ما إن يمد المغرب يده إلى أمرٍ، حتى يجد يدا جزائرية تسارع إلى نيل نفس الشيء، في نوع من التزاحم والصراع الشرس بين البلدين الجاريْن، فتعدى التنافس حول من يملك "أصل" الكسكس والقفطان والحريرة، إلى اشتداد الخلاف حول طرق صوفية بالدين معا، ليصل إلى التسابق نحو عمق القارة الإفريقية. وأطلق الملك محمد السادس اختيارا دبلوماسيا ، منذ أن اعتلى سدة الحكم سنة 1999 بعد وفاة والده الملك الحسن الثاني، يرتكز على البحث عن منطلق للتعاون الوطيد بين المغرب ودول إفريقية، تجسدت بعض مظاهرها في جولات مكوكية قام بها العاهل المغربي لتلك البلدان. ورغم انسحاب المغرب من منظمة الوحدة الإفريقية قبل سنوات خلت، بسبب اعترافها بجبهة البوليساريو الانفصالية، فإن المملكة شرعت منذ أزيد من عشر سنوات، في توجيه دبلوماسيتها بقوة نحو العمق الإفريقي، بالنظر إلى التزامات الرباط الإستراتيجية نحو القارة السمراء. ويبدو أن الجزائر لم تنظر بعين الارتياح إلى توجه المغرب نحو بلدان إفريقية أقام معها علاقات شراكة في العديد من القطاعات الاقتصادية، فطفقت تولي اهتمامها الدبلوماسي هي الأخرى إلى تلك الدول، من خلال استدعاء رؤساء وزعماء أفارقة إلى قصر المرادية حيث يستقبلهم هناك الرئيس المريض، عبد العزيز بوتفليقة. وبخلاف العاهل المغربي الذي يتحرك إلى بلدان إفريقية، حيث يلاقي زعماءها وقيادييها، ويلقي هناك خطابات اقتصادية، ويشرف على توقيع اتفاقيات عديدة، فإن الرئيس الجزائري يفضل بحكم عجزه عن الحركة أن يستدعي رؤساء أفارقة إلى مكتبه لملاقاتهم وربط الاتصال بهم. ولفتت مصادر إعلامية جزائرية أخيرا إلى أنه خلال خمسة الأشهر الأخيرة، منذ مطلع السنة الجارية، استقبل بوتفليقة 11 رئيس دولة إفريقية، آخرها زيارة الرئيس التنزاني، جاكايا مريشو كيكويتي، وهو مؤشر دال على أن الجزائر صارت تعتبر القارة السمراء بمثابة عمقها الاستراتيجي". وقبل رئيس تنزانيا، استقبل الرئيس الجزائري رئيس النيجر، مامادو إيسوفو، ورئيس السنغال، ماكي سال، ورئيس البنين، طوماس بوني، ورئيس وزراء مالي، موديبو كايتا ورئيس كينيا، أوهورو كينياتا، ورئيس الوزراء الإثيوبي، هايلماريام بوش، ورئيس مالي، بوبكر كايتا، ورئيس زامبيا، روبار موغابي، ورئيس جنوب أفريقيا، جاكوب زوما. محللون جزائريون اعتبروا أن السلطة الحاكمة في البلاد وجهت اهتمامها الكبير إلى القارة الإفريقية في خضم تنافس شرس من دول كبرى، مثل الولاياتالمتحدةالأمريكية، والصين، وفرنسا، على النفوذ إليها بشكل يجعل الجزائر البوابة الرئيسية نحو القارة السمراء". شيات: إفريقيا بين المغرب والجزائر ويعلق الدكتور خالد شيات، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة الجزائر، على هذا الموضوع، بالقول إن السياسة الإفريقية في الجزائر عرفت استمرارية منذ عقود، وتعد من أنجح السياسات التي صاغتها الجزائر على المستوى الإقليمي، حيث كانت الجزائر تجد في الدول الإفريقية سندا قويا لتصوراتها". وتابع شيات، في تصريح لهسبريس، بأن الجزائر متجذرة في إفريقيا بطريقة تجعلها تتجاوز المستويات المؤسساتية غير القارة كما هو معروف في الدول الإفريقية"، مردفا أن "العمق الدبلوماسي حازته الجزائر في مستويين؛ مستوى ظاهر وآخر خفي، وهو يعكس منطقا يعطي ثماره في كل مرة". واستطرد المحلل "إذا أخذنا المنطق المغربي، نجده غير قار ولا مسترسل، ولم يصل إلى عمق يجعله متجذرا ولاعبا أساسيا في هذه القارة، رغم أنه كان أولى بذلك، لكن الأخطاء الدبلوماسية التي رافقت متابعة قضية الصحراء عجلت بتناقص النفوذ، وتباعد الرؤى مع دول تجد في الجزائر شريكا غير قابل للمقايضة بشراكات أخرى معاكسة". وأكمل شيات تحليلة بأن "هذا المنطق كرسته الجزائر، وهو منطق تقابلي في القارة يجعل تجاوز الشراكة معها مكلفا، وهو ما يتجاوز قدرات المغرب لو أراد استعادة مكانته الطبيعية بها"، مبرزا أن "المغرب أمام تصور يجعل من عامل الزمن والاستقرار محددا استراتيجيا جديدا". ويشرح المتحدث "لا يمكن إنجاح تصور واقعي بسرعة زمنية لا تأخذ بعين الاعتبار المدى المتوسط والبعيد، ولا يمكن إنجاحها بدون بدائل اقتصادية تصاعدية، وفي إطار شراكات مع قوى محلية ودولية"، مردفا أنه "حينذاك يمكن للمغرب أن يخرج من جبة الشراكات التقليدية مع الدول الداعمة تقليديا لمغربية الصحراء في إفريقيا".