أقر الصحفي المغربي المقيم بألمانيا محمد نبيل بأن هناك مشكلة تواجه كل من يبحث في موضوع الإشاعة و أبعادها الاجتماعية و النفسية. ويعني بذلك دلالات الإشاعة المتغيرة،والتباين الحاصل بين ماهية الإشاعة la rumeur والخبر l'information و التضليل la désinformation. . ورأى نبيل في أرضية فكرية جاءت على شكل مقدمة لمقاله التحليلي مقدمات أولية لفهم “ثقافة الإشاعة” نشر على أوسع نطاق كونها مقدمة ضرورية لمناقشة امتداد الظاهرة وتفاعلاتها بمختلف مصوغاتها التقليدية والراهنة . وقال أستاذ الفلسفة بالمغرب سابقا أن اختلاف العبارات و الكلمات قد يؤدي بالمتتبع إلى عملية الخلط بين معنى و آخر، أي بين الإشاعة والخبر ، ويسقط بالتالي في متاهات فكرية و ثقافية كبيرة. لذلك، اقترح الصحفي البحث عن سر مفهوم الإشاعة و معانيها المتحولة و المتغيرة، بتغير العصور و الأزمنة، و طرح السؤال الأساسي : ماذا نقصد بالإشاعة ؟ في معرض إجابته أورد محمد نبيل مجموعة من وجهات نظر السوسيولوجيين وعلماء النفس مستحضرا عددا من النقاط المهمة المتعلقة بمدلول الإشاعة اعتمادا على قواميس اللغة ومدلولاتها ، معتبرا الإشاعة أقدم وسيلة إعلام، و الصوت الذي يعبر الأجواء المجتمعية بسرعة فائقة. ولما كان لفظ إشاعة يتقمص معاني كثيرة قبل القرن 19. وذلك بالنظر الى تتبني المجتمعات تقاليد شفهية في مجال تصريف الأخبار انطلاقا من العلاقة الرابطة بين الفم والأذن ، قد تجسدت الإشاعة طيلة التاريخ، في خطاب الذات للغير و الآخر. فالمجتمع المغربي عبر عنها مثلا، في ظاهرة “البراح”. لكن ، منذ القرن 19 و لحدود الساعة،يضيف الباحث بدأت الإشاعة تأخذ دلالات متعددة، و من بينها أن الإشاعة تعني الخبر، الذي لا يعرف مصدره، حيث نقول على سبيل المثال: يشاع أن أو الشائع أن (دائما مبني للمجهول)... ليخلص كاتب المقال الى أن الإشاعة هي أيضا نوع من التواصل و التفاعل بين الناس حين يصفها ب تعبير عاطفي محلي، و مراقبة مستمرة للجار و الصديق و الزميل و كل أفراد المجتمع المصغر و الكبير. لكن مع ظهور الإذاعة و التلفزيون وشبكة الانترنيت، حصل نوع من التماهي بين عمل هذه الأجهزة (المؤسسات أيضا) ذات البعد الجماهيري و الفعل المجتمعي . حيث يسجل الكاتب أن هذه المؤسسات الإعلامية تقوم بعملية نقل للأخبار، على غرار المجتمع، الذي كان ومازال يقوم أفراده و جماعاته بعملية نقل الإشاعة ونشرها. و مقابل هذه الصورة، يورد محمد نبيل آراء بعض الباحثين حيث يعتبرون الإشاعة مجرد “بديل ” يعوض غياب الحقيقة الرسمية. لأنها تنتشر عندما تتوقف المؤسسات – التي من المفروض أن تقدم الخبر المضبوط – عن مهامها الحقيقية ، كالإعلام و القضاء و مجال الفكر النقدي. هذه المجالات يجب أن يتم فيها تداول الأفكار و النقد، دون تواطؤ ضد روح الحقيقة العلمية. و على حد قول “مارك بلوخ” خلال الحرب العالمية الثانية، ” إن الخبر الكاذب ينشأ عن التمثلات الجمعية التي تتأسس قبل ولادة هذا الخبر. إنه مرآة يكون فيها الوعي الجمعي، ما زال يتأمل في علاقاته الخاصة”. من جانب آخر، يفسر الصحفي المغربي محمد بوهلال الإشاعة بوصفها نوع من أنواع الخبر، لكن مصادرها تكون متعددة بخلاف الخبر الإعلامي الذي يعد مصدره أساسيا لتناوله وترويجه لدى الرأي العام . بوهلال شدد على ضرورة إيجاد مسافة غير قابلة للتجسير بين الإشاعة والخبر . وبحسب قيدوم الصحافة الاتحادية بفاس فالإشاعة يمكن أن تكون هدامة الهدف منها تحطيم شخصية مرموقة في المجتمع وأحيانا تهدف الى تسليط الأضواء على شخصية معينة قصد تحقيق هدف معين، بخلاف الإشاعة السياسية التي تهدف الى التشويش على رئيس حزب معين أو رئيس حكومة الخ.. ويرى مدير جريدة صدى فاس في اعتماد الإشاعة على وسائل كثيرة لنشرها وسط المواطنين نية مبيتة لتصفية حسابات شخصية كفبركة خبر معين حول الشخصية المقصودة باستعمال صور مخلة للآداب له كتواجد تلك الشخصية بمرقص وهو يراقص أو يقبل فتاة وبجانبه مشروبا روحيا ، وقد سبق لمثل هذه الإشاعات الكاذبة أن أسقطت حكومات على المستوى الدولي والوطني ، بوهلال يستحضر أمثلة عديدة في هذا المجال مشيرا الى ما تعرض له رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية السابق بيل كلينتون مع سكرتيرته وكذا ما تعرض له الوزر المغربي السابق فتح الله ولعلو في إشاعة كاذبة على اثر نشر إحدى الصحف خبر زائف بتعلق بالشذوذ الجنسي هذه الإشاعة التي أسالت مدادا كثيرا لا تخلو مجلة فنية من إشاعات حول نجوم السينما والمسرح وقد تستعمل هذه الإشاعات لتلميع صورهم أو لتحطيمها. وعودة الى الإشاعة السياسية أحيانا تقدم المسؤولون في عدد من الدول على نشر إشاعة حول مشروع ما فينتقصوا تأثيره على الرأي العام بواسطة وسائلهم المختلفة من سلطات محلية وأقسام خاصة فإذا ثبت لهم أن الرأي العام يحبذ فكرتهم تصبح الإشاعة قرارا وإذا ثبت العكس فإنهم يستغنون عن مشروعهم وبالمناسبة . بوهلال يستحضر نموذجا تقليدانيا لإشاعة عربية قديمة التي بثتها إحدى الزوجات ضد زوجها عندما أراد الزوج أن يختبر مصداقيتها وكتمانها للسر، حين أخبرها أنه باض بيضة ، وطلب منها ألا تبوح بسره تكريما لزواجهما ، غير أنها لم تستطع أن تكبح لسانها عن البوح بهذا السر، حيث نقلته الى جارتها ، هذه الأخيرة أفشته لأقاربها، وسرعان ما شاع الخبر في المدينة حيث تكاثر البيض الذي باضه الرجل ووصل الى مائتان. وخلاصة القول، فان الإشاعة مهما بلغت من الإتقان فلا شك أن الحقيقة ستظهر، إلا أن مصدر الإشاعة سيظل غير معروف في غالب الأحيان. مراسل جريدة الاتحاد الاشتراكي بفاس حسن عاطش من جهته خلص الى أن الإشاعة سلوك عدواني مرفوض وحرب نفسية مدمرة ، وأضاف أن الإشاعة لا يمكن إخفاؤها خاصة في مجتمع صغير محدود المساحة والمسافة وقد تتلاشى بمجرد ما تظهر إشاعة جديدة . فمهما كان حجمها ونوعها ، فإن تأثيرها يستهدف عقد وعقل وقيم الإنسان الذي في نفس الوقت يعد مصدرها وأرضيتها الخصبة للتنامي والتكاثر والانتشار ، سواء كانت حقيقة أم إشاعة وهمية من نسج الخيال والقيل والقال ، حيث لا تكون إشاعة إلا إذا شاعت وذاعت وانتقلت سواء عن طريق الفرد من خلال الثرثرة والهمس والنكات والدعاية والتقولات أو عن طريق وسائل الإعلام المرئي والمسموعة والمكتوبة . وبحسب عاطش قد يصعب حصر أنواع الإشاعة لاختلاف أثارها وكثرة دوافعها ، قد تكون سليمة تحمل أمالا طيبة وقد تكون مخيفة ومدمرة تحمل كراهية مستخدمة في ذلك أنسب الظروف لظهورها ، وقد تكون بطعم التغيير ، ففي اللحظة التي تغيب فيها المعلومة و تصير فيها تدابير الشأن السياسي والاجتماعي تدبيرا فاشلا ومعطوبا ومبتعدا عن قيم الديمقراطية ، تنتعش بالمقابل صناعة الإشاعة وتدخل في إطار الاستراتيجيات والمخططات كما يصفها أصحابها، حيث تصير آلية دفاعية وهجومية لتحصين المواقع وإثراء الرساميل الرمزية والمادية ،لهذا تكون الإشاعة موجهة بدرجة عالية ، وقد تكون أيضا وسيلة لجس نبض الشارع في بعض القضايا الاقتصادية والاجتماعية والأمنية ففي وقتنا الراهن ، نلاحظ أن زمن الإشاعة يغطي على زمن الحقيقة حيث نجد المجتمعات تعمل بمبدأ تدبير الأزمات بدل حلها ، فبالرغم من أن البعض يعتبرها وسيلة لامتصاص غضب المجتمع ، حيث تؤدي وظائف نفسية تساهم في تفريغ السخط المتراكم ، إلا أنها تعد سلوكا عدوانيا ومرفوضا وتعبيرا عن بعض العقد النفسية ، وطريقة للنصب والاحتيال ، فمحاصرتها والقضاء عليها لا يمكنها أن تتحقق إلا من خلال التواصل الدائم بين صناع القرار وباقي مكونات المجتمع . لكن زميله عصمة عبد العالي يرى في الإشاعة سلاحا فتاكا وسلطة أخلاقية قد تدمر حياة الإنسان وتزعزع كيانه واستقراره النفسي والاجتماعي.إن الأمر يرتبط في تقدري الكاتب بالبعد السوسيوثقافي لمجتمع مترهل يعيش فراغا فكريا وسياسيا وثقافيا حيث معدل الأمية والفقر فيه جد مزعج وبرأي عصمت فأن الفراغ تعشش فيه كل القيم الفاسدة خاصة النميمة والنفاق ناهيك عن الإشاعة. ويتابع عصمة مستطردا قد يكون خلف الإشاعة فعل انتقامي لتدمير حياة أفراد أو جماعات أو تنظيمات،وبالعكس من ذلك ،قد تساهم الإشاعة في تقوية وتمتين مسار شخص واثق من نفسه يتعفف من ردود الأفعال وقد تدفع الإشاعة بالإنسان إلى العزلة والاكتئاب وتجعله بعيدا عن القيم الجميلة غير مندمج في المجتمع.ولعل أخطر المجالات التي تنتعش فيها الإشاعة هو المجال السياسي خاصة أثناء الاستحقاقات الانتخابية حين تعمل مجموعات منظمة أو لوبيات سياسوية في صناعة وفبركة كل آليات الإشاعة لاستهداف تيار سياسي له حضور وازن في المشهد العام أو للانتقام من شخصيات عمومية وفعاليات لتدمير مسارها السياسي ومما راكمته من مكتسبات. إن منطق الأشياء يستدعي الأخذ بعين الحيطة والحذر من مرض الإشاعة التي تعتبر في نهاية التحليل ثقافة لها جذور في تاريخ الإنساتية ويستحيل أن تندثر ما دامت الشعوب والمجتمعات ترزح تحت تأثير صراع المصالح.. “ على سبيل الختم ، فالآراء التي أوردناها حول الإشاعة مجرد أسئلة تداولية نتمنى أن تقرأ في شكلها العادي و البسيط جدا. إنها أسئلة نريد من خلالها أن نقول أن الحقيقة في بعض الأحيان تختفي وراء الجزئيات الصغرى التي لها دوافع وأسباب متعددة وراء رغبة الماسكين بزمام الأمر إخفاء حقائقها والتكتم حول طبيعتها وأهدافها . عزيز باكوش