بعد غينياوالكونغو برازفيل وبوركينا فاصو، أنهى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف جولته الافريقية بزيارة لجمهورية تشاد، آخر حلفاء فرنسا في منطقة الساحل، باحثا عن دعم في معركة النفود ضد "المعسكر الغربي المعادي". وخلال الندوة الصحافية المشتركة، أكد وزير الشؤون الخارجية التشادي عبد الرحمن كولام الله أمام نظيره الروسي قائلا" تشاد دولة ذات سيادة تربط علاقاتها مع من تريد، نحن لسنا رهائن لأي كان". ورد عليه لافروف بالقول" صداقتنا مع جمهورية تشاد لن تؤثر على علاقاتها مع فرنسا. فرنسا لها مقاربة أخرى: إما أن تكون معي، وإلا فأنت ضدي".
وبعد جولته السادسة لإفريقيا خلال عامين، واصل وزير الخارجية الروسي هجومه الدبلوماسي في القارة السمراء بزيارة أربعة بلدان خلال ثلاثة أيام، وهذه المرة لبلدان كانت حتى وقت غير بعيد تعتبر من "محميات" فرنسا حصريا.
رئيس الدبلوماسية الروسي استهل جولته بزيارة لغينيا ثم الكونغو برازفيل وبوركينا فاصو. ويعتبر لافروف، الذي يقود الدبلوماسية الروسية منذ 20 سنة، أحد مهندسي العودة القوية لبلاده إلى القارة السمراء، وواحدا من صانعي الروابط المتنامية لروسيا التي شهدت بعض الفتور بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، باحثا عن مساندين ضد " كثلة غربية معادية" منذ أن اندلاع الحرب في أوكرانيا.
التواجد الروسي في تشاد ظل حتى الآن ضعيفا، لكن البلدين، ومنذ توقيع "مخطط التعاون" سنة 2023، يقيمان علاقات عادية تتخللها اتصالات دبلوماسية طبيعية. هذه العلاقات شهدت بعض الفتور مع بداية المرحلة الانتقالية التي أعقبت مقتل الرئيس إدريس ديبي إتنو في أبريل 2021. وتتهم نجامينا موسكو بتشجيع الحركات المسلحة المعارضة على الحدود من خلال مجموعات فاغنر.
في ليبيا أولا حيث تنشط عناصر "الجبهة من أجل التناوب والوئام في تشاد" التي قتل إدريس ديبي إتنو خلال مواجهتها، والتي تتخذ من ليبيا قاعدة خلفية لتحركاتها وقاتلت لفترة طويلة إلى جانب قوات خليفة حفتر المدعوم من موسكو في الشرق الليبي. وفي جمهورية إفريقيا الوسطى أيضا، حيث اتهم السفير الروسي في بانغي فلاديمير تيتورينكو تشاد، في يناير 2021، بدعم متمردي "تحالف الوطنيين من أجل التغيير" الذين كانوا يهددون العاصمة. بعد ذلك أكدت نجامينا في ماي من نفس السنة أن خمسة من جنودها "أعدموا" خلال هجوم للمتمردين قرب الحدود مع جمهورية إفريقيا الوسطى…مدعومين من الروس. وقال وزير خارجية تشاد وقتها " هناك مرتزقة روس متواجدين في ليبيا وفي جمهورية إفريقيا الوسطى، ولنا كل الأسباب للقلق من تواجد هؤلاء المرتزقة، لان الذين هاجموا تشاد في أبريل وتسببوا في مقتل الرئيس السابق إدريس ديبي تلقوا التكوين والتدريب على يد شركة فاغنر الأمنية الخاصة". وبعد ذلك أكدت صحيفتا "نيويورك تايمز" و "وول ستريت جورنال" أن مرتزقة روس يدربون متمردين تشاديين في جمهورية إفريقيا الوسطى، ويخططون لاغتيال الرئيس محمد إدريس ديبي الابن الذي خلف والده المقتول، وهي معلومات لم تتأكد أبدا.
بعد ذلك تحسنت العلاقات تدريجيا لتصل أوجها في يناير الماضي عندما استقبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بحفاوة خاصة نظيره تشادي. وهنأ الرئيس الروسي محمد إدريس ديبي على نجاحه في تحقيق استقرار الوضع في تشاد وأكد أن روسيا ستواكب ذلك "بكل الوسائل الممكنة". وهي الزيارة التي تابعتها باريس بعين قلقة، في الوقت الذي يبقى تشاد آخر حلفاء باريس في منطقة الساحل، حيث ما تزال باريس تحتفظ هناك بحوالي ألف جندي، بينما طردت القوات الفرنسية من مالي وبركينا فاصو النيجر على التوالي.
وتشاد التي نجحت في استغلال موقعها الجغرافي الاستراتيجي في جوار مأزوم (ليبيا-السودان-إفريقيا الوسطى)، لا تتردد في التلويح بالتحول نحو روسيا للحصول على تنازلات من الغربيين. وفي لعبة التحالفات هاته، نوعت نجامينا شراكاتها الأمنية مع الامارات العربية المتحدة أو تركيا وحتى المجر.. لا سيما وأن الرئيس إدريس ديبي يعرف جيدا أن العلاقة الجيدة التي ورثها عن والده لم تعد بنفس الزخم لدى شريحة واسعة من مواطنيه بشكل خاص ولدى مواطني المنطقة بشكل عام.
ورغم أن فرنسا في الواجهة، إلا أنها الوحيدة التي تؤدي ثمن هذا التوازن الدبلوماسي الجديد. ففي أبريل الماضي سحبت الولاياتالمتحدة كل قواتها المتواجدة في تشاد (حوالي 100 جندي) بعد خلاف مع القوات الجوية حول إجراءات تطبيق الاتفاقية الدفاعية بين البلدين.
في تشاد كما في بلدان إفريقية أخرى اختارت الحياد في صراع النفوذ الجاري بين باريسوموسكو في القارة الافريقية، تمتلك روسيا امتيازا سياسيا مهما من خلال تقديم "نموذج" يفضل النظام والسيادة على الديمقراطية وحقوق الانسان. وخلال محطة الكونغو قدم لافروف هذه المفاهيم كنماذج" مفروضة من الغرب" وقدم كمثال ليبيا التي حاول فيها الغرب "فرض" تصوره للديمقراطية، مشيرا للتدخل الغربي سنة 2011، وما خلفه من فوضى لا تزال تعصف بهذا البلد. والرسالة المشفرة وراء هذا الخطاب مفادها أن الديمقراطية قد تقود إلى الفوضى، قد تغري المسؤولين في تشاد حيث انتخب إدريس ديبي على رأس الدولة بعد مسار انتخابي مطعون في مصداقيته. وهو خطاب يجد له صدى إيجابي في بوركينا فاصو حيث أعطى قائد الانقلاب إبراهيم تراوري مسارا استبداديا لحكمه والذي يمكن أن يقويه أكثر بفضل الدعم والتأطير العسكري الذي تعد به روسيا.
في كوناكري حيث أقدم الجنرال مامادي دومبويا على إغلاق أهم وسائل الاعلام في البلاد و علق الانتخابات إلى أجل غير مسمى.. أكدت محادثات لافروف هناك " الموقف المشترك والمبدئي لروسياوغينيا على رفض نظام مبني على قواعد مفروضة من الغرب" حسب البلاغ الغيني الصادر في ختام الزيارة.
وبالموازاة مع هذه الزيارة التي دعا خلالها نظراءه لحضور منتدى الشراكة بين روسيا وإفريقيا الذي سيعقد في سوتشي نونبر المقبل، قام نائب وزير الدفاع الروسي لونوس بيك إفكوروف بزيارة لقادة الحكم العسكري في كل من مالي وبوركينا فاصو والنيجر، الدول التي تعرف تطورا متزايدا للتعاون العسكري مع روسيا.