كعادته في مثل هذه المناسبات، يقدم الخبير العسكري و الاستراتيجي عبد الرحمان المكاوي رأيه في حرب الاشاعة و حرب الصورة في ما يتعلق بنشر الجريدة الاسبانية “إلموندو” لمقال طويل و عريض يتحدث عن مرض الملك المزعوم، و ذهب الصحافي الاسباني كاتب المقال إلى حد التأكيد أن “أيام الملك معدودة”، بعدما بنى على “غفوة” الملك لثوان خلال حضوره لاحتفالات الذكرى المئوية لنهاية الحرب العالمية الأولى بباريس قبل أيام. ورغم أن الكثيرين ممن تواصلنا معهم للتعليق على مقال “إلموندو” رفضوا الحديث بدعوى أن هذا الموضوع حساس، غير أن الدكتور عبد الرحمان المكاوي لم يتردد في قبول دعوتنا، فبحسبه مثل هذه الإشاعات لا يمكن السكوت عنها، كما أن مناقشتها و تحليلها لا يجب أن يترك لمن هب و دب لأن مثل هذه المواضيع “ليست لعب الدراري”، و بالتالي يجب مناقشتها و الرد عليها بكل حزم و صرامة. و في هذا الحوار يتتبع السيد المكاوي خيوط هذه الإشاعة و يفكك أبعادها، و الاشاعة في نهاية المطاف لا يمكن أن نعرف أبعادها وخلفياتها إلا إذا عرفنا من المستفيد منها. ما هي قراءتك لمقال جريدة “إلموندو” الاسبانية حول صحة الملك، وذهبت إلى حد القول أن “أيام الملك معدودة”، هل هناك سوء نية من وراء هذا المقال أم هناك جهات خفية تقتات وراء نشر مثل هذه الإشاعات، من خلال تحريك بعض الأقلام الصحفية وتجنيدها لأجندات معينة ؟ جريدة “إلموندو” و بعض المنابر الاعلامية الأخرى مثل “أريزون” لهم علاقة وطيدة وعلاقة عضوية مع الجزائر. “إلموندو” التي خرجت بذلك المقال نعرف مواقفها من المغرب، وهي مواقف ثابتة منذ القدم، فهي تحبذ تغيير النظام في المغرب بأي شكل من الأشكال. “إلموندو” على مستوى رئاسة التحرير، نعرف أن صحفييها من اليسار القريب من الكنفدرالية العامة للشغل، وهي أيضا جريدة قريبة من الحزب الشيوعي الاسباني، أما مالكوها و ممولوها هم من البورجوازية الفرنكية (نسبة إلى فرانكو) التي لازال لها نوستالجيا و حنين إلى عهد فرانكو، الذي حاول الهيمنة على المغرب و خاصة شمال المملكة، وفي هذا الإطار لا يجب أن ننسى أن فرانسو في سنة 1936 إدعى الاسلام و سمى نفسه عبد الله، وجر الريفيين و الكثير من المغاربة في حربه الأهلية تحت شعار “تحرير الأندلس الإسلامية”. جريدة “إلموندو” حاولت تضخيم إشاعة مرض الملك، وقامت بإدراج بعض أنواع الأمراض التي أدخلتها في مقالها لتوتير الأوضاع الداخلية في المغرب، فإسبانيا و هذا الجناح الفرنكي اليساري يريدان أن تكون لاسبانيا كلمة حول الشؤون الداخلية المغربية، وهذا تدخل سافر في الشؤون الداخلية للمغرب لخدمة الأجندة الفرنكية و اليسارية التي لا تحبذ استقرار و تطور المملكة خاصة بعد اقتناء المغرب للقطار السريع و القمر الاصطناعي “محمد السادس ب”، فكل هذه الأشياء أربكت حسابات الأجندات المناوئة للمغرب. هذا المقال الذي هو عبارة عن تضليل و تسريب إشاعة… (مقاطعا).. في اعتقادك هل مقال جريدة “إلموندو” الاسبانية عن صحة الملك هو مجرد تخمينات من وحي الخيال، أم أنها تسريبات إستخباراتية إسبانية ؟ صحافيوا جريدة “إلموندو” يعتقدون أن المخابرات الاسبانية (SMI) تعلم ما يجري في المغرب وتعلم كل كبيرة و صغيرة، وهذه إشاعة أخرى تثيرها بعض الأوساط الفرنكية، وخاصة على مستوى المخابرات الاسبانية أو القيادة العسكرية الاسبانية. فجرائد إسبانية مثل “أريزون” أو “إلموندو” و منابر أخرى، تحاول الاعتماد على بعض التسريبات المغلوطة للمخابرات الاسبانية و القيادة العليا للجيش الاسباني في أمور تمس المغرب، على أساس أن هذه المخابرات تعلم كل ما يجري في المغرب، وهذه من المغالطات التي تسقط فيها بعض المنابر الاعلامية الاسبانية و تجر إليه بعض المنابر الأخرى الجزائرية مثل جريدة “لكسبريسيون” و “ليبيراسيون” و “النهار” و “الشروق”. هذه “الاجتهادات” التي تقوم بها الصحافة الإسبانية هل تعبر عن الرأي الرسمي للدولة الاسبانية أم هي اجتهادات خارج النص، تعبر فقط عن ما يتمناه بعض الأشخاص المتحكمون في بعض الصحف، هذا إذا علمنا أن العلاقات المغربية الاسبانية منذ رحيل رئيس الوزراء الاسباني خوسيه ماريا أثنار علاقات متميزة جدا ؟ ما كتبته “إلموندو” ليس بموقف رسمي للدولة الاسبانية و لكن هناك بعض الأطراف تحاول توتير العلاقة بين الرباط و مدريد، وهي بالمناسبة علاقات متميزة خاصة في ما يرتبط بمحاربة الارهاب و الهجرة السرية إضافة إلى التعاون الاقتصادي المتعدد الأطراف. هناك أطراف لا تحبذ هذا التواصل و التقارب الاسباني المغربي. أكثر من ذلك هناك بعض الجهات في الجزائر تشجع الجزائريين للاستثمار في العقار و الزراعة في إسبانيا، وعندما نشاهد مدنا في إسبانيا مثل مدينة أليكانتي و فالنسيا وما جاورهما، نجد أنهما أصبحتا مدن جزائرية إلى درجة أن الخط البحري الرابط بين وهران و أليكانتي أصبح من الخطوط المهمة للمبادلات التجارية الاسبانية مع بلدان المغرب العربي. وفي هذا الإطار هناك محاولة جزائرية للمساس بالتقارب المغربي الاسباني واستبداله بالتقارب الاسباني الجزائري، و تاريخيا هذا لا يصمد أمام التحليل الجيوستراتيجي المنطقي، لأن إسبانيا و الاسبان يعلمون جيدا أن المغرب هو امتداد تاريخي و انساني وبشري وثقافي وكذلك تجاري مع المغرب. ولهذا فعقلاء إسبانيا وخاصة الملكية لا يمكنها أن تعكر علاقاتها المتميزة مع المغرب، و هناك مسألة مهمة جدا و هي إقدام الحكومة الاسبانية على قرار مهم على المغاربة أن يتمنونه بعدما أعلنت رسميا أنها لم تعد دولة لها شأن الإدارة في الصحراء المغربية، وهذا القرار زلزل القيادة الجزائرية وكذلك جبهة البوليساريو التي رأت في هذا القرار انسحاب اسبانيا كدولة تدير شؤون الصحراء المغربية إلى دولة ملاحظة في الأممالمتحدة. القرار الذي اتخذته إسبانيا قرار مهم سوف تكون له تأثيرات إيجابية للمغرب في المفاوضات التي تجري في جنيف بين المغرب و البوليساريو. نعود إلى إشاعة مرض الملك، ونعود إلى حرب الصورة في احتفالات الذكرى المؤية لنهاية الحرب العالمية الأولى بباريس، فالمغاربة احتفلوا بصورة الملك الذي جلس مع كبار زعماء العالم في الصف الأول، إلى جانب ترامب و بوتن و أنجيلا ميركل وماكرون، في الوقت الذي جلس العاهل الاسباني فيليبي السادس في الصف الثاني خلف الملك، بينما بعض الجهات الأجنبية ركزت على “غفوة” الملك لثوان و ركبت عليها في محاولة للبناء عليها للتأكيد على مرض الملك ؟ دائما ما تلعب الصورة دورا مهما في الحروب الاعلامية خاصة بيننا و بين الجزائر، وهذا منذ الستينات، على غرار كلمة “حكرونا” التي استعملها الرئيس الجزائري بن بلة رحمه الله في 1962، وهي الكلمة التي أشعلت الجزائريين في ذلك الوقت، والصورة استعملت أيضا حينما ظهر الحسن الثاني باللباس العسكري في المفاوضات، ومنذ ذلك الحين بدأت حرب الصورة ما بين المغرب و الجزائر. أما في ما يخص البروتوكول على أساس أن العاهل محمد السادس جلس في الصف الأول إلى جانب كبار قادة العالم في احتفالات الذكرى المئوية لنهاية الحرب العالمية الأولى بباريس، بينما جلس العاهل الاسباني في الصف الثاني، و تفسير ذلك أن العاهل الاسباني ملك يسود و لا يحكم، حيث أن الصف الأمامي كان مخصصا لرؤساء و ملوك الدول التي كانت لها مساهمة مهمة في الحرب العالمية الأولى، لأن السلاطين المغاربة لعبوا دورا مهما في هذه الحرب العالمية و ذهب ضحية هذه الحرب أكثر من 40 ألف مغربي، فمساهمة المغرب في هذه الحرب تعدت إرسال الجنود ووصلت إلى حد تمويل الحرب بالغذاء، فأرسلت المواشي و الخضر، إضافة إلى مساهمة المغاربة في تدبير وتسيير مصانع الأسلحة في أوروبا و فرنسا بالخصوص. وبالتالي فالترتيب البروتوكولي الذي تم اعتماده هو أن الصف الأمامي كان مخصصا لأصحاب القرار في دولهم، و من بينهم الملك محمد السادس، وفي الصف الثاني نرى فيه الوزير الأول الجزائري أحمد أو يحيى، فهو الآخر كان نائما طيلة خطاب الرئيس إيمانويل ماكرون. كيف تفسر “غفوة” المسؤولين، سواء غفوة الملك أو غفوة الوزير الأول الجزائري أحمد أو يحيى أو غفوة الرئيس الأمريكي ترامب و المستشارة الأللمانية انجيلا ميركل ؟ السبب هو إرهاق المسؤولين الحاضرين في القمة، فهناك ضغوط مختلفة، ضغوط بروتوكولية و سياسية، و ينبغي أن نتخيل مواقف هؤلاء الرؤساء. البروتوكول الفرنسي رتب الأمور بطريقة رياضية و حسابية عالية حتى لا ينعت بالمحاباة، لكن الصفوف الأمامية كانت لرؤساء الدول الذين في يدهم القرار، أما بخصوص الملك الاسباني فهو كما قلت سابقا ملك يسود و لا يحكم، و ليست له القرارات الاستراتيجية، و حتى الوزير الأول الكندي، فنعلم أن ملكة بريطانيا هي ملكة كندا في نفس الوقت، فالبروتوكول الفرنسي رتب الأمور بشكل موضوعي يتفق مع الأعراف الدولية في ما يتعلق بالبروتوكول. وما تعليقك على من قرأ صورة الملك من زاوية أخرى و ربط “غفوة” الملك بالمرض، يبدو أنها قراءة تندرج في إطار الحرب الاستخباراتية الجزائرية المغربية، التي تستعمل فيها بشكل كبير حرب الصورة ومواقع التواصل الاجتماعي و الصحافة الدولية ؟ هذا نوع من التضليل الاستخباراتي التي حاولت بعض المنابر الجزائرية الركوب عليه للحديث عن المرض المزعوم للملك بغفوته لثوان معدودة، في الوقت الذي كان فيه الوزير الأول الجزائري نائما، و إذا عدنا للفيديوهات سنرى أن أحمد أو يحيى كان في وضعية لا يحسد عليها، فهم يحاولون استغلال أي جزئية لإشاعة الأخبار الكاذبة و المزيفة و اختراع أمراض حتى الأطباء المختصين ليس لهم علم بها. أعتقد أن النظام في الجزائر لا يريد التطبيع مع المغرب، و إلى حدود الرئيس بوضياف كانت الجزائر لا تريد أبدا زعزعة استقرار المغرب، إلا أننا نشهد في عهد الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة أن هناك استراتيجية تسعى إلى زرع الفتنة في المغرب، سواء عن طريق مهاجمة عاهل البلاد مباشرة أو استغلال بعض المعارضين المغاربة الذين يسترزقون من صناديق الاستخبارات الجزائرية (DAS)، فهناك صفحات في مواقع التواصل الاجتماعي قريبة من الاستخبارات الجزائرية يحاولون بشتى السبل لزعزعة استقرار المغرب، و نرى كيف أن بعض المعارضين المغاربة تم توظيفهم في القارات الخمس لضرب استقرار المغرب بطريقة غير مباشرة، و هذا يؤسف له، ونتمنى أن تراجع تلك الأصوات المغربية حساباتها، لأن الشعب المغربي هو شعب الجبارين، و لم يعرف أي خيانة طيلة تاريخه، و التاريخ لم و لن يرحم الخونة في المغرب، و هذا أمر تؤكده العديد من المحطات التاريخية لهذا الشعب الجبار.