يؤكد الخبير في الشؤون العسكرية والأمنية عبد الرحمان مكاوي في هذا الحوار أن جبهة "البوليساريو" بعدما فشلت في جميع استراتيجياتها انتقلت إلى الحرب الإلكترونية بأدوات مع الأسف مغربية شكلت طابورها الخامس، ولم يتبق لها سوى فبركة إشاعة "وفاة الملك" من أجل إثارة البلبلة وزعزعة النظام بعد الفحوصات الطبية التي خضع لها الملك، وهذا السيناريو، كان محضرا له بصفة مسبقة منذ عدة محاولات فاشلة في الماضي، وتهدف عبر ذلك إلى ما أسماه محاورنا بتطبيق خطة "ضرب الجمل على الركبتين"، معولين في ذلك على الشبكة العنكبوتية وبعض الأصوات المغربية المعارضة التي تعيش في الخارج لترويج مثل هذه الشائعات حتى يتم تصديقها في الداخل. ما هي مصلحة جبهة "البوليساريو" في ترويج إشاعة وفاة الملك؟
هذا التشويش الضخم الذي تروج له مصادر معروفة تأكد بصفة مباشرة من خلال تصريح أحد المسؤولين السياسيين ل "البوليساريو"، الذي قال إننا فشلنا إلى حد الآن في جميع الاستراتيجيات التي اتبعناها منذ سنة 1991، تاريخ وقف إطلاق النار، والآن الاستراتيجية محددة من طرف "البوليساريو" وهي ضرب النظام وإلهاؤه في مشاكل داخلية جانبية قصد نشر الفوضى وزعزعة الاستقرار. هذه الإشاعة تمت فبركتها في أقبية معروفة لدى الجنرالات الجزائريين وزملائهم في بعض الدول، وهي استراتيجية إسقاط النظام مع تجييش جميع أبواق المعارضة بكل أطيافها المسيحية والملحدة والإخوانية والسلفية لنشر أكاذيب وترهات حول شخص الملك، مستغلين أي ظرف من الظروف لإثارة البلبلة وزعزعة النظام وإضعافه وتفكيكه. هذه الاستراتيجية التي أكدها مسؤول سياسي ل "البوليساريو" تسمى ب "ضرب الجمل في الركبتين"، هذه المرة اعتمدوا أساسا على بعض المعارضين المغاربة الممولين من طرف DSS (المخابرات الجزائرية)، ونلاحظ أن الخطاب الذي يروج له من طرف هذه المعارضة في أوروبا أو في الولاياتالمتحدةالأمريكية، أو حتى في أمريكا اللاتينية، خطاب موحد في إطار ما يسمى "الرماية الموحدة والمكثفة" أو "Le discoure Groupé"، وهذا يظهر من خلال هذا السيناريو الذي استعمل لإرباك الرأي العام عبر الشبكة العنكبوتية، وهو نفس السيناريو الذي اتبع في إسقاط الرئيس التونسي السابق زين العابدين بنعلي وفي إسقاط القدافي ومبارك، في إطار ما يسمى ب "الخريف العربي".
هناك استراتيجية محددة تظهر أن المعارضة هي التي تقود هذا التشويش بفعل فاعل، لكن في الواقع الذي يحركها أساسا هو جبهة "البوليساريو"، التي تحاول توحيد صفوف تلك المعارضة رغم تناقضاتها الإديولوجية وخطاباتها المتعارضة رغم أن "البوليساريو" ليست بمنظمة تحريرية لأنها لا تمتلك لا قرار الحرب ولا قرار السلم، بل هي في الواقع عبارة عن ذراع استخباراتي وميليشيا مسلحة تحركها دولة جارة تسعى إلى الهيمنة على منطقة مضطربة ومشتعلة وملتهبة، وهي شمال إفريقيا، وبالتالي ينبغي ألا نقع في هذه الفخاخ وأن نعرف كيف نفكك الألغام التي نصبوها في طريق المغرب. هي في الأخير جريمة مكتملة الأركان تحضر لإسقاط المغرب في براثن الفوضى، فالبنسبة للاستراتيجية الجديدة التي تعتمدها مخابرات دول معادية هي أن "البوليساريو" لا يمكنها أن تحصل على استقلالها إلا بنشر الفوضى داخل الدولة المغربية وبين الشعب المغربي، وبالتالي ينبغي اليقظة، لأن هناك أكثر من طرف في المنطقة وفي العالم له أجندته في المغرب ويسعى إلى إسقاط الملكية التي تمثل الإجماع الشعبي في هذا البلد.
بصفتك خبيرا في الشؤون العسكرية والاستراتيجية.. كيف تنشأ الإشاعة وكيف تتحول من خبر مفبرك إلى حقيقة يصدقها البعض؟
الإشاعة هي تقنية يتم طبخها وتحضيرها مثل "الكميلة" بالمفهوم المغربي، فهي تطبخ على نار هادئة وتنشر في أوساط معينة، وهذه الأوساط تقوم بتسويقها في منابر معينة حتى تنتشر، فالإشاعة مثلها مثل النار، تبدأ هادئة ثم تشتعل، وهي تقنية للدعاية والبروباغاندا، وقد نهجتها العديد من الأنظمة منذ العصور الغابرة، وتفنن فيها نابوليون بونابارت وقبله لينين ثم ستالين اللذان خلقا جهاز المخابرات المعروف ب KGB، وهو الأب الروحي للقائمين على المخابرات في بنعكرون في الجزائر، فكل جهاز له مختبر لصناعة الإشاعة، والترويج لها، وتحديد الأهداف التي قد تصل إليها والرد على الاشاعات المعادية، فحتى النبي صلى الله عليه وسلم كان دائما يحذر من الإشاعة (فإذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا).
والإشاعة تحارب بالحقيقة في حينها، فلا يمكن أن تترك الإشاعة تنتشر وخاصة في الوقت الراهن، بل ينبغي اجتثاثها بدعاية مضادة وبخطاب مضاد علمي مقنع، خاصة المعلومة الحقيقية الموجهة للرواد الشباب للأنترنيت وإبعاد كل الأصوات التي تلعب في صالح الإشاعة، على سبيل المثال ما حدث في رواندا وقصة إذاعة "ألف مدية" التي تسببت في الحرب الأهلية الرواندية التي ذهب ضحيتها نصف مليون رواندي، وهذه الحرب أساسها إشاعة مغرضة.
الدولة المغربية يبدو أنها كانت ذكية في ردها على إشاعة "وفاة الملك"، من خلال خطاب الصورة، إذ تم نشر مجموعة من الصور بشكل يومي في منصات التواصل الاجتماعي تظهر الملك محمد السادس وهو يتجول في شوارع باريس وبصحة جيدة؟
الصراع المغربي الجزائري ومن ورائه الدمى المعروفة هو صراع يتموقع على مستوى الكلمة والصورة في إطار الحرب الإلكترونية، وسنة 1991 كنت قد كتبت مقالا حول هذا الموضوع "صراعنا المستقبلي بيننا وبين الجزائر سوف يكون على مستوى الكلمة والصورة". فالرد المغربي كان ذكيا، وانتبه إلى أن نشر هذه الأكاذيب والإشاعات له أهداف استراتيجية، وهو تكتيك هيئ في ظلام دامس وينتشر في وسط أمي جاهل، وهذا ما أكده كما قلت "Code" هذه العملية الاستخباراتية، وهو "ضرب الجمل على مستوى الركبتين" وهذا مثل حساني. وهذا ما تعمل "البوليساريو" على تحقيقه، خاصة بعد توجهها إلى الاقتراب من منابر إعلامية لبعض المعارضين المغاربة الذين لهم منظور آخر للمغرب، وبالتالي ف "البوليساريو" تريد تحريك هذه الأدوات المغربية على الوسائل الرقمية، ولكن أعتقد -بدون أن أتوفر على معلومات لأن هذه الأمور تبقى في السرية- أن الرد المغربي كان ردا سريعا مضادا، وقد انتبه المغاربة إلى هذه المؤامرة التي تم التحضير لها بهدف فصل الأقاليم الجنوبية عن المملكة المغربية، وهذا سيناريو يحضر له في الخفاء. فالإشاعة جاءت مباشرة بعد إجراء الملك لفحوصات طبية على مستوى القلب وحكم محكمة العدل الأوروبية وكذا التلويح بالحرب قبل انعقاد مجلس الأمن، وهذه عملية محكمة لتشتيت الرأي العام المغربي ونشر أكاذيب حول خسارة المغرب لصحرائه في حرب قانونية وقضائية، ونقل بأمر من رئاسة الأركان الجزائرية ميليشيا "البوليساريو" إلى منطقة "بئر الحلو" أمام الجدار الأمني، وهذه كلها لها علاقة مباشرة بنشر إشاعة وفاة الملك.
يبدو أن هذه الإشاعة كانت مدروسة على مستوى التوقيت، فهي تأتي قبل أسابيع فقط من التقرير الذي سيقدمه المبعوث الأممي للصحراء كولر لمجلس الأمن، وعلى مقربة من شهر أبريل، حيث يعود النقاش مجددا حول ملف الصحراء في مجلس الأمن؟
هذا ما يسمى في علم الدعاية بالرماية المركزة والمكثفة "Tire Groupé" في اتجاه واحد، أي في اتجاه المؤسسة الملكية والجيش والدين والأمن والاقتصاد، هي إشاعة تتم فبركتها لبلوغ أهداف معينة، وبوسائل معينة مضبوطة وفي مناخ جيوسياسي معين، فالإشاعة في نهاية المطاف هي كذبة و"حبل الكذب قصير"، لا يمكن أن تصمد إلا إذا تم بناؤها حسب معايير استخباراتية دقيقة يعلمها من صنعوا هذه الإشاعة في الأقبية المظلمة لأجهزة استخبارات معينة، لا تريد الخير للمملكة، وكما قلت مسبقا في أحد المنابر الإعلامية، إنهم لا يقدرون أنهم أمام 40 مليونا من "شعب الجبارين"، فالمغاربة يتوفرون على ذكاء كبير، لمحاصرة والرد بسرعة بجميع الوسائل على هذه المؤامرة. هي جريمة مكتملة الأركان، تشبه إلى حد ما ما حضر في تونس وفي ليبيا ومصر واليمن وسوريا، وإذا قارنا نجد أن أجهزة استخباراتية محلية ودولية تعمل لإسقاط النظام وإزاحته نظرا لصموده في ما يخص قضية الصحراء، ونظرا لرفع لواء التعاون جنوب جنوب، وبالتالي فهم يريدون للأمة أن تعيش في فوضى واقتتال وعدم التقدم.
لذا ينبغي إعادة النظر في تكوين الجيش الإلكتروني المغربي على أسس صحيحة، لأن استعمال "البوليساريو" لهذا السلاح بأدوات هذه المرة مغربية يتطلب ردا سريعا وبلغة واضحة، وفي الوقت المناسب بعيدا عن الأنظار، لأن سرعة نشر الإشاعة قد تكون لها في بعض الأحيان نتائج سلبية. فالأعداء هم واهمون من سوء تقديرهم للطاقات والكفاءات الوطنية التي قد تزحزح أوكارهم وأقبيتهم المظلمة.