يعد الأمن القضائي المقياس الأصلي في بناء دولة الحق والقانون، وسيادة ثقافة حقوق الإنسان، والحكامة الجيدة في تدبير الشأن العام عموما، والشأن القضائي بشكل خاص، ويقتضي التفعيل الايجابي لمقتضياته إصلاح منظومة العدالة، من خلال تعزيز الترسانة القانونية، وحماية الحقوق والحريات وغيرها.
وخلافا لذلك، يشهد قطاع العدالة توترات كبيرة، في ظل أزمة تصاعدت حدتها بين محامي المغرب والوزارة الوصية على القطاع، مما دفع هيئات المحامين إلى اتخاذ قرار توقيف أدائهم لمهمة الدفاع بمحاكم المملكة، احتجاجا على عدم استجابة الجهة المعنية لمطالبهم، الأمر الذي فتح باب التساؤل حول ما إذا كان الملف رهينا بحسابات تفاضلية، أبطأت عملية التجاوب الإيجابي مع ما يروه محامو المغرب مشروعا.
غياب مقاربة تشاركية
محمد الغلوسي، محام بهيئة مراكش، اعتبر في حديث ل"الأيام 24″، أن جوهر المشكل القائم بين هيئة الدفاع ووزارة العدل، هو عدم اشراك المحامين في النقاش الدائر حول مشاريع القوانين، خاصة تلك التي تهم منظومة العدالة، وبالأخص تلك التي تهم تنظيم مهنة المحاماة.
وأضاف الغلوسي أن المحامين ظلوا دائما يطالبون بمقاربة تشاركية، في إعداد تلك القوانين، وظلت أياديهم ممدودة للحوار والنقاش، متأسفا، "لكن وزارة العدل اختارت أن تعتمد نهجا انفراديا واستفزازيا للمحامين، من خلال خرجات وزير العدل التي تصب الزيت على النار.
وفي نفس السياق، وانسجاما مع الدستور، دعا الغلوسي إلى ضرورة نهج المقاربة التشاركية، التي تجعل هيئة المحامين شريكا أساسيا في صياغة ووضع مشاريع القوانين، التي تهم قطاع العدالة، وبالدرجة الأولى، تلك التي تهم تنظيم مهنة المحاماة، والمسطرة الجنائية والمدنية.
إصلاح منظومة العدالة
من جهته، قال عبد الغني السرار، أستاذ العلوم السياسية بكلية الحقوق بالجديدة، في تصريح ل"الأيام24″، إن مشروع إصلاح العدالة يعتبر التزاما حكوميا سابقاً، نص عليه البرنامج الحكومي 2026 – 2021، الذي أكد أن إصلاح منظومة العدالة والإصلاح القضائي لا يقتصر على الجوانب التقنية فقط، بل له بعد استراتيجي يهدف لبناء دولة الحق والقانون، وتحسين مناخ الأعمال، ومحاربة الفساد، وجعل المواطنين سواسية أمام القانون، غير أن المنهجية التي باشر بها القطاع الوصي هذا الإصلاح، لاقت اعتراضات من بعض الهيئات الفاعلة في قطاع العدالة بالمغرب.
وأشار السرار إلى عدم مقاربة موضوع إصلاح العدالة والقضاء مقاربة فئوية، تجزيئية، واختزالية، بل لا بد من مقاربة الموضوع مقاربة شمولية تأخذ بعين الاعتبار التزامات المغرب تجاه هيئات المعاهدات، والتوصيات الختامية الصادرة عن هذه الهيئات، وبالتالي فإن مشروعي قانوني المسطرة المدنية والمسطرة الجنائية يندرجان في إطار تفاعل المغرب مع هيئات المعاهدات، وملاءمة التشريع الوطني مع أحكام الدستور، والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، ويدخل أيضا في إطار تجاوبه مع الهيئات والمنظمات الدولية، الساهرة على احترام حقوق وحريات الأفراد.
أمن قضائي لاستثمارات أوسع
أضاف السرار أن ورش إصلاح منظومة العدالة، من زاوية المقاربة الشمولية كذلك، يصنف في إطار تحقيق الأمن القانوني والقضائي، باعتبارهما رافعة أساسية لجلب الاستثمارات الوطنية والأجنبية، بالشكل الذي يوفر مناخا يجعل المستثمر يشعر بنوع الطمأنينة والإرتياح، تجاه السلطة القضائية، وتزداد إلحاحية تحقيق وتوفير الأمن القضائي، إذا ما إخذنا بعين الاعتبار أن المستثمر الأجنبي، خاصة، لا يمكنه المجازفة بأمواله، ما لم يتأكد من وجود قضاء مستقل وقوي، قادر أن يحمي أمواله ومصالحه، انطلاقا من دور القضاء،.كمؤسسة محفزة للاستثمار، وجلب رؤوس الأموال الوطنية والأجنبية على حد سواء.
وارتباطا بالموضوع، أكد السرار أن المنهجية الجديدة في صناعة التشريع، تنص على تبني وإعمال المقاربة التشاركية، وهو الأمر الذي نص عليه دستور 2011، من خلال الفصلين 12 و13، لكن في نفس الوقت لا يجب المغالاة في تفسير المقاربة التشاركية، وتجنب كل غلو يحولها لآلية تعيق وتشل مبادرة الوزير الوصي على القطاع، ومن خلاله السلطة التنفيذية، صاحبة الاختصاص الدستوري المتسامي حتى عن البرلمان في المجال التشريعي.
وفيما يتعلق بالقضايا الخلافية بخصوص مشروعي قانوني المسطرة المدنية والمسطرة الجنائية، أوضح المتحدث نفسه أنه يمكن مناقشتها والتشاور بشأنها، بمناسبة المناقشة داخل اللجنة البرلمانية الدائمة المختصة، وإدخال التعديلات والتصويت عليها كمرحلة أولية، ثم أثناء الجلسة العامة، من خلال تقديم ومناقشة التعديلات، والتصويت والمصادقة على النص النهائي، وتجنب المزايدات والتشنجات السياسية.