على امتداد ال25 سنة من حكمه، شكَّلت صحة الملك محمد السادس مثار متابعة واسعة، ليس فقط من لدن المغاربة بمختلف شرائحهم الذين يتابعون كل صغيرة وكبيرة تخص حياة وشؤون ملكهم لاعتبارات متباينة، بل أيضا من طرف وسائل الإعلام الدولية التي تتعقب باهتمام لافت ما يجري خلف أسوار "تواركة".
من السر إلى العلن
كان التطرق إلى صحة الملك، بمثابة سر من أسرار الدولة، التي يمنع الخوض فيها، بل وصل الأمر حد الزج ببعض الصحافيين الذين تطرقوا إليها بالسجن مع ملاحقة آخرين قضائيا، غير أنه في عام 2009، سيتغير الوضع تماما، مع الإعلان عن إحداث منصب المتحدث الرسمي باسم القصر، الذي أعلن آنذاك، في سابقة من نوعها، وللمرة الأولى خلال تلك السنة عن إصابة الملك ب"روتا فيروس" مع حالة جفاف حاد، ليعود سنة 2014 ويعلن مجددا عن إصابته بأعراض زكام حاد مصحوب بحمى، إضافة إلى التهاب الشعب الهوائية، تسبب في تأجيل زيارة كانت مبرمجة إلى الصين وقتها.
وسيرا على هذا النهج المستجد في التواصل، كشفت وزارة القصور الملكية عبر بلاغ رسمي عام 2017 عن تعليق كل الأنشطة الملكية خلال فترة امتدت ما بين 10 أيام إلى 15 يوما، نظرا لإصابة الملك محمد السادس ب"إنفلونزا حادة" خلال زيارة قادته نحو الهند، لتنشر وكالة الأنباء الرسمية في شتنبر من نفس العام قصاصة أعلنت من خلالها عن خضوع الملك إلى عملية جراحية على مستوى عينه اليسرى.
في سنة 2018، تم أيضا الإعلان عن إجراء الملك محمد السادس عملية جراحية على القلب لعدم انتظام دقاته في أحد مستشفيات باريس، قبل أن يتم نشر صورة للملك على فراش المرض وهو محاط بأشقائه وبابنه ولي العهد وابنته تفاعل معها المغاربة بتعاطف باهر، كما جرى في سنة 2019 الكشف عن تعرضه إلى التهاب الرئتين الفيروسي الحاد، ما تسبب وقتئد في إلغاء سفره إلى فرنسا لتعزية أسرة وأقارب الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك.
عام 2022، تأكدت إصابة الملك بفيروس "كورونا" وهو ما كان موضوع إخبار رسمي من طرف الديوان الملكي، وفي سنة 2023 أنهت وزارة القصور الملكية والتشريفات والأوسمة، إلى علم المغاربة أن الملك محمدا السادس تعرّض إلى نزلة برد.
يوم أمس الأحد 08 دجنبر 2024، نشرت وكالة الأنباء المغربية الرسمية، تفاصيل وعكة صحية ألمت بالعاهل المغربي خلال ممارسته الرياضية الاعتيادية، موضحة في قصاصة بهذا الخصوص أنه تعرّض في نفس اليوم إلى سقوط أدى إلى صدمة على مستوى الكتف الأيسر وكسر في عظم العضد، ما تطلب إجراء عملية جراحية بالمصحة الملكية بالرباط، تكللت بالنجاح وسيعقبها تثبيت الكتف الأيسر للملك، لمدة 45 يوما، تليها فترة لإعادة التأهيل الوظيفي.
سياسة القرب محمد شقير، الباحث في التاريخ والأنثروبولوجيا، اعتبر أن تواصل القصر الملكي، بشكل رسمي، حول مستجدات صحة الملك محمد السادس يدخل ضمن "سياسة القرب التي درج العاهل المغربي منذ توليه الحكم، على تبنيها في تعامله مع مختلف فئات الشعب، بما في ذلك إخباره بكل ما يتعلق بصحته".
وعلى عكس والده الراحل الحسن الثاني، يفسر شقير ل"الأيام 24″، يلاحظ أن الملك محمدا السادس "اختار منذ البداية أن يتم الإخبار عن جديد صحته بشكل ممنهج"، لافتا إلى أن الديوان الملكي "درج على إصدار بلاغات بخصوص العمليات التي تجرى للملك، بما في ذلك العمليات التي أجريت له بفرنسا".
إلى جانب الإعلان الرسمي بين الفينة والأخرى عن إصابة الملك محمد السادس بوعكة صحية، صار واضحا أن "قائد الأمة" لم يعد يجد حرجا في الظهور علنا وآثار المرض بادية عليه كما هو الحال شهر أكتوبر من السنة الجارية، تاريخ استقبال وتعيين الحكومة الجديدة لعزيز أخنوش، أو وهو يستعين بعكاز طبي خلال المناسبات الرسمية، لعل آخرها استقبال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بمعية عقيلته خلال زيارة الدولة التي خص بها المملكة أواخر أكتوبر الفارط، في مشهد لم يألفه المغاربة أثار فيهم مشاعر التعاطف والقلق.
حسب المحلل السياسي محمد شقير، فإن مما يزيد من حرص القصر الملكي على إصدار هذه البلاغات هو "أهمية الدور الشخصي للملك بصفته رئيسا للدولة في تحريك دواليب الحكم بالمغرب، الشيء الذي يتطلب تعافي الملك وتمتعه بصحة جيدة"، كما أن "اعتلال صحة الملك خلال السنين الأخيرة، يجعل من الضروري، تلافيا لكل الإشاعات التي قد تغلط الرأي العام والتي قد تستغل بشكل سلبي من طرف جهات معادية، الإسراع في إصدار هذه البلاغات من الديوان الملكي كمصدر رسمي لطمأنة الرأي العام وإخباره حول كل ما يتعلق بصحة الملك، خاصة وهو يعرف التعلق الشعبي بشخصه والمتابعة التي يحظى بها من طرف مختلف مكونات الشعب المغربي".