نقابة تندد بتدهور الوضع الصحي بجهة الشرق    اسبانيا تسعى للتنازل عن المجال الجوي في الصحراء لصالح المغرب    وزارة الاقتصاد والمالية: المداخيل الضريبية بلغت 243,75 مليار درهم عند متم أكتوبر 2024        في لقاء مع الفاعلين .. زكية الدريوش تؤكد على أهمية قطاع تحويل وتثمين وتسويق منتجات الصيد ضمن النسيج الإقتصادي الوطني    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    الذهب يواصل مكاسبه للجلسة الرابعة على التوالي    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    سعر البيتكوين يتخطى عتبة ال 95 ألف دولار للمرة الأولى    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    استئنافية ورزازات ترفع عقوبة الحبس النافذ في حق رئيس جماعة ورزازات إلى سنة ونصف    "لابيجي" تحقق مع موظفي شرطة بابن جرير يشتبه تورطهما في قضية ارتشاء    مقتل 22 شخصا على الأقل في غارة إسرائيلية على غزة وارتفاع حصيلة الضربات على تدمر السورية إلى 68    ترامب ينوي الاعتماد على "يوتيوبرز وبودكاسترز" داخل البيت الأبيض    الحكومة الأمريكية تشتكي ممارسات شركة "غوغل" إلى القضاء    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    حادثة مأساوية تكشف أزمة النقل العمومي بإقليم العرائش    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    البابا فرنسيس يتخلى عن عُرف استمر لقرون يخص جنازته ومكان دفنه    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    كيوسك الخميس | 80 في المائة من الأطفال يعيشون في العالم الافتراضي    المركز السينمائي المغربي يدعم إنشاء القاعات السينمائية ب12 مليون درهم    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية        اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    الأساتذة الباحثون بجامعة ابن زهر يحتجّون على مذكّرة وزارية تهدّد مُكتسباتهم المهنية        جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    الفتيان يواصلون التألق بالفوز على ليبيا    بلاغ قوي للتنسيقية الوطنية لجمعيات الصحافة الرياضية بالمغرب    بوريطة يستقبل رئيسة برلمان صربيا    الحكومة تتدارس إجراءات تفعيل قانون العقوبات البديلة للحد من الاكتظاظ بالسجون        ولد الشيخ الغزواني يهنئ الملك محمد السادس بمناسبة عيد الاستقلال    العصبة الوطنية لكرة القدم الاحترافية تقرر تغيير توقيت انطلاق ديربي البيضاء    توقعات أحوال الطقس لنهار اليوم الأربعاء    منح 12 مليون درهم لدعم إنشاء ثلاث قاعات سينمائية    تفاصيل نجاة فنانة مصرية من الموت        نادال مودعا ملاعب التنس: " أريد أن يتذكرني الناس أنني كنت شخصا طيبا قادما من قرية صغيرة قرب مايوركا"    تلاميذ مغاربة يحرزون 4 ميداليات في أولمبياد العربية في الراضيات    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    من الحمى إلى الالتهابات .. أعراض الحصبة عند الأطفال    فعاليات الملتقى الإقليمي للمدن المبدعة بالدول العربية    أمزيان تختتم ورشات إلعب المسرح بالأمازيغية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    "من المسافة صفر".. 22 قصّة تخاطب العالم عن صمود المخيمات في غزة    روسيا تبدأ الاختبارات السريرية لدواء مضاد لسرطان الدم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما الذي يخطط له محمد السادس؟.. إليكم أحلام الملك وتطلعاته لمستقبل المغرب!
نشر في الأيام 24 يوم 23 - 12 - 2017

كيف يفكر محمد السادس في حاضر ومستقبل المملكة؟ ما الذي يوجه استراتيجية الملك في ملف الصحراء، وتدشينه مرحلة جديدة مع العمق الإفريقي؟ أي موقع للمملكة يتطلع لإنجازه ؟ ما الذي يريد ألا يتركه لخلفه كمشاكل موروثة ؟ ما هي النخب التي يحلم بها محمد السادس في إطار محاولة إعادة تشكيل الحقل الحزبي لما بعد ابن كيران؟

جلسات عديدة مع فاعلين من مختلف المشارب، وزراء، اقتصاديون، سياسيون ممن احتكوا بهذه المناسبة أو تلك بالملك محمد السادس، أو تتبعوا خطواته ومبادراته، وتأمل في رسائله وتحليل لأبعاد مختلف تحركاته ومبادراته في هذا المجال أو ذاك.. هي الطريق لمحاولة رسم معالم الاستراتيجية الكبرى التي تحرك محمد السادس والعناصر الحاسمة التي تنبني عليها رؤيته.

يريد عدم ترك مشكل الصحراء لوريث عرشه، ويطمح إلى تحويل كبريات مدنها إلى معلمة اقتصادية كبرى شبيهة بهونغ كونغ، يراهن على دور محوري للمغرب في الخليج العربي يحافظ على توازن مصالح المملكة الحيوية، يسعى لإعادة أمجاد المنصور الذهبي في إفريقيا، وإيمانه أن مستقبل المغرب في عمقه الجنوبي بلا حدود، هناك الثروة واستثمار خبرات المغاربة في مشاريع حيوية بمختلف الدول الإفريقية، والرهان على شراكات منتجة، مستثمرا الموارد الاقتصادية للمغرب، وثقله السياسي والدبلوماسي ورمزيته الدينية كأمير للمؤمنين.

يؤمن محمد السادس بأن المغرب له أمجاد كبرى وأنه بالفعل "منتدى السؤدد وحماه"، وكلما عزف النشيد الوطني والموسيقى العسكرية المغربية في كل مطارات العالم، يضبط إيقاع خطواته على مملكة يحس بطابعها الإمبراطوري، لذلك يمكن أن يُغضب أمريكا، وأن يضع فجأة جنودا على جزيرة ليلى ويخاصم فرنسا إذا ما أخطأت الصواب مع المملكة، لذلك برغم انفتاحه الشخصي حافظ على تقاليد مخزنية عتيقة، لأنها في تقديره جزء من الطابع الإمبراطوري للملكية الضاربة في التاريخ المغربي، في كل علاقاته الدولية يحرص على هذا "الطابع الشريف" الذي يجسد من خلاله ما يعتبره عظمة أمة لها أمجاد الزلاقة ووادي المخازن وفتح الأندلس، الأمة التي لم يحكمها لا العباسيون ولا العثمانيون، وحتى جبروت الاستعمار قاومته الملكية بانحيازها للشعب وقواه الوطنية، وبدا للملك محمد الخامس "أن المنفى أحب إليه مما دعاه إليه المستعمر"، فكبر في أعين مواطنيه الذين أعلوا صورته إلى كوكب القمر.

يبدو محمد السادس مهووسا بالمشاريع العملاقة: موانئ كبرى، مطارات عظيمة، أبراج وقناطر استثنائية، طرق عصرية حديثة، قطار فائق السرعة، في ذات الآن يظل منشغلا بسؤال غياب الأثر المباشر للتنمية البشرية على الساكنة، حيث طاف المغرب شرقا وغربا، شمالا وجنوبا، من أجل انعكاس المشاريع الصغرى على بسطاء المملكة، وكان خطابه في افتتاح البرلمان في أكتوبر الماضي بمثابة إعلان عن نهاية النموذج التنموي للدولة، ودعوة باقي الفاعلين إلى إبداع نموذج جديد للتنمية ذات طابع تشاركي.

إن المشاكل تورث لكن الحلول أبدا، إنها تبدع، لذلك ينوي الملك محمد السادس أن يهيئ ولي العهد لمسؤوليات نوعية مرتبطة أساسا بالتعليم، وبالتطورات الجديدة التي ستفرضها الهجرة على المغرب أمنيا، وثقافيا واجتماعيا...

تذويب التوتر المغربي الجزائري .. الذكاء السياسي

"لم يعد لغزا، كون محمد السادس قد أطلق سياسة دينامية لم يسبق لها مثيل تجاه عمقه الإفريقي.. إن العاهل المغربي يبدو مصمما على الذهاب إلى أبعد مدى، حيث يعتبر إفريقيا درسا حقيقيا في التاريخ، وهو ما يذكرنا بما قاله الراحل الحسن الثاني عن المغرب "الشجرة التي توجد جذورها في تربة إفريقيا"، تقول مجلة "لوبوان" الفرنسية في عددها ليوم (2015/08/21).

منذ تنصيبه على العرش في يوليوز 1999، راهن الملك الشاب على إعطاء دفعة قوية للعلاقات المغربية الجزائرية، لذلك كان يستغل العديد من المناسبات لتقديم التحايا لسكان قصر المرادية، فقد طالب بفتح الحدود بين البلدين، ولجأ إلى إسقاط تأشيرة دخول الجزائريين للمغرب من جانب واحد، في يوليوز 2004، وقد أعلن الملك ذلك في خطاب رسمي بمناسبة عيد العرش، كان ذلك محاولة لحلحلة الوضع الذي تأزم بين المغرب والجزائر في صيف 1994.

الكل رحب بالقرار الملكي بإلغاء التأشيرة عن الجزائريين لدخول المغرب إلا المعنيين بتحية المودة والأخوة، حيث أصدرت وزارة الخارجية الجزائرية بيانا ترفض فيه الحكومة الجزائرية الرد بالمثل على القرار المغربي، بدعوى أن الرباط لم تستشر الجزائر قبل الإقدام على قرارها، كما لو أن سلطات الجزائر استشارت المغرب حين أغلقت الحدود عام 1994.
وذهب محمد السادس إلى أبعد مدى بمناسبة انعقاد القمة العربية بالجزائر يوم 21 مارس 2005، حين أكد العاهل المغربي أنه: "سيكون في مقدمة الواصلين إلى الجزائر لإفساح المجال أمام قمة مع بوتفليقة توقع على "انطلاقة حقيقية في العلاقات الجزائرية المغربية".. وبالفعل حضر محمد السادس قمة الجزائر، وتجول في شوارعها بشكل تلقائي، وبلغت مبادرات محمد السادس مداها بإعطاء دينامية قوية للعلاقات الجزائرية المغربية، من خلال مقترح الحكم الذاتي، الذي لم يكن يعني في رسائله السياسية العميقة سوى البحث عن إبراز حسن النية في إنهاء مشرف للمشكل المصطنع بالصحراء، حيث كانت الجزائر في مقدمة البلدان التي اختارت الرباط وضعها في سياق المبادرة المغربية.. تقول مصادر جد مطلعة ل "الأيام": "كان هناك وفد مغربي رفيع المستوى يضم فؤاد عالي الهمة، ياسين المنصوري، وزير الخارجية محمد بنعيسى وشكيب بن موسى، ينوي التوجه إلى العاصمة الجزائر، لكن مرة أخرى رفضت الجزائر استضافة أي وفد مغربي".

على هدي المنصور الذهبي إفريقيا

"منذ وصوله إلى العرش عام 1999، قاد محمد السادس سياسة إفريقية طموحة.. في ظل قيادته، اتجهت المملكة نحو القارة السمراء، بشكل منهجي، لقد ظل ينسج ثوبه الدبلوماسي بصبر وأناة عبر مراحل. في غضون 15 سنة، قام الملك بأكثر من 40 زيارة إلى بلدان في إفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى، وحشد أكبر الشركات المغربية، ولعب بكل موارده الاقتصادية، الدبلوماسية والدينية أيضا"، تقول صحافية "لوموند" شارلوت بوزوينت في مقال لها بعنوان: ''الإمبراطورية الإفريقية لمحمد السادس". (لوموند، 27 يناير 2017).

في خطابه في 20 غشت 2017، كان محمد السادس واضحا: "بالنسبة لنا إن إفريقيا هي المستقبل الذي يبدأ اليوم".. لم يعد "الملك الإفريقي" في حاجة للتعبير عن أن توجهه نحو امتداده الجنوبي غير مرتبط بمجرد العودة إلى منظمة الاتحاد الإفريقي، أو لحسابات سياسوية، بل ناتج عن رؤية استراتيجية تسعى للدفاع عن المصالح المشتركة مع باقي الشركاء الأفارقة على قاعدة "رابح رابح"، ذلك أن المشاريع الكبرى المجسدة على الأرض خير دليل، حيث أبرم المغرب حوالي 500 اتفاق للتعاون منذ العام 2000. وتمثل إفريقيا جنوب الصحراء 62,9 بالمائة من الاستثمارات المباشرة الأجنبية المغربية في العالم، بينها 41,6 بالمائة في القطاع المصرفي.. والاتفاقيات الموقعة بين المملكة وما يفوق 29 دولة إفريقية كلها تحيل على أن إفريقيا تسكن محمد السادس بعمق، تفصح عنه المشاعر التي تتسرب بين ثنايا خطبه ورسائله. ليس هذا البعد الرومانسي وحده هو ما يقود العاهل المغربي، بل ما يشكله الجنوب دوما من متنفس وتجديد لدماء المملكة منذ قرون طويلة، وللسوق التي تفتح أمام الشركات المغربية، على مستوى الاستثمار والقاعدة الواسعة للاستهلاك، وأن هناك منجما من ذهب للثروة بالجنوب، يمكن للمغرب أن يستفيد منه ليس على أساس انتهازي أو استعماري، بل بعمق إنساني وبراغماتية نبيلة، تثبتها المشاريع العملاقة والمغامرة المنجزة بإثيوبيا ونيجيريا، ومالي، والسنيغال، والموزمبيق، والكوت ديفوار... العديد من برامج التنمية البشرية كالخدمات الطبية والبنية التحتية للصحة ومؤسسات التكوين المهني والقرى النموذجية للصيادين.. وكل ما يساهم في تطوير شروط العيش للساكنة الإفريقية.

على الجملة إن محمد السادس يوسع من حدود مملكته لتصبح إمبراطورية كبرى، هذا ما يسكن محمد السادس، ما يربطه بأجداده، أحمد المنصور الذهبي والحسن الأول خاصة، امبراطورية غير قائمة على الاحتلال العسكري ولا التوسع الاستعماري، بل على أساس خلق الثروة وتكوين الإنسان، الذي سيعود بالخير العميم على المغرب أساسا وعلى شركائه، لا غالب ولا مغلوب، لذلك وضع معرفته وتجربته أمام أصدقائه في إفريقيا وأنشأ وزارة خاصة بالشؤون الإفريقية.

تقول كتب التاريخ إن أحمد المنصور الذهبي "فكر وقدر أن قواته في التسعينيات من القرن العاشر الهجري لا تستطيع اختراق حاجز الأتراك في الشرق، ولا مصادمة الإسبانيين وراء المضيق، فلم يبق أمامه مجال للعمل إلا من ناحية الجنوب، فاسترد في يسر صحراء تيكورارين وتوات، وأخضع الإمارات السودانية الصغيرة في منطقة حوض السنيغال، وسالم مملكة بورنو- كانم في الجهة الشرقية بعد أن خطب وده ملكها وبايعه، ولم تقف في وجهه سوى مملكة سنغاي وريثة الإمبراطوريتين العريقتين مالي وغانا، فجهز لها حملة كبرى انتهت بالاستيلاء عليها عام 999/1591. وبذلك أصبحت رقعة نفوذ الدولة السعدية على عهد المنصور الذهبي تمتد جنوبا إلى ما وراء نهر النيجر، وتصل شرقا إلى بلاد النوبة المتاخمة لصعيد مصر.

برغم اختلاف الزمان وتباين العصر، وخارج الامتداد التوسعي بمعناه العسكري، فإن ذات النفس الذي تحكم في أحمد المنصور الذهبي على مستوى الحلم الإمبراطوري ل "الإيالة الشريفة" يظل حاضرا في لاوعي السلاطين المغاربة الكبار، وإن بملمح إنساني أقوى اليوم، وهو ما لم يفهمه بوجه ما مولاي حفيظ الذي اعتبر أن "داء العطب قديم".

"إفريقيا مون آمور"، هي العبارة المفيدة في تشكيل ما يفكر به محمد السادس بعمق، حب مثقل بتاريخ إمبراطوري للمملكة، وبجراح سياسية راكمتها سنوات القطائع والفخاخ المنصوبة في محيط المغرب المسور في الشمال بجار قلق على الدوام وفي الغرب ببحر الظلمات وفي الشرق بإخوة ألداء على الدوام، ولم يبق إلا الجنوب، جذور شجرة المملكة، الضاربة في التربة الإفريقية.

جل الأحزاب السياسية عقدت أكثر من مؤتمر، لا توجد في وثائقها الخاصة رؤى أو تصورات حول هذا التحول، ولا سارع قادتها إلى ربط أو تقوية علاقاتهم مع أحزاب إفريقية أو التفكير في هذا الأفق الملكي، فوق هذا هل هناك وسائط بين القصر الملكي وقيادة الأحزاب السياسية أو مختلف الفاعلين لوضعهم في إطار الصورة التي للملك حول إفريقيا، أم أن لا حاجة لمحاورة "الصم البكم"؟!


الأمل المفتوح نحو المستقبل

بين خطاب الملك الراحل الحسن الثاني الذي تلاه مستشاره أحمد رضى كديرة بأديس أبابا، والذي أعلن فيه عن قراره بانسحاب المغرب من منظمة الوحدة الإفريقية، يوم 12 نونبر 1984، وخطاب خلفه محمد السادس بأديس أبابا في مؤتمر منظمة الاتحاد الإفريقي.. 32 سنة من حيث الزمن، تغير وجه العالم سياسيا، اقتصاديا وثقافيا، امحت دول وولدت أخرى، وتحولت حدود وخرائط بلدان عديدة، في 1984 قال الحسن الثاني بلهجة يائسة: "رفاقي الأعزاء، ها قد حانت ساعة الفراق، ووجد المغرب نفسه مضطرا ألا يكون شريكا في قرارات لا تعدو أن تكون حلقة في مسلسل لا رجعة فيه لتقويض أركان المشروعية"، وفي 2017، قال نجله محمد السادس بلهجة شاعرية متفائلة: "كم هو جميل هذا اليوم الذي أعود فيه إلى البيت بعد طول غياب، كم هو جميل هذا اليوم الذي أحمل فيه قلبي ومشاعري إلى المكان الذي أحبه، فإفريقيا قارتي، وهي أيضا بيتي.. لقد عدت أخيرا إلى بيتي، وكم أنا سعيد بلقائكم من جديد، لقد اشتقت إليكم جميعا".
في هذه العبارة: "لقد اشتقت إليكم جميعا" يمكن الكشف عما يفكر فيه الملك محمد السادس في إفريقيا.


محمد السادس لم يغامر بإصلاح التعليم بسبب موقع الدين في المدرسة

في كل خطب محمد السادس حول التعليم، يحضر التشخيص والتنبيه لأعطاب المنظومة التعليمية، لكن الملك لم يذهب إلى أبعد من تأسيس مؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية والإعلان عن المجلس الأعلى للتعليم، وتأكيده على ضرورة النهوض بقطاع التعليم، واهتمامه بتدشين مؤسسات خاصة بالتكوين المهني والتقني، لكن دون تجاوز ذلك.

هناك شعور قوي لدى الملك بكون ما يتلقاه المغاربة في المؤسسات العمومية غير قادر على ضمان مستقبلهم، لكن هناك احتراز شديد من المس بالتعليم بسبب كثافة الحضور الديني في المدرسة العمومية، في فبراير 2016 أمر الملك حكومة بنكيران بمراجعة مناهج وبرامج تدريس التربية الإسلامية في مختلف مستويات التعليم بغرض تكريس التسامح والاعتدال، جاء ذلك بمناسبة انعقاد المجلس الوزاري بالعيون يوم 6 فبراير 2016، وبالفعل تم تغيير نصوص من مقررات التربية الإسلامية برغم الجدل الذي أثير من طرف بعض السلفيين، لقد استغل محمد السادس ثقله كأمير للمؤمنين، وإطلاقة النسخة الثانية من إصلاح الحقل الديني منذ عام 2008، لكن ردود الأفعال كانت تفرمل مراكز القرار في الذهاب إلى أبعد مدى.

في كتابه "الحسن الثاني والمغاربة"، أكد عبد الله العروي أن المغاربة "لا يتكلمون سوى عن الدين لكنهم لا يتحدثون عنه أبدا بروح نقدية أو ساخرة، بمعنى أنهم يخضعون له لكن دون أن يشعروا به فعليا"، وذكر أن الحسن الثاني كان يشعر بنوع من الحصر كلما تعلق الأمر بالقضايا الدينية، فقد كان يريد إصلاح التعليم، لكن طرح سؤال الدين في المدرسة كان يولد الانحصار في كل المستويات.. لذلك يراهن محمد السادس على عنصر الزمن في التحولات الثقافية التي يمكن أن تجعل الوعي الاجتماعي أكثر حدة بطلب جودة الخدمات التعليمية الذي يفرض تغييرا جذريا يتجاوز الغلاف المالي، فقد فشل البرنامج الاستعجالي برغم الأموال التي خصصت له للرفع من جودة التعليم العمومي.


إفريقيا أخرى يكشفها محمد السادس للمغاربة

حقبة أخرى بدأت مع محمد السادس، الإنهاء مع الجدل السياسي والانتقال إلى الحركة، ومع زياراته المتعددة لبلدان إفريقية أخذنا نتعرف عليها بالتدريج.. لم تكن إفريقيا التي تسكن المخيال الجمعي للمغاربة سوى إفريقيا العبودية، المرض والأوبئة، المجاعة، الحروب العرقية، التخلف، تلك الصورة النمطية البدائية..

فجأة نجح محمد السادس في الكشف عن استراتيجية الرهان على كرم وأريحية الشعب المغربي في اندماج جزء كبير من المهاجرين في بنية المجتمع المغربي على المستوى الاقتصادي، والاجتماعي والثقافي.. وكسر الصور النمطية عن إفريقيا، التي تعتبر منجما اقتصاديا وماليا، وثراء ثقافيا وفنيا، وتصحيح الصورة غير السليمة التي تكونت عن المغرب وعن الملكية خاصة باعتبار التدخلات الماضية للملك الراحل في قلب صراعات أنظمة محلية.

خارج مجال الاستثمار وتبادل المنافع، فإن غنائم المغرب من التوجه الملكي الجديد نحو إفريقيا قد تبدو مشروعا مؤجل المردودية، وإن كان كل الشركاء قد بدأوا يجنون ثمار الاستراتيجية الجديدة للمغرب.

البعد الإمبراطوري للملكية

كان الحسن الثاني مسكونا بالجوانب المشرقة من تاريخ المغرب، خاصة تلك التقاليد الثقافية العميقة التي تم توثيقها عن أنفة ملوك مغاربة وشموا التاريخ، كان معجبا بالطبخ المغربي وبأثر اللباس وبطقوس الأبهة والعظمة في الموكب السلطاني، وكان دوما يبحث عن التأصيل الثقافي العميق للعادات والسلوكات، وحتى قراراته السياسية بما فيها "غير الديمقراطية" كان يوجد لها إخراجا فنيا مليئا بالرموز والإشارات، وحتى في لقائه برؤساء الدول العظمى، كان يتأخر عنوة ويترك هؤلاء القادة ينتظرون لساعات طويلة، فعل ذلك تجاه فرانكو إسبانيا، تاتشر بريطانيا وبودان ملك بلجيكا الذي تركه ينتظر أكثر من أربع ساعات.

وفي خطاباته كانت تبرز "نرجسية مغربية'' متمركزة حول ذاتها، محيطة نفسها بهالة من الفخامة، لذلك كان يحب أن يقال له: "لا، بطريقة لائقة ومهذبة، على أن يقال له نعم، بطريقة غير لائقة".

"الأنفة الامبراطورية" جسدها الحسن الثاني في عنوان كتابه "التحدي"، وفي الاسم الذي اختاره للسلسلة التي تؤرخ لوقائع المملكة "انبعاث أمة"، وصرفها في سلوكه وسياسته" ويشهد من عايشوه (انظر مذكرات مصطفى العلوي، معنينو، عبد الهادي بوطالب، عبد الواحد الراضي..) كيف كان بارعا في الإخراج الفني لكل خطواته، مرة في إفران عمد تقني من التلفزيون الفرنسي (TF1) إلى محاولة تكسير شظية صغيرة من نافورة بالقصر الملكي كانت تشوش على التصوير، بعد أن رفض خدم القصر زحزحة كرسي العرش من مكانه، فخرج الحسن الثاني ساخطا مرغيا ومزبدا، فخاطب التقني الفرنسي: "ماذا تفعل؟ هذه النافورة لها تاريخ أكبر مما تملك دولتكم بكاملها، وأنت تريد تكسيرها؟" (انظر الأيام عدد 770).

هذا البعد الإمبراطوري يتجسد خاصة في صراعه مع الجنرال شارل دوغول بسبب أزمة اختطاف الزعيم الاتحادي المهدي بنبركة في منتصف الستينيات، وبدا الحسن الثاني مستعدا لتغيير وجهة المغرب نحو بدائل جديدة خاصة إيطاليا...

هذا ما وعاه المتتبعون لخطاب الملك محمد السادس في القمة المغربية الخليجية حين قال: "فالمغرب حر في قراراته واختياراته وليس محمية تابعة لأي بلد".. إنه النفس الإمبراطوري الذي رد به عبد المالك السعدي على السلطان العثماني الذي كانت تهابه الدول والمماليك في عهد السطوة الكبرى لدولة الأتراك، حيث استهزأ بالسلطان العثماني والأتراك الذين وصفهم ب"بائعي السمك"، أو ما كان يرد به المولى إسماعيل على أساطين وملوك دول عظمى على عصره، بذلك التباهي الإمبراطوري والأنفة السلطانية التي ميزت العديد من السلاطين المغاربة.. وهو ما سبق أن تجسد في استقبال الملك في بداية حكمه لكولن باول، وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، وهو يعلق شارة التضامن مع القدس على صدر سترته، وهو السلوك الذي تردد أنه أزعج المسؤول الأمريكي ومعه البيت الأبيض. بسبب هذه الأنفة الرمزية التي سجل بها محمد السادس موقفا قوميا باعتباره رئيس لجنة القدس.


الإتجاه نحو خلق هونغ كونغ إفريقية

بلغ حجم الاستثمارات المرصودة لجهة كلميم- واد نون في إطار تنفيذ النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية للمملكة، المعلن عنه العام الماضي، 11,93 مليار درهم، منها 5,5 مليار ممنوحة من طرف الدولة..

في شتنبر الماضي أعلن صندوق الاستثمار القطري إطلاق ثلاثة مشاريع سياحية ضخمة بالمغرب، بشراكة مع صندوق السيادة المغربي (إتمار كابيطال)، الذراع المالي الجديد للدولة، حيث تم إحداث شركة جديدة (أوريكس كابيطال) من قبل الطرفين للسهر على دراسة المشاريع المذكورة.

ويبلغ الغلاف المالي الأولي المخصص لهذه الاستثمارات حوالي 50 مليون درهم، حيث يهم المشروع الأول إنجاز محطة جديدة للتزلج وبمواصفات عالمية في منطقة "أوكيمدن" بالأطلس المتوسط، كما سيتم إحداث حديقة للملاهي بنواحي مدينة مراكش، في حين يرتكز المشروع الثالث على تجهيز "الشاطئ الأبيض" في جهة كلميم السمارة ببنية تحتية ترفيهية عالمية وفضاءات استجمام جد متطورة.

في تقرير له عام 2013 ، أشاد المعهد الملكي للشؤون الدولية" تشاتام هاوس" بالمقاربة التي يعتمدها المغرب من أجل تسوية قضية الصحراء، والقائمة على أساس تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.. وأبرز"تشاتام هاوس"، الذي يعد من أبرز مراكز الدراسات والأبحاث المرموقة في بريطانيا، في مقال تحليلي لكلير سبنسر، مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالمعهد، أن العاهل المغربي الملك محمد السادس"أعطى دفعة جديدة لبرنامج كبير يهم إنجاز مشاريع عملاقة بالصحراء بهدف خلق مناصب الشغل وضمان توزيع عادل للموارد وتطوير البنيات التحتية، في أفق تحسين وضعية حقوق الإنسان من خلال تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية".

في نهاية العام الماضي قررت مجموعة ” "Global OilShale" الفنلندية إنشاء وحدة عملاقة لإنتاج الإسمنت بطرفاية، على مساحة تناهز 2500 متر مربع شرق المدينة بمحاذاة السواحل الأطلسية، بغلاف مالي تصل قيمته إلى ثلاثة ملايير درهم.

وأعلنت الشركة عن استثمار حوالي ثلاثة ملايير درهم لإنشاء وحدة عملاقة لإنتاج الإسمنت بقدرة إنتاجية تصل إلى 1.6 مليون طن سنويا.. ويخصص إنتاج هذه الوحدة الجديدة بطرفاية ليس فقط لتلبية احتياجات الأقاليم الجنوبية من الإسمنت، بل لتصدير هذه المادة إلى إفريقيا الغربية.

وفي ماي 2016 تعهد الملك محمد السادس بإنشاء عدة مشاريع عملاقة في الأقاليم الجنوبية المغربية، بينها طريق سريع يربط مدينتي أكادير والداخلة المغربيتين عبر مدينة العيون، وصولاً إلى الحدود المغربية الموريتانية جنوباً .

وأعلن العاهل المغربي، في رسالة بعث بها إلى المؤتمر الإفريقي الأول حول الصيانة والحفاظ على الموروث الطرقي والابتكار التقني، حرص الرباط على جعل جهة الصحراء المغربية محوراً للمبادلات التجارية والتواصل الإنساني بين إفريقيا وأوروبا.

وقال في رسالته:" إن المغرب سيقوم ببناء الميناء الأطلسي الكبير في مدينة الداخلة"، كما أنه توجد خطة لبناء خط للسكة الحديدية، من شمال المغرب إلى جنوبه، هدفها ربط المغرب بباقي الدول الإفريقية.

ما عرضناه هنا ليس سوى غيض من فيض الاستثمارات العملاقة المرصودة للصحراء، والتي برغم كل جهود البناء طيلة العقود السابقة لم يسبق لها مثيل في تاريخ الأقاليم الجنوبية للمملكة، لا شك أن الأمر ينطوي على خلفية استراتيجية، يؤكد أحد الذين اشتغلوا على بعض الملفات الاستثمارية الكبرى بالصحراء أن العاهل المغربي يتوفر على رؤية بعيدة المدى في تسو


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.