تاريخياً، شهد اللباس، في بلادنا، معارك خلافية كادت حدتها أحيانا أن تؤدي إلى الفتنة، وإلى تقسيم المجتمع بين مؤيد ومعارض، ذلك أن حقائق التاريخ والجغرافيا أثبتت نسبياً أن المغاربة يتفهمون ويتقبلون، خاصة في الحواضر (فاس نموذجا)، معظم أشكال التغيير مثلما كان الأمر في أربعينيات القرن. ذلك ان امتدادات المدنية اخذت حجمها وقتذاك بفكرة القبول والاستعداد المجتمعي للتغيير بوصفه سنة الحياة وأحد قوانينها وشروطها، وبالتالي كان القبول بمظاهر التغيير تحكمه معادلات الفهم قبل الحكم القاطع المانع اجتماعياً مع احتفاظ المعارضين والمحافظين بموقفهم المعارض دون محاولة فرضه قسراً وقهراً على الآخرين، وهي ميزة مهمة تميز بها المغرب آنذاك تعكس كثيراً من التسامح أو من فلسفة التسامح المكتسبة هنا عبر خبرات راكمها المغاربة عبر تاريخهم الطويل، حيث تحصل لديهم وعي بالتسامح في الفضاء العمومي، ووعي عام قادر على أن يعطي الآخر المختلف مساحاته المستحقة بما يحفظ توازن التعايش اليومي بين المختلفين دون عداوات وحزازات. إن ثقافة اللباس في المغرب، وفي غيرها من الدول، تأثرت إلى حدٍ كبير بواقع عملية الانتاج والعمل حيث انتشر «البانطلون والقميص» منذ انتقال العمل من الحقول إلى المعامل مع ما يقتضيه ذلك من تنظيمات إدارية أخرجت اللباس من ذرائعيته المحافظة، إلى ذرائعية أخرى لا ترتبط بثقافة الفقهاء ورجال الدين الذين يشتغلون على هدف إيديولوجي خطير، سمح الآن بعودة لافتة للحجاب والنقاب.. إلخ. عبد الله العروي: الجلباب الريفي كإشارة إعجاب بمقاومة عبد الكريم ولأن للباس دلالته الثقافية والفكرية، فقد لاقى اهتماما كبيرا لدى العديد من المفكرين المغاربة، وعلى رأسهم عبد الله العروي، الذي أكد في كتابه «المغرب والحسن الثاني» أن «اللباس المغربي تطور بتطابق مع التوجه السياسي للبلد. عندما كان البلد ينفتح بشكل واسع على التأثيرات الخارجية، كان اللباس متوسطيا بشكل كبير، اندلسيا ثم عثمانيا، وعندما كان المغرب ينطوي على نفسه، كان يفضل أن يتميز بلباس خاص. في بداية القرن 19 كان السلطان سليمان الذي كان معروفا بكونه حاكما فقيها ,لكنه كان ضعيفا وبالأخص كان حظه عاثرا, أعاد اللباس الذي كان يعتقد أنه لباس النبي إلى حد أنه كان مقتنعا بأن ممارسة السنة ليست فعليه, إلا إذا كانت تمس كل مناحي الحياة. في بداية القرن 20 وفي عهد السلطان عبد العزيز, لاحظنا محاولة محتشمة للإصلاح ومرة أخرى تحت تأثير العثمانيين، كان الوطنيون قد اختاروا الجلباب الريفي كإشارة إعجاب بمقاومة عبد الكريم. لبسوا اللباس البورجوازي العصري، الذي تقلص إلى جلباب طويل مستقيم وقريب أكثر من الجسد، وهو اللباس الذي حوله محمد الخامس إلى لباس شعبي، بينما كان الوطنيون مثل أشقائهم في الشرق يميلون تدريجيا نحو اللباس الأوربي. عند الاستقلال، بدأ الاتجاه يميل بوضوح نحو التمييز بوضوح أكثر فأكثر بين وظيفتين تتميز كل واحدة بلباس وميزة خاصين، وظيفة «شريف» ووظيفة «الملك الدستوري» ووضع الحسن الثاني حدا لهذا المسلسل. وأعاد فرض اللباس المخزني الصارم الذي أصبح يستعمل، سواء في تقبيل اليد أو لتمييز الأشخاص، وانتهى في النهاية بالتفوق على تحفظات آخر الوطنيين العصريين. واللباس «الوطني» المغربي ينظر إليه اليوم كرمز للوحدة ,للاجماع للتطابق المتفق عليه بحرية. وهذا ما يفسر بدون شك ظهور اللباس الشرقي كمؤثر على رغبة في القطيعة. عبد السلام بنعبد العالي: اللباس مازال يتحدد بعوامل تفوق المهنة والرتبة والجنس أما عبد السلام، فكتب حول «الهوية واللباس» ما يلي: «ورغم أن مجتمعاتنا العربية تعرف صدى هذا المد التوحيدي إلا أننا مازلنا نعتبر اللباس علامة على هويتنا (السياسية والثقافية والدينية) إن لم يكن جزءا منها. ولعل خير وسيلة لخلخلة هذه « الهوية» اللباسية هو الكشف عن حركة تكوّنها. خير وسيلة لتجاوز الميتافيزيقا هو اقتحام أبواب التاريخ الذي يعلمنا» أن وراء الأشياء شيئا آخر، لكنه ليس السر الجوهري الخالد للأشياء، بل سر كونها بدون سر جوهري، و كون هويتها قد أنشئت إنشاء.» فلو استعنّا بمختبر التاريخ تبيّن لنا أن لهويتنا اللباسية، شأن هوياتنا الأخرى، جذورا في التاريخ، و أنها تحولت بتحوله و تطورت بتطوره، وأنها لم تكن دوما على ما هي عليه، وأننا نحن كنا من غير أن تكون هي». ويستعرض بنعبد العالي حالة المغرب تأسيسا على بعض الملاحظات التي أوردها المؤرخ عبد الله العروي حول تطور اللباس في المغرب، فيقول: «يلاحظ العروي أن اللباس المغربي تطور في انسجام مع التوجّه السياسي للبلاد. فعندما كان المغرب منفتحا على التيارات الخارجية اتخذ اللباس طابعا متوسطيا فأندلسيا فعثمانيا. و عندما كانت البلاد تنغلق على نفسها، كان المغرب يفضل أن يلبس لباسا مميّزا. عند بداية القرن التاسع عشر أقر السلطان مولاي سليمان اللباس الذي كان يُعتقد أنه لباس النبي، إيمانا منه بأن الاهتداء بالسنة النبوية ينبغي أن يشمل جميع مظاهر الحياة بما فيها الملبس.إلا أن بداية القرن العشرين عرفت في عهد السلطان مولاي عبد العزيز، و تحت تأثير الأتراك، إصلاحات محتشمة و تحولا في هذا المضمار. وعندما قامت الحركة الوطنية ضد الاستعمار اتخذ زعماؤها في البداية الجلباب الريفي، المائل إلى القصَر، لباسا ،إعجابا بثورة عبد الكريم الخطابي، إلا أنهم سرعان ما حولوه إلى جلباب بورجوازي ذي طابع حديث، وهو الجلباب المعروف اليوم الذي أشاعه الملك محمد الخامس، والذي أخذ يُعرف باللباس «الوطني». وعلى رغم ذلك، فإن بعض قادة الحركة الوطنية أنفسهم، وخصوصا أولئك الذين تشربوا منهم الثقافة الغربية، لم يجدوا حرجا في أن يجلسوا أمام مائدة المفاوضات حول استقلال المغرب باللباس «الأولى» وهذه الازدواجية مازالت إلى اليوم تطبع اللباس المغربي على العموم. فأنت ترى الشخص نفسه يلبس اللباس «الوطني» في محافل بعينها تأكيدا لهويته الثقافية أو الدينية أو السياسية، ويلبس غيره في مناسبات أخرى. فاللباس عندنا مازال يتحدد بعوامل تفوق المهنة و الرتبة والجنس، ويتخذ دلالات سياسية، بل وأحيانا أنطلوجية تمس هويتنا وتحدد ذواتنا. بل إن « علمانية» الملبس ذاتها قد أخذت تتراجع ليعود للّباس معنى يتجاوز السياسة و المجتمع، و يضع الإنسان، لا ضمن تراتبية اجتماعية فحسب، وإنما ضمن تدرّج كوسمولوجي ومقامات كونية». موليم العروسي: كان هناك مشروع يقول على الأقل إننا نتجه نحو الحداثة ويؤكد موليم العروسي، الباحث في الجماليات، أنه بالعودة لسبعينيات القرن الماضي، فالفضاء «الذي كنا نعيش فيه خارج البيت هو فضاء المدرسة والنساء بهذا الفضاء كن في الغالب فرنسيات، إنما عندما أعود بذاكرتي أرى المشهد حتى ولو كان وراء حجاب ضبابي شيئا ما.مشهد ليس فيه كثير من النساء باستثناء زميلاتنا واللواتي كن يلبسن اللباس الأوروبي أو ما كان يسمى العصري أو المتحرر (يجب أن لا تخيفنا هذه الكلمة) والكل كان يتعيش دون طرح السؤال.لكن أتذكر هنا حديثاً جرى بين أبي وشخص آخر، أبي كان يلبس الجلباب وكان يتحدث مع شخص ممن كنا نسميهم الوطنيين آنذاك، كان يرتدي البدلة الأوروبية والطربوش الأحمر، يتحدثان عن علاقة المرأة والطفل، والرجل، وما أتذكره أن والدي سأل ذلك الشخص «مَنْ مِن المفروض أن يحمل الولد في الشارع» فأجاب السيد «الأب هو المسؤول» وأبي قال له لماذا المرأة لا، فأجابه: «وماذا إذا تبول الولد على جلبابها، فالمرأة يجب أن تظل أنيقة: هذه رؤية، لكن والدي كان له هم آخر وهو أن بول الطفل على جلباب الرجل يعتبر من نواقض الوضوء لكن السيد أجابه: » الرجل بإمكانه الإنتظار، ولكن بالنسبة للمرأة، فلا يمكن لها ذلك، لأنها من المستحيل أن نسير في الشارع وجلبابها عليه بول الطفل...ثم هنام كل ما يستلزم تنظيف الجلباب وكيه بعد ذلك« فكان النقاش عادٍ، ولكن التحول حدث في فترة ما عندما أصبح اللباس رمزاً للهوية وبشكل يكاد يكون هوسا، وعدنا إلى النقاش السابق على دخول الإستعمار إلى المغرب، هل يجوز أو لا يجوز للإنسان أن يتشبه بالنصارى (النقاش الذي طرح عند عودة مجموعة المهندسين من فرنسا ودخولهم على الحسن الأول بلباس أوروبي). ولكن إذا كان من المفروض أن لانتشبه بالنصارى فهذا معناه بأن لنا لباس خاص بنا وهو الحايك بالنسبة للمرأة والجلباب بالنسبة للرجل وكان يمكن للمرأة أن تحوله بسرعة إلى غطاء للوجه متى دعت الضرورة إلى ذلك.، أضف إلى ذلك أن الحايك حدثت بسببه سنة1944 ثورة نسائية، على ما يبدو، حيث إن الفتيات في فاس ثرن، على اعتبار أن فاس كانت لا تزال عاصمة فكرية وثقافية، ولبسن الجلباب باللثام، وكن يرجمنَ في الشارع من طرف بعض الغاضبين على هذه الثورة النسوية التحررية، ولكن بسرعة تطورت المسألة سنة 1947، بدأنا نتجه نحو الحداثة، والكل يتذكر ما قاام به محمد الخامس عندما أعطى المثال ببناته على أساس أن نموذج المرأة المغربية المسستقبلية هو هكذا. أي أنه كان هناك مشروع يقول على الأقل أننا نتجه نحو الحداثة عبر في هذا الميدان أي تملك الأدوات وفي المظاهر الخارجية ومنها اللباس وهذا في حد ذاته ليس بالشيء اليسير. ولكن يبدو أن الطبقات التي أزيحت من الصدارة ومن السلطة مع وصول الاستعمار وهي بالخصوص طبقة علماء القرويين أو كل أولئك الذي أنتجتهم التقليدية مثل إبن يوسف بمراكس أو كلية اللغة بتطوان لم يستسلموا وعادوا إلى الواجهة. وهذا الأمر يمكن أن نستشفه من بعض المقالات التي كتبها عبد الكريم مطيع عن الحركة الإسلامية المغربية والتي يظهر أن الدعوة إلى مثل هذه العودة بدأت من بعيد. مطيع نفسه يقول أنه بدا يتحدث عن هذه العودة بداية من 1959 من رحم الاتحاد الوطني للقوات الشعبية. والحديث كان يدور عن العودة إلى الهوية وساعد في ذلك فشل المشروع التحديثي الديمقراطي الذي أسست له الحركة الوطنية أو على الأقل جزء من هذه الحركة مع حكومة عبد الله ابراهيم الحكومة الوحيدة التي عرفها المغرب والتي كانت تحكم فعلا وفق كل ما منحه إياها الدستور. فشل طبعا هذا المشروع بتدخل من جهات خارجية من جهة وبسبب خوف الملكية من هيمنة الحركة الوطنية على الحكم ومنازعتها سلطتها. وهكذا أخلف المغرب موعده مع التاريخ في هذه اللحظة. هذا على المستوى السياسي أما فيما يتعلق بالمستوى الرمزي فلا بد من التدقيق شيئا ما. قد يسهل أن تفرض أو تقترح نموذجا ما ولكن كيف يمكن للجماعة أن تتملكه وتجعل منه مشروعها فهذا أمر آخر، فالبؤس الروحي الذي تحدثث عنه من العقيدة تحولت إلى أداة للنضال وعوضت العقيدة الأخرى أي العقيدة الماركسية. ولقد عشت هذا الأمر في سنة 1982 أو 83 على ما أعتقد حيث كنت أدرس بكلية آداب عين الشق بالدار البيضاء وكنت ألاحظ أن هناك صراعا بين الإسلاميين والماركسيين، وكنت حينها ألاحظ أن هناك تبادل للأسلحة وتبادل أيضا في القاعدة الجماهيرية المكونة المكونة للحركتين وذلك أن الفقر والبؤس الذي كان موجودا في الماركسية كان يواجهه فقر وبؤس في الخطاب الإسلامي. لكن الخطاب الإسلامي كان يتميز بكونه يمنح بشكل مباشر جزاء يتكون في الحقيقة التالية: أي أن الشخص بعد أربعين سنة تقريبا سوف يموت وسوف يذهب للجنة، بينما كان الخطاب الماركسي لا يعطي شيئا بل يطلب المزيد من التضحيات والمعاناة والانتظار. وهنا أصبح كل تيار يؤسس عقيدته ويفقرها يوما عن يوم من الناحية الفكرية إلى حد أن البؤس الروحي أصبح متأصلا حتى اننا وصلنا إلى مستوى تحجيب كل ما هو مصدر للرغبة واللذة والمتعة. وأصبحنا ننظر إلى أن كل يؤجج فينا الرغبة فهو خطر على توازننا وتوازن خطابنا ولذا يجب إنهاؤه إما بتخطيته وحجبه وإما بقتله». ليلى صبار: هل يمكن للمنقبات الاعتقاد بأنهن لسن مجرد وسيلة لأسلمة الحياة؟ وتستعرض الكاتبة الجزائرية ليلى صبار وجهة نظرها حول الجدل الذي كان جاريا في فرنسا حول «منع البرقع»: «وأنا طفلة في جزائر الاستعمار، كنت أرى النساء يرتدين زيا أبيض هو الحايك الخفيف والأنيق، وأبصر حركاتهن لتثبيته في مواجهة الريح أو يد طفل تجذب طرف الثوب المنساب. وأنا أراهن، لم أخلهن إطلاقا أشباحا ولا اعتبرت زيهن كفنا، كما كان يزعم ذلك الأدب الكولونيالي. كنت أنظر إليهن، وكن نساء محجوبات لن أرى وجوههن ولن أتعرف عليهن، وهو ما لم أكن أرغب فيه من جهتي، لكنهن كن نساء مسلمات يتوجهن بخطى ثابتة إلى السوق، المستوصف، المقبرة، ضريح الولي أو إلى المنازل الأوربية في القرية الكولونيالية ليشتغلن بها كخادمات. بالنسبة لي، كانت هؤلاء النسوة المتحجبات، خطاهن على الطرقات المتربة والأزقة الجديدة التي خضعت للتزفيت، الأجساد المشعة حضورا تحت طيات لباسهن المتحركة، كانت هؤلاء النساء يسكن هذه الأرض، المشهد الطبيعي الذي حرثه الآباء، الأزواج، الإخوان، أبناء العمومة، العمال الموسميون، العمال الفلاحيون في المزارع، هذه الأرض ملكيتهن على خلاف المزارع والمنازل الحجرية... لكنهن كن يمشين بزيهن الأبيض كما لو أن! ومع سنوات حرب التحرير، نطق الحايك باسمهن، ليقول المقاومة ويقول إنهن من هذه البلاد، بلادهن. بعدها، ورمزا للحرية الجديدة، لم يعد الحايك يغطي جسد شابات المدينة. ذات يوم، توارى الحايك. انقرض. لكن الشابات، بنات الأمهات ( بعضهن شاركن في الكفاح الوطني) اللواتي تركن الحايك الأبيض للجدات ليخرجن بالتنورات والأحذية العصرية والشعر القصير، هؤلاء الشابات بدأن تضعن غطاء غريبا عن جسدهن المسلم فوق شعرهن، «غطاء الشعر الإسلامي»، الحجاب، وآنذاك، تحدث الناس عن حظر قرآني. وبقدر ما كان الرجال حاملو مشعل الحظر يقتلون الإخوان الكافرين، النساء والأطفال، الأساتذة والتلاميذ، الشعراء والصحفيين، بقدر ما كانت الشابات والأمهات والجدات تشددن الحجاب حول جبينهن، تشددنه أكثر يوميا امتثالا للقانون السياسي والديني الجديد، أما الحايك الأبوي الأبيض فقط تم طيه ووضع في الخزائن والصناديق العتيقة ليستعمل ككفن يوم الوفاة. بنات النساء اللواتي شاركن رفقة إخوانهن، في سنة 1983، فوق التراب الفرنسي في مرسيليا، ليون وباريس، في المسيرة من أجل المساواة في الحقوق مرتديات سراويل الجينز والأحذية الرياضية بشعرهن القصير (على غرار إناث الأجيال السالفة في صفوف المقاومة الجزائرية)، هؤلاء البنات هن من سيتظاهرن في الشارع العام بمعية الحراس الخاصين، حراس جسد الأخوات العذارى المسلم، فالحجاب مرادف غشاء البكارة، الشرف، رأسمال القبيلة الإسلامية. ولم تكتف الشابات المحتجبات بالحجاب، إذ القرآن هو الشرع، القرآن كما يخضع للقراءة والتأويل وكما يلقنه الفقهاء الجدد بالضواحي حيث لا مكان للقوانين الجمهورية، بل تحول حجابهن إلى حجاب شامل أسود، وذلك بسرعة جعلت الكثيرين لا ينتبهون إليه حين ظهوره. لا يتعلق الأمر هنا بالبرقع، أي القماش المغضن الأزرق الواسع ذو التسييج المضبب للرؤية الذي ترتديه النساء في أفغانستان، بل بالنقاب، ذلك اللباس الأسود الحاجب للمرأة من الجبين إلى العرقوب، مع مربع أسود طويل يخفي العينين، وأحيانا يضاف له قفاز أسود ليكون الزي الديني كاملا، زي لم يأمر به القرآن. لنستحضر الآية التاسعة والخمسين من سورة الأحزاب: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا». حين قراءة هذه الآية، نفكر في الفلسطينيات بنسيجهن الموصلي الأبيض والخفيف، وفي الهنديات والموريتانيات بحجابهن القطني، ومعهن يحضرنا جمال أصناف الموضات الشعبية. هل بإمكان هؤلاء النساء المنقبات المحرومات من رؤية العالم، واللواتي يحرمن الآخر من نظرتهن الحية، من وجههن البليغ الدلالة على الجسد، ومن حركاتهن الرقيقة أو العنيفة المعبرة ببساطة عن الإنسانية، هل بإمكانهن الاعتقاد شخصيا وجعل الآخرين يعتقدون بوجود مساواة بين الرجل والمرأة في رحم الدين، وهل يبرهن على قيام هذه المساواة وهن يمشين في الأرض بدون وجه ولا جسد آدميين مثل آلات معتقلة في العتمة؟ هل يمكنهن الاعتقاد بأنهن لسن مجرد وسيلة لأسلمة الحياة الاجتماعية، الحياة المدنية لعدد من ضواحي فرنسا لأن حرية النساء تولد الخوف؟ إذا كانت هؤلاء النساء المنقبات قد اخترن هذا الاستلاب، فعلى البلد حيث يعشن ويمارسن إيمانهن (فرنسا)، وهو بلد غير مسلم، أن يمنع، عن طريق مرسوم إذا اقتضى الأمر ذلك وليس بواسطة قانون، كل شخص مواطن من إخفاء وجهه كيفما كان اللباس الذي ارتضاه لنفسه. إن من حق كل مواطن في هذا البلد رؤية وجه الآخر، فالوجه أول مجال للقاء والتبادل». سمية نعمان جسوس: الأناقة بصيغة المذكر وبخصوص لباس الرجل المغربي، رصدت الباحثة الاجتماعية سمية نعمان جسوس، في دراسة لها، مراحل تطور أناقة الرجل المغربي من بدايتها وكيف تسلسلت في الزمن المغربي إلى أن تبلورت بهذا الشكل الذي بدأ يظهر به الرجال اليوم، وذهبت جسوس إلى أن الاهتمام بترميم الجسم أدى بالضرورة إلى تطوير صناعة الملابس، فالمغاربة لم يكونوا يرتدون غير الجلابة- القميص - السروال - والجابدور والسلهام في الحفلات الكبرى. لكن مظاهر الحياة الغربية وهوس الاناقة اربكت العادات وحل اللباس الضيق محل الفضفاض، و الالوان المزركشة والفاتحة محل الالوان الغامقة.وأصبح عطرالرجال يخبر بحضورهم . أصبح الرجال يغيرون «اللوك» للإحساس بالارتياح والمتعة والبحث عن جذب نظر الآخرين، خاصة النساء بمحيا بلا عيوب وفيه كثير من الاغراء. واعتبرت جسوس أن اهتمام الرجل بأناقته ظاهرة جيدة في المجتمع المغربي، لأنه لا يعقل أن تظل النساء تتهن في عالم التجميل والأناقة رغبة في إرضاء الرجال، على الرجال أن يسعوا أيضا لإرضاء المرأة وأن يعتنوا بأنفسهم من أجلها ،لأن الجمال لا يرتقي بالنفس للسمو إلا إذا كان متبادلا. عبر التاريخ كانت النساء تلعبن دور الإثارة والإغراء، يتدثرن بأجمل الثياب ويجملن وجوههن بأدوات الزينة وأجسادهن بالعطور لإثارة الرجال بنظرات مخملية وهن يتمايلن بأجسادهن في غنج ودلال.