لم يكن أحد يتوقع أن يتحول لباس رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، خلال زيارته للمدينة المنورة إلى مادة دسمة للنقاش. فالرجل الذي لا يتقن فن الخطابة، ويعاني من صعوبة في التواصل، وجد نفسه هذه المرة في قلب زوبعة بسبب جلباب ارتداه بطريقة أقل ما يقال عنها إنها غير مألوفة!
ظهر أخنوش مرتديا جلبابا فوق سروال عصري وحذاء شبه رياضي، وهو مشهد لم تألفه أعين المغاربة، لا في الداخل ولا في الخارج. إذ لطالما كان الجلباب المغربي أكثر من مجرد لباس، بل هو عنوان للأصالة والهوية، والتزام غير مكتوب في الأعراف المخزنية، حتى قبل أن يصبح تقليدا راسخا بين المسؤولين. لكن رئيس حكومتنا، قرر كسر القواعد، على طريقته المعتادة، ليس من باب التجديد، ولكن من باب سوء التقدير!
ويبدو أن أخنوش لم يدرك أن لباسه كان رسالة في حد ذاته. لأنه حين يذهب مسؤول إلى أرض الحرمين لأداء العمرة، فإن ظهوره بالزي التقليدي المغربي ليس مجرد ديكور، بل هو امتداد لرمزية الدولة وهيبتها. وكل المسؤولين الذين سبقوه، من وزراء وسفراء وغيرهم، فهموا هذه القاعدة جيدا، والتزموا بها دون الحاجة إلى مذكرات توجيهية. لكن أخنوش، الذي لم يفلح في إقناع المغاربة بقدرته على إدارة الشأن العام، لم يفلح حتى في اختيار لباسه المناسب لهذه المناسبة.
ربما ليس غريبا أن يثير لباس رئيس الحكومة هذا الكم من الجدل، خاصة أن المغاربة لم يعودوا يفصلون بين تصرفات الرجل وأدائه السياسي. فهو رئيس حكومة جاء على حين غرة حاملا معه وعودا كبرى، لكنه انتهى إلى رئيس بلا بوصلة، وحكومة بلا هوية. ومثلما بدا مرتبكا في تدبير عديد الملفات، ظهر مرتبكا حتى في لباسه التقليدي.
في المغرب، اللباس لم يكن يوما أمرا ثانويا، فهو ليس مجرد قماش، بل هو جزء من الذاكرة الجماعية، والتاريخ المخزني، والهوية الوطنية. وكان أولى بأخنوش أن يدرك أن الجلباب لا يُرتدى بهذه الطريقة، مثلما كان عليه أن يدرك أن السياسة لا تُمارس بعقلية رجل أعمال جاء لتسيير حكومة وكأنها شركة.
لكن، يبدو أن رئيس الحكومة يصر على تقديم الدليل تلو الآخر على أنه بعيد عن نبض المغاربة، وبعيد عن فهم رمزية الأدوار التي يفترض أن يلعبها. فقد تخلى عن التواصل، وتخلى عن النقاش السياسي الجاد، وتخلى عن تقديم حلول حقيقية للأزمات المتراكمة، والآن يتخلى حتى عن رمزية اللباس التقليدي الذي اعتاد المغاربة أن يروه على رجال الدولة في مثل هذه المناسبات.
ربما يقول قائل إن الأمر لا يستحق كل هذا الجدل، وإن لكل شخص الحق في ارتداء ما يشاء، وهذا صحيح. لكن عندما يكون الشخص رئيس حكومة، وعندما يكون في مهمة تحمل بُعدا دينيا ورسميا، ويُستقبل بأرض الحرمين استقبالا رسميا، فإن كل تفصيل يصبح مهما. فاللباس هنا ليس مجرد خيار شخصي، بل هو امتداد لصورة الدولة، تماما مثلما أن خطابات رئيس الحكومة ليست مجرد كلام، بل هي انعكاس لرؤية الحكومة ومسؤوليتها.
في النهاية، قد ينسى المغاربة هذا الجدل بعد أيام، لكن ما لن ينسوه هو أن لديهم رئيس حكومة لا يجيد حتى اختيار ما يرتديه، فكيف له أن يجيد تدبير شؤون البلاد؟