المخيلة المغربية»، فينضاف إلى سلسلة الكتب التي أصدرها الباحث مؤخرا، والتي تتأسس في منطلقها النظري على خلفية تشغيل مفاهيم بلاغية رحبة. وفي الأخير قال إن القارئ المتتبع للأعمال التي كتبها محمد مشبال «يلاحظ أنها تندرج في حقل البلاغة، لكن ما يجب الوقوف عنده هو طبيعة التصور البلاغي الذي تصدر عنه تلك الكتابات. فالبلاغة التي يتحرك في دائرتها تختلف عن البلاغات السائدة قي النماذج البلاغية الغربية أو في الدراسات البلاغية العربية المعاصرة؛ إنها بلاغة تتوخى أن تستوعب الأعمال الأدبية في أنواعها وأشكالها المختلفة؛» وعن إصداراته القادمة أشار الباحث إلى أن محمد مشبال سيصدر له، كتاب «صورة الآخر في الخيال الأدبي» للناقدة «طوني موريسون»، الكتاب من تقديم الناقد والروائي المغربي محمد أنقار وترجمة محمد مشبال. كما أوضح أن محمد مشبال يشتغل حاليا على وضع اللمسات الأخيرة لكتاب يحمل عنوان «الحجاج والتصوير، نحو فهم تاريخي لأدب الجاحظ». بعد كلمة التقديم، تناول الناقد محمد مشبال في هذا اللقاء المفتوح مجموعة من الأفكار التي قال إنها تشكل الخلفية الفكرية والثقافية التي يتأسس عليها مشروع إعادة صياغة الخطاب البلاغي الذي ابتدأ العمل فيه منذ سنوات في كلية الآداب بتطوان، سواء على مستوى التأليف أو الترجمة أو الإشراف العلمي على الأطاريح الجامعية. وأشار الباحث إلى أن إبراز مثل هذا المشروع وصياغته على نحو يتسم بالنضج والعمق يحتاجان إلى وقت وجهد وتعاون. يقول محمد مشبال إن الكتاب العظام، الذين سحرونا بأعمالهم وتغلغلوا في خبايا النفس الإنسانية وأسرار الوجود الإنساني، كتبوا أعمالهم محققين التوازن بين مقتضيات البناء الفني المكتمل وضرورة التعبير عن التجربة الإنسانية. ولاشك أن الكاتب يضني نفسه لتحقيق هذا التوازن الضروري لأي عمل أدبي ناجح. ومن ثم فإن أي خطاب نقدي أو بلاغي لا ينطلق في صياغة تصوره ووسائله من ضرورة تجسيد هذا التوازن في التواصل مع الأعمال الأدبية ومع القارئ فإنه سيظل خطابا نظريا له أهميته الفكرية ولكنه لا يسهم في ترسيخ القيم الأدبية في الحياة الثقافية. إن الخطاب البلاغي الذي ينشده محمد مشبال لا ينفصل عن غاية كلية وهي فهم الأدب والأعمال الأدبية وترسيخ الثقافة الأدبية في حياة الناس. وأول الطريق هو خلق تصور يراعي الوظيفة العميقة للأعمال الأدبية. إن إعادة صياغة البلاغة أمر يتوقف على طبيعة تصورنا للأدب، وقد كان للقدماء تصورهم للأدب لأجل ذلك كانت لهم بلاغتهم فلماذا لا تكون لنا بلاغتنا أيضا وتصورنا الخاص للأدب؟.