"الثقافة العربية مدعوة للتفكير جديا في بلورة فلسفة إقلاع عربي تكون غايتها"المصالحة مع الذات" ومشروع "الحاءات الثلاث" مساهمة أولية في هذا الاتجاه" سؤال: هل من تعريف موجز لمشروع "الحاءات الثلاث" للقارئ الكريم و لماذا "الحاءات الثلاث"؟ جواب: احتكاك الثقافة العربية بالثقافة الغربية لأول مرة ولد أولى شرارات النهضة العربية التي كانت مصر مركزها. لكن الثقافة العربية تشهد اليوم مرحلة التنوير العربي وما هدا الغليان الفكري الدائر هنا وهناك مع كل ردود الفعل العنيفة المتولدة عنه إلا مظاهر صحية تبشر بالتحول وبالخير. ولعل أهم مظاهر هدا الإشعاع التنويري هو عودة الوعي بضرورة الفلسفة وبأهمية التفكير النسقي الذي غُيَبَ عن الساحة الفكرية العربية لأزيد من عشرة قرون. فإذا كانت الفلسفة هي ضامن حرية التعبير ومؤطر الفكر العقلاني و التفكير النسقي، فإن غيابها عن جميع مناح الحياة الثقافية العربية بعد تداعي زمن "بيت الحكمة" كان سبب الاستبداد والتطرف والعصبية القبلية وكل أشكال الشوفينية... ولا زال منع الفلسفة لحد الساعة من هدا اليوم من القرن الواحد والعشرين ساريا مع نقاش خجول حول أهميتها في تحديث التفكير وإشاعة روح التسامح... ولعل أبرز معالم المنع يتجلى في خصر امتداد الفلسفة خارج السويعات المخصصة لحصة الفلسفة: فطالب العلوم في كل الجامعات العربية لا يدرس فلسفة العلوم وليست لديه فكرة عن المدرسة التي تؤطر فكره العلمي وتحصيله الأكاديمي؛ وطالب التاريخ ليست لديه أدنى فكرة عن فلسفة التاريخ المفسرة للظواهر والتحولات الاجتماعية فكل ما يحشر في دماغه هو سرد في سرد؛ وطالب الآداب لا علم له بفلسفة اللغة... والنتيجة هي غياب التفكير النسقي ونمو التفكير التجزيئي محله. مشروع "الحاءات الثلاث" جاء في ثلاث سياقات هامة: أولها، إعادة القوة للفكر النسقي العربي ضد كل أشكال التجزيئية وضعف الرؤية التي أنتجت على مدى التاريخ العربي لفترة ما بعد "بيت الحكمة" مجرد متمدرسين لا يرقون بأي حال من الأحوال إلى مرتبة المثقفين الدين يتصفون بشمولية الرؤية ونسقية التفكير؛ وثانيها، هو الإصرار على طرق باب الحرية دون مراوغة إذ كانت المحرمات في المتداول العربي تحدد في ثلاث (الدين و الجنس والسياسة) فتم توسيعها لتصبح الطابوهات الثلاث تحمل اسم » الحاءات الثلاث« : حاء الحلم وحاء الحب وحاء الحرية؛ وثالثها، إدماج الإبداع الأدبي في عملية التحرير الجارية وجعله ينبض بنبضها ويتجمل بقيمها ويحيا بهوائها.... سؤال: "انطولوجيا الحلم" و"انطولوجيا الحب" و"انطولوجيا الحرية"؟ هي مثلث مشروعكم الفكري و الإبداعي "الحاءات الثلاث". ألا ترون أن "انطولوجيا الحرية" تسبق بالضرورة انطولوجيا حاءات الحلم و الحب، على اعتبار انه لا يمكن فعل أي شيء في غياب الحرية؟ جواب: قبل الشروع في الإعداد والتعريف بمشروع "الحاءات الثلاث: انطولوجيا القصة المغربية الجديدة"، كنت قد كتبت سنة 2003 نصا قصصيا قصيرا يحمل ذات العنوان: "الحاءات الثلاث". وكنت قد رتبت في الحاءات على هدا النحو: حاء الحرية وحاء الحلم ثم أخيرا حاء الحب. إذ يمكنك أن تقرأ على الصفحة 21 من المجموعة القصصية "موسم الهجرة إلى أي مكان" ما يلي: "ها هي الوصية! ها هو لغز الألغاز! ها هو مفتاح السعادة! ها هي الحاءات: "الحاءات الثلاث"!... (1)– حاء الحرية: " جميعنا، يا ولدي، يمتلك خيطا رفيعا داخله يصله بالطفل الصغير الذي كانه: ببراءته وسعادته وخفته وشغبه الجميل في تنشيط السؤال وإباحة التجريب. لكن المعركة الوجودية بأسرها، يا ولدي، تتركز حول الإمساك بهذا الخيط. فإذا أمسك به غيرك أو رهنته إياه، تحركت بإرادة الآخرين ورقصت لرغبتهم وهدأت لسكونهم وبكيت لبكائهم... آنذاك، اعلم، يا ولدي، أنك صرت أرجوزة في يد غيرك أو دمية من دمى العرائس. أما أن تمسك بالخيط فهذا ما لا يمكنك تحقيقه إلا عبر بوابة الحاء الثانية، بوابة الحلم: مرشدك لعالمك العميق، وصديقك الذي لا يأبه لقلقك فيضعك أمام المرآة ويعرض لك وجهك الحقيقي باسمك الحقيقي ومحيطك الحقيقي... فمرحبا بك، يا ولدي، في عالم الحلم: عالم الحقيقة !" (2) - حاء الحلم: " قد تكون، يا ولدي، عاشقا للموسيقى والنغمة المخلصة من سطوة الصمت والخرس. وقد تكون عاشقا للتشكيلات اللونية المحررة للبصر من نمطية الرؤية. وقد تكون عاشقا للشعر فتتجدد نبضاتك على وقع الصور المبتكرة والوزن الأصيل. وقد تكون أيضا عاشقا للفرجة التي تفتح العوالم الصغيرة على العوالم الكبيرة وتبدأ بالهزل لتنتهي بالجد... لكن العشق، كل العشق، يا ولدي، هو أن تعيش حلما في غفوتك وتتذكره كاملا في يقظتك. وهذا مالا يحدث ل" يا أيها الناس ": أن تتخلص من كل قوانين الطبيعة وتطير حرا كاليمام، خفيفا كالغمام، طليقا كالريح. أن تلقي جانبا كل قوانين المجتمع وتتعرى كطفل فرحان بتعلمه المشي، وتجري مبتهجا في الشوارع الرئيسية غير آبه بقوانين السن والنوع والقبيلة والعرق... " العشق يا ولدي هو أن تعيش حاء الحلم ". (3) – حاء الحب: " الحرية، يا ولدي، تستلزم تأطيرا وتنظيرا. والحلم يؤدي هذه الخدمة للحرية. لكن الحلم يتوقع فعلا واقعيا يحققه على الأرض. وهذا الفعل الواقعي هو الحب. الحب، يا ولدي، رحلة لا تنتهي. إنه مغامرة تكسبك النضج. ومقياس النضج هو العطاء. فالحب عطاء من الوقت والمال والعقل والروح والجسد... ولذلك، فالحب، يا ولدي، تجل من تجليات النمو النفسي والعقلي والجسدي. ولكنك، يا ولدي، لن تحب ولن تستمتع بالحب ما لم تحب نفسك: أحب ذاتك قبل أن تحب الآخرين. عد إلى ذاتك. تعرف مزاياك. راقب نقط قوتك. استمتع بجمالك أمام المرآة. تذكر لحظات السعادة والذكريات المشعة في حياتك. راجع معجمك الإيجابي وأسلوب خطابك المحبوب عند كل المجالس. افتخر بما تتميز به عن باقي الناس، فالاختلاف وحده مبرر استمرارية الوجود... يا ولدي، أحب نفسك كي تحب الآخرين. إنك إذا امتلكت الحب حررت الأشقياء من البشر، وإذا امتلكت السعادة أفرجت عن البؤساء من الناس، وإذا امتلكت النور أضأت ما حوليك..." (نص "الحاءات الثلاث"، الصفحة 21 من المجموعة القصصية "موسم الهجرة إلى أي مكان") الترتيب الأصلي، إذن، كان على هدا النحو: حاء الحرية وحاء الحلم ثم أخيرا حاء الحب. لكن حين تعلق الأمر بوضع المشروع حيز التطبيق، تغيرت الحاءات لأسباب تكتيكية محضة : أولها توفر نصوص الحلم لإطلاق المشروع؛ وثانيها معرفتنا المسبقة بوفرة نصوص الحاء الثانية ، حاء الحب؛ وثالثها يقيننا القاطع بالشح الكبير في حاء الحرية الذي أخرناه كي لا يتعثر المشروع وهو لا زال في مهده. وقد أثبت الزمن صحة قراءتنا إذ لا زلنا لحد الساعة نتلقى طلبات المشاركة في حاء الحرية، الجزء الثالث من "الحاءات الثلاث: انطولوجيا القصة المغربية الجديدة"، لكن دون نصوص "تنتصر للحرية". سؤال: صرحتم الأسبوع الماضي في جريدة "العرب" اليومية الدولية عدد الأربعاء 2 يناير 2008 أن التغيير في الفن و الأدب تتجاذبه مدرستان إحداهما تنصب على تغيير الشكل و الثانية تعمل على تغيير المضمون وأنكم تهتمون بتغيير كليهما. إلى أي مدى مارستم هذا التغيير في مشروع "الحاءات الثلاث"؟ جواب: أول ما كنت احرص عليه في كل جزء من "الحاءات الثلاث" كان هو وحدة التيمة المحورية بحيث تصبح كل النصوص تدور حول محور واحد: ففي الجزء الأول كان هو "الحلم" وفي الجزء الثاني كان هو "الحب" وفي الجزء الثالث "الحرية". بعد دلك، أحرص على ضمان تقدم سلس للنصوص لتفادي الهزات (Jerks) التي تصاحب كل انتقال من نص إلى آخر ضمن النصوص المتنافرة في المجاميع القصصية المتداولة حاليا. وفي سبيل دلك، نرتب النصوص حسب تناولها للتيمة المحورية. ففي الجزء الأول، "انطولوجيا الحلم المغربي"، تتوزع النصوص بين الرؤيا التبشيرية و المنام العادي وحلم اليقظة والتعلق بالسراب والكابوس ثم الجنون كحلم لا يقبل به المجتمع. وتبعا لذلك تتدرج نصوص الانطولوجيا من الرؤيا في نص " الحلم " لمصطفى الغتيري ،إلى المنام العادي الذي يهيمن على نصوص الانطولوجيا: نص"أنا كما تبديت لي" لنجيب الكعواشي ونص "كتب وتفاح" لخديجة اليونسي ونص "عادي" لفاطمة بوزيان ونص " أحلام" لزهرة رميج ونص "الصوت والمطرقة" لسعيد احباط ونص"افتح ، يا سمسم !" لمحمد سعيد الريحاني ونص "تأويل الأحلام" لنور الدين محقق ونص " الرجل الرمانة "لمنى وفيق. ثم النص المنضوي تحت صنف حلم اليقظة: نص "حلم شهريار" لعبد النور إدريس. ثم نصوص التعلق بالسراب: نص " مساحة للحلم المستحيل" لمليكة مستظرف ونص " قنبلة" لعبد الواحد كفيح. ثم نصوص الكوابيس: نص "حمار الليل" لفوزي بوخريص ونص "أحلام متمردة "لعبد الله المتقي و نص"لكل جحيمه" لمنى بنحدو. وتختم الانطولوجيا الحالمة جولتها بالجنون، ككل تجربة متفردة، في نص "بخور القصر" لمحمد زيتون باعتبار الجنون أعلى درجات الكوابيس فسارد النص يعيش أعلى درجات الكوابيس: الجنون. أما في الجزء الثاني، "انطولوجيا الحب"، تدرجت نصوص الانطولوجيا من نصوص الحب الأسطوري المنتصر لقيم الحب النبيل في نص "كيوبيد والشيطان" لمحمد فري و نص "تانيت" لفتيحة أعرور و نص "عاشق أخرس" للحبيب الدايم ربي؛ إلى نصوص الحب الصوفي القائم على التوحد بالإرادة والحبيبة والكون كما في نص "حب" لأحمد الفطناسي و نص "عاشق" لمحمد سعيد الريحاني و نص "لازمة المحنة" لمحمد اشويكة ونص "من السماء إلى الأرض" للتيجاني بولعوالي؛ إلى نصوص النوستالجيا والحنين لماضي الحب السعيد كما في نص "أحلام طاميزودا" لإدريس الصغير ونص "إيقاع الدائرة" إسماعيل غزالي ونص "قبلات" لمحمد نبيل؛ إلى نصوص السعي للخلاص بالحب من ورطات الحاضر كما في نص "حبيبة الشات" لعبد الحميد الغرباوي و نص "قصة حب" لسعاد الناصر(أم سلمى) ونص "هاجس الحب" لمحمد التطواني؛ إلى نصوص لا جدوى الحب في المحيطات غير السليمة كما في نص "عاشق من زمن الحب" لهشام بن الشاوي ونص "حب على الشاطئ " لهشام حراك ونص "ومضة" لزهور كرام؛ وتختم الانطولوجيا العاشقة جولتها بنصوص التيه العاطفي والمأزق الوجودي وموت الحب كما في نص "حالة شرود" لرشيدة عدناوي، نص "الوشم" لنهاد بنعكيدة، ونص "هي والسكين" لسعيدة فرحات، و نص "بلا عنوان" لأسماء حرمة الله ثم نص "ولادة" لوفاء الحمري. وفي الأخير، سيرا على نهج الكاليغرام (Caligramme) الذي اشتهر به الشاعر الفرنسي الكبير أبولينير (Appolinaire) والشاعر الأمريكي إ.إ. كامينغ (e.e. cumming)، نقارب كل نص على حدة للوقوف على مدى قدرة الشكل السردي والأسلوبي على نقل المضمون والتناغم معه. إنه قلب للمقولة الأرسطية: من محاكاة الفن للواقع إلى تناغم الشكل مع مضمونه كيفما كان هدا المضمون. سؤال: إذا كانت " الثقافة هي ضمير المجتمع، فإن الإبداع هو مخيلة الأمة ولا مستقبل لأمة مزدوجة الضمير ومزدوجة المخيلة ومزدوجة الإحساس ومزدوجة السلوك ومزدوجة المواقف". انطلاقا من فهمكم هذا، ألا يمكن القول أننا في بلدان المغرب العربي نعيش هذه الازدواجية المكرسة سياسيا في واقعنا؟ جواب: تطور الأدب الغربي تطورا إيجابيا وصحيا لأنه واكب أهم التحولات الاجتماعية والفكرية والسياسية في مجتمعاته. هده التحولات التي عرفت منعطفين تاريخيين حاسمين: المنعطف الأول أسست له فلسفة "الحداثة" التي تقصدت إعلاء شأن الإنسان عن طريق فصل سلطات الكنيسة عن باقي السلطات الدنيوية (فصل الدين عن السياسة، فصل الدين عن العلم، فصل الدين عن الفن، فصل الدين عن الأدب...)؛ المنعطف الثاني، أسست له فلسفة "ما بعد الحداثة" التي نضجت كرد فعل على النزعة الإنسانية التي أنتجت في أواسط القرن العشرين غيلانا من طينة موسوليني وهتلر وفرانكو وستالين وتقصدت فلسفة "ما بعد الحداثة" حماية المجتمع من الغيلان التي تنتج عن الزعامات عن طريق دعم "التخصص" بدل دعم "الثقافة العامة" التي ميزت قرون هيمنة النزعة الإنسانية كما دعمت "المؤسسية" بدل تأليه شخص "الزعيم" في السياسة أو "العبقري" في الفن والفلسفة أو"المؤلف" في الأدب... أين نحن من كل هذا؟ طبعا، بعيدون بعد السماء عن الأرض. ومع دلك تجدنا نستورد الشعارات دون المفاهيم كأسلحة لمنازلة الخصوم أو للتشويش على الباقين. فتجد نظاما عربيا علمانيا وهو يؤازر ويغلب مذهبا دينيا على مذهب ديني آخر، كما تجد نظاما سياسيا ثانيا يتبنى الحداثة خيارا رسميا إلى جانب دستور ضارب في القدم... إن مشكلتنا هي مشكلة "الازدواجية": ازدواجية الشخصية، ازدواجية المعايير، ازدواجية الولاء... ولكل دلك فالثقافة العربية مدعوة للتفكير جديا في بلورة فلسفة إقلاع عربي تكون غايتها "المصالحة مع الذات" ومشروع "الحاءات الثلاث" مساهمة أولية في هدا الاتجاه. ما جدوى تبني"الحداثة" او "ما بعد الحداثة" إدا كنا "سكيزوفرينيين". إن الرهان الحقيقي هو أن نكون "أسوياء" "متصالحين مع دواتنا": أن نفعل ما نقوله وأن نقول ما نفكر فيه... هدا هو الرهان الحقيق الذي يجب أن تنصب عليه تنظيراتنا في القراءة والنقد والإبداع في أفق بلورة مدرسة إبداعية/نقدية عربية نابعة من رحم الواقع العربي. سؤال: إذا كنتم ترون أن الشعر لتونس و الرواية للجزائر و القصة للمغرب.. ترى من ترشحونه لخلق مشروع كمشروع "الحاءات الثلاث" في مجال الرواية من الكتاب الجزائريين و في مجال الشعر من الشعراء التونسيين؟ جواب: لا أعتقد أن الأمر يتعلق ب"تعيين" مشرف أو "انتخابه" أو "انتدابه" أو غيرها من أشكال مصادرة روح التطوع لدى الفاعلين الإبداعيين. أعتقد أن الأمر يتعلق بعمل تطوعي نابع من الأعماق. وهدا العمل التطوعي تحكم فيه ثلاث دوافع أساسية: الإرادة الفردية، الغيرة على الثقافة الوطنية، والتسلح بترسانة "نظرية" لتأطير المشروع. لدلك، أعتقد صادقا أن المشرف على المشروع ينبغي أن يكون كاتبا وناقدا في آن لأن مجال الإشراف على مشروع إبداعي يتجاوز "الكاتب الخالص" (Sheer Writer) الذي يضمر خلفياته المعرفية ورؤاه الجمالية؛ كما أن المجال يتجاوز "الناقد الخالص" (Sheer Critic) لعدم قدرته على الكتابة الإبداعية ووضع تنظيراته حيز التنفيذ. إن مجال الإشراف ينبغي أن يعطى ل"المبدع" الذي يجمع بين مهارات الكاتب و كفاءات الناقد: إن "المبدع" في مجال الكتابة الأدبية يبقى أعلى مرتبة من القاص والروائي والشاعر والمسرحي تماما كما يبقى "المفكر" أعلى مرتبة من المتتبع والناقد والباحث في باقي فروع المعرفة الإنسانية... إن "المبدع" هو المؤهل للإشراف على مشاريع مماثلة لعدة أسباب: أولها، أن "المبدع" مشرف عضوي يكسب المشروع حرارة وحماسة؛ ثانيها، أن "المبدع" إن كان كاتبا مشاركا يغني المشروع بآرائه ومقترحاته كلما أغنى نصه؛ ثالثها، أن "المبدع" يمكنه التدخل بالمساعدة أو التوجيه إدا ما تطلب الأمر دلك... وهذه النقاط الإجرائية الثلاث يصعب توفرها في "الناقد الخالص" الذي لا تسكنه روح الكتابة الإبداعية. سؤال: من خلال تجربتكم في عالم الكتابة وجس نبض مقروئية ما تكتبون، هل الكاتب الجيد هو من يخلق القارئ الجيد أم أن العكس هو الصحيح؟ جواب: الكاتب الجيد وسط مجتمع أمي هو كاتب غير موجود. والقارئ الجيد وسط فوضى التسيب على الكتابة هو قارئ مهدد بالتنحي والاعتزال والانقراض... أعتقد أن القارئ الجيد يصنع الكاتب الجيد حين يكون هدا الكاتب قد رسم صورة الجودة له ولقارئه. سؤال: ما هي المعايير التي تم على أساسها اختيار الخمسين عملا إبداعيا مغربيا لتجسيد مشروع "الحاءات الثلاث" على أرض الواقع ؟ جواب: المعايير كانت معايير بسيطة: أن يكون الكاتب مغربيا وأن يكون العمل قصة قصيرة وان يكون موضوعها "الحلم" في الجزء الأول و"الحب" في الجزء الثاني و"الحرية" في الجزء الثالث. وقد ركزنا على فئة الأقلام الشابة لكونها تبشر بالقدرة على تبني قيم مشروع "الحاءات الثلاث" وإغنائها وتعميقها في أعمالها القادمة. سؤال: هل لديكم نية لتوسيع و تعميم تجربة "الحاءات الثلاث" لتشمل بلدان المغرب العربي كبعد إقليمي أصغر والوطن العربي كبعد ثقافي و فكري ومعرفي أكبر ؟ جواب: لقد اعتمدنا حتى هده الساعة على قدراتنا الذاتية فحسب، إعدادا وترجمة وترويجا وطبعا ونشرا وتمويلا... وحين تفتح المؤسسات الثقافية العربية أبوابها للفعل الذي أُسِسَتْ من أجله، آنذاك يمكننا التفكير في توسيع المشروع وسأكون سعيدا بدلك إما بالإشراف المباشر أو بالمساعدة على دلك. إن "الحاءات الثلاث" في نسختها المغربية تبقى النواة الأولى لمشروع قد يمتد ليشمل الكتابة الإبداعية العربية من الماء إلى الماء. سؤال: هل من كلمة للأقلام الشابة ؟ جواب: ما يمكنني قوله للأقلام الشابة، وأنا منها، هو أن طريق الكتابة الإبداعية، سواء كانت شعرا أو مسرحا أو سردا، طريق شاق وطويل ويتطلب الصبر والمثابرة وتوسيع القراءات وتنويعها والإنصات للذات في لحظات خلوة منتظمة ويومية وعدم التسرع بنشر كل نص تم الانتهاء من مسودته الأولى فالنص ينمو كما ينمو كاتبه وكلما تأخر النص عن النشر كلما صار أنضج. فالأمر يتعلق بصناعة ذوق جمالي لدى الأجيال القارئة وليس بتحرير طلب عمل... مَثَلُ فِعْلِ الكتابة كَمَثَلِ فِعْلِ الماء في صخور الأودية: في البداية، يقضي الماء وقتا طويلا في حفر مساره وتعميقه وتكسير العراقيل في طريقه وجرفها معه. لكن بعد رسم المسار، ينساب الماء انسيابا حرا هادئا بلا حواجز ولا عراقيل. كذلك الأمر بالنسبة الكتابة التي يتطلب تملكها سنوات طويلة ولكن مباشرة بعد رسم المسار تنساب الموهبة طيعة حرة طليقة.