قد ينتهي المداد وتنفذ الأوراق وتبقى الصراعات والنقاشات المجتمعية تستفيق كل مرة على واقع جديد، تجد فيها الآراء منقسمة بين تيارات محافطة والاخرى حداثية، مثلما يحدث حالياً في رقعة ميدان مدونة الأسرة، عراك قوي منضوي تحت لواء حرب "العرائض"، تحاول فيه كل جهة إبداء رأيها بأدلة تناسب توجهها الإيديولوجي والقيمي. واندلع في الاسابيع الاخيرة سجالا مجتمعيا بعد صدور بلاغ الديوان الملكي الذي أمر من خلاله الملك محمد السادس رئيس الحكومة بإعادة النظر في مقتضيات مدونة الأسرة، بين عدة تيارات التي تطالب بإلغاء نظام التعصيب من الإرث، والدعوة مجددا إلى المساواة بين الرجل والمرأة في القاعدة الإرثية المغربية.
ويبقى التعصيب أو "العصبة" نقطة مهمة وأساسية داخل المنظومة الإرثية بالمغرب جعلها المعارضون فجوة للتعبير عن رفضهم لهذا القسم، علما أنه هناك عدة أدلة دينية تتبث شرعيته، حيث تفرض قاعدة التعصيب على أن "العاصب يأخذ جميع المال إذا انفرد، ويأخذ الباقي بعد أصحاب الفروض فإذا لم يبق من المال شيء سقط العاصب إلا الشقيق في المشتركة".
واعتبر بعض العلماء المغاربة أن التعصيب هو بمثابة عمود فقري للإرث المغربي، يأخذ مكانة خاصة في علم "الفرائض" مثله مثل الفروض، وأن هذا النظام يخدم مصلحة الجنسين نظرا أن التعصيب ليس حكرا على الرجال فقط بل حتى على النساء، لأنه توجد حالات عديدة ترث فيها المرأة بالتعصيب.
يرى مصطفى بنحمزة، رئيس المجلس العلمي الجهوي الجديد، أن "الإرث المغربي موجود في القرآن والمذهب المالكي وفي الأحاديث، حيث يوجد وارث بالفرض ووارث بالتعصيب، وأن صاحب الفرض هو الذي له فرض محدد ومذكور في كتاب الله عز وجل حسب نصيبه الذي يرثه عند موت الهالك".
وأورد مصطفى بنحمزة، في تصريح ل"الأيام 24″، أنه إذا كان "الإنسان ليس من أهل الفرض يكون من أهل التعصيب، الذي يعتبر حالة يرث فيها الانسان من غير ذوي الفرض، بعد أن يأخذ أصحاب الفروض فروضهم، مثال للابن يرث بالتعصيب بوجود استدلال شرعي".
وتابع المتحدث عينه أن "النساء بدورهن يرثن بالتعصيب، وهناك حالة ترث المرأة بهذا القسم من الإرث، عندما تكون عاصبة مع غيرها أو بغيرها، وأن الأخت التي توجد مع البنات ترث بالتعصيب فتأخذ السدس تكملة للثلثين".
وأشار بنحمزة إلى أنه "بعض الناس يتصورون أن التعصيب خاص بالذكور فقط، علما أنه يشمل النساء أيضا في العديد من الحالات الإرثية، وأن إزالة التعصيب من الإرث شبيه بإزالة الفروض حيث ستغير جميع الأدلة التي تتعلق بالإرث".
من جهته، قال لحسن سكنفل، رئيس المجلس العلمي لعمالة الصخيراتتمارة، إن "قضية الميراث هي محسومة في الشريعة الإسلامية، لأنه من تولى قسمة تركة الميت هو الله سبحانه وتعالى، عبر آيات من سورة النساء التي تبين نصيب كل واحد".
وأضاف لحسن سكنفل، في تصريح ل"الأيام 24″، أنه "هناك من يرث بالفرض وهناك من يرث بالتعصيب، لأن هذا الأخير هو الأصل في الإرث، وهناك حالات عديدة يرث فيها الرجل والمرأة بالتعصيب، لأن هذا القسم من الإرث لا يتعلق بالرجال فقط وإنما حتى النساء".
وأبرز سكنفل أن "التعصيب يعتبر العمود الفقري للإرث المغربي، لا يمكن إزالته لأنه مثل الفروض، وأن الناس الذين يتحدثون عن نظام التعصيب لا يفقهون شيئا، في الإرث ويريدون تكسير القاعدة الإرثية المغربية المشمولة بالقرآن الكريم".