وأنت تكتب تشعر بسعادة كبيرة لأنك ستترك من بعدك نصوصا تشهد على أنك كنت ذات عمر تنسج من أحاسيسك عالما مثاليا..لايهم إن نسجت تلك النصوص من خيالك أو من واقعك المعاش فهي تسكنك وترافقك أينما حللت ، يقاسمك أبطالها لذة الانتصار ومرارة الهزيمة. هم أبطال استثنائيون يريدون عالما خاصا بهم لامكان فيه للكائنات البشرية لذلك يفضلون البقاء في ضميرك المستيقظ وذاكرتك المرهقة بما مضى. زحمة من الأفكار تحاصر أنفاسك المتوهجة تجعلك في حالة من الحيرة والقلق، تنتظر ميلاد نصك بشغف..ومع نشوة الانتظار يتبادر إلى ذهنك السؤال التالي: هل يمكن للكلمة أن تكون بلسما للجرح وهل يمكن لنبض الحرف أن يعيد الحياة إلى القلوب الظامئة والنفوس الحيارى ؟ ومع المحاولة الأولى تجد نفسك تمتص من الشعر كلامه ومن الحكي بناءه: "هذه الغرفة المسكونة بأشباح عواطفي والمؤثثة بأطياف من سبقوني تحوي أقدم خزانة عرفها تاريخ البشرية ..بها صورة نادرة لأمي وبقايا من رذاذ الشاي ..يحز في نفسي أن تهوي يوما ما بفعل الأقدمية". ستفكر حتما في الآخرين البعيدين الذين يسكنون سجنا كبير فتستحضرهم في نص رائحة العاصمة: ""تذكرت كيف أن صديقتها انفجرت ضاحكة عندما أخبرتها أنه معتقل العاشقين المتهمين باقتراف جريمة الحب" فتكتب عن محاكمة الرجل الأخرس الذي اتهموه بالكلام "كان يعوي مثل الذئب ودموع الألم تنهمر من عينيه.. " وترافع لصالح المجنون الذي يحث المارة على التزام الحكمة:"قالت في مرافعتها أنه على حق واستندت على المثل الذي يقول خذوا الحكمة من أفواه المجانين". وأنت تكتب تشعر كم ظلمت الآخرين عندما اتهمتهم بالنرجسية المفرطة لمجرد أنك رأيت أوراقك تعج بصورهم وحكاياتهم بينما كانوا في الواقع يستغلون زمنهم المحدود في العمل بصدق وإخلاص..بعد سنوات ترجع إلى نصك فلا تجد أثرا لهم..وإنما لصورهم وحكاياتهم فقط فتشعر كم كنت مذنبا في تصورك عندما تجد نفسك خارج حدود وطنك ستكتب عن غربتك وعن مصيرك الذي تحول إلى فاكهة عسلية مرة المذاق ..يعود الزمن بذاكرتك إلى الوراء فتكتب عن الزمن الأخضر:" الحقول تعبق برائحة التربة الندية, وأوراق الأشجار المتساقطة تعلن عن رحيل موسم وبداية موسم جديد.. كان المعلم يطلب منهم أن يرسموا الأشجار والمنازل والمزهريات الممتلئة بالورود, أما هي فكانت تحب رسم الأسماك والقطط لقد عشقت الحرية منذ صغرها..". عقيلة رابحي كاتبة وإعلامية جزائرية