قبل ثلاث سنوات، وبالضبط في ال18 من شهر مارس سنة 2022، اهتزت العلاقات الدولية على وقع إعلان سياسي غير مسبوق، حيث بعث رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز، برسالة إلى الملك محمد السادس يعلن فيها بشكل رسمي دعم إسبانيا لمقترح المغرب للحكم الذاتي في الصحراء المغربية، مشيرا إلى أن هذا المقترح هو "الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية" لحل النزاع.
حين صدر هذا الإعلان، بدا جليا أن الحدث يشكل اختراقا كبيرا في العلاقة بين البلدين، التي كانت تتأرجح بين الارتباك والازدواجية لعقود طويلة. حيث كانت إسبانيا قد أدمنت المراوغة في ملف الصحراء، فتارة تميل نحو الموقف المغربي وتارة أخرى تتراجع تحت ضغط الجزائر وجبهة البوليساريو. لكن في مارس 2022، انتهى هذا الغموض، وتحول إلى موقف واضح داعم للمقترح المغربي، في خطوة غير مسبوقة غيرت من المعادلة، سواء في العلاقات الثنائية أو على الساحة الإقليمية والدولية.
وبغض النظر عن الهالة الدبلوماسية التي صاحبت إعلان سانشيز، فإن التحول الإسباني كانت له تداعيات كبيرة. حيث وجدت الجزائر، التي كانت تلهث خلف مدريد للحصول على الدعم لموقفها الانفصالي، نفسها في عزلة دبلوماسية غير مسبوقة، كما فقدت جبهة البوليساريو، بدورها، أبرز ورقة كانت تراهن عليها في هذا الصراع المفتعل، الأمر الذي جعلها تغرق أكثر في عزلة سياسية متواصلة.
لم يكن التحول الإسباني مجرد رد فعل سياسي عابر، بل نتيجة لمسار طويل بدأت إرهاصاته منذ الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على صحرائه في دجنبر 2020، الذي فتح باب الاعترافات الدولية على مصراعيه، آخرها القرار الفرنسي الأخير بدعم خطة الحكم الذاتي التي طرحها المغرب سنة 2007 تحت السيادة المغربية.
ومع هذا الاعتراف، لم يتردد المغرب في استثمار هذه اللحظة التاريخية لصالحه على المستوى الاقتصادي، حيث بدأ المستثمرون الدوليون يعيدون النظر في المنطقة التي كانت حتى وقت قريب تُعتبر في نظر البعض بؤرة نزاع، فإذا بها تتحول إلى أرض خصبة للاستثمارات والشراكات الاقتصادية، خاصة في مجال الطاقة.
لكن على الرغم من هذه التطورات الإيجابية، يبقى السؤال: هل يمكن لهذا الزخم أن يستمر؟ هل سيظل الاعتراف الدولي مستمرا لصالح المغرب؟ وهل سيحافظ المغرب على هذا الاتجاه في سياسته الخارجية على المدى الطويل؟ الإجابة لا تتوقف فقط على المغرب نفسه، بل على تفاعلات القوى الكبرى في المنطقة والعالم، والتي ترى في موقف المغرب في قضية الصحراء جزءا من معادلة أكبر تتعلق بالأمن والاستقرار في منطقة البحر الأبيض المتوسط، بما في ذلك أزمة الهجرة، ومحاربة الإرهاب، والتحديات الاقتصادية…
بيد أن الواقع الذي رسمته الدبلوماسية المغربية خلال السنوات الأخيرة يظهر بوضوح أن المغرب ليس مجرد لاعب إقليمي، بل أصبح لاعبا دوليا يمتلك أوراقا استراتيجية مهمة. فالمغرب اليوم، بفضل سياسته الخارجية المتوازنة واهتمامه بتعزيز علاقاته الدولية، يمكنه أن يفرض نفسه كشريك استراتيجي لا غنى عنه، في مختلف القضايا، وعلى رأسها قضية الصحراء المغربية، التي أصبحت الآن أكثر من مجرد نزاع إقليمي.
وبالنظر إلى مسار هذه التحولات، يبدو أن المغرب ليس في صراع مع أطراف معينة فحسب، بل هو في صراع مستمر للحفاظ على موقعه المتقدم في الساحة الدولية، وتحقيق طموحاته السياسية والاقتصادية في سياق عالمي يتسم بالتحولات السريعة والتغيرات المستمرة.