بسم الله الرحمان الرحيم الحمد لله العليم الحكيم، شرع بعلمه ما يصلح خلقه في المعاش والمعاد، وصلى الله وسلم على المبعوث رحمة للعالمين، أثارت عريضة المطالبين بإلغاء التعصيب مؤخرا نقاشا قديما جديدا في موضوع الإرث والمساواة فيه، كما سبق وأثار ذلك التقرير الصادر عن المجلس الوطني لحقوق الإنسان في توصيته المتعلقة بالإرث نقاشا كثيرا حينئذ، وأغلب المؤيدين للمناصفة والمساواة بين الذكور والإناث، لا يخفون في كل مناسبة مماثلة رفضهم الرجوع إلى النصوص الدينية التي يرونها رجعية وقديمة ويتفننون في توصيفها بمختلف العبارات القدحية ، وفي رأيهم لا تصلح هذه النصوص إلا للمراجعة والنقد والاجتهاد في الخروج عن أحكامها، وليس الأمر مقصورا على الإرث، فلهم في اللباس وفي العلاقات الجنسية، صولات وجولات معروفة ... في هذه المشاركة المتواضعة في هذا النقاش حاولت بجهد المقل جمع حالات ميراث المرأة وتوضيحها بأمثلة ، لتقريب القراء الكرام من بعض المسائل المتعلقة بإرث المرأة والتي فضل المدافعون الخوض فيها بالإجمال المخل بالبيان ... فالمناداة بالمساواة في الإرث دعوة إلى إلغاء تميز الذكر في بعض الحالات، وإلغاء كذلك لتميز المرأة في حالات كثيرة كما سيأتي، والدعوة إلى المساواة في الإرث ينبغي أن ترافقها دعوة إلى المساواة في الواجبات، فهل من العدل أن تكلف المرأة بما كلف به الشرع الرجال من الإنفاق على من تلزمهم نفقتهن من النساء ؟ فالرجل ملزم شرعا بالإنفاق على زوجته وعلى بنته وعلى أمه وعلى أخته فهل المساواة في هذه الواجبات عدل أم ظلم؟ أم أن هؤلاء ينادون بالمساواة في الإرث دون غيره؟ ، فلو وجد في أسرة مثلا زوجة وابن وبنت وتوفي أبوهما واقتسما بقاعدة للذكر مثل حظ الأنثيين، فالبنت تأخذ نصف ما أخذ أخوها، ولكن ليس عليها مسؤولية الإنفاق على نفسها وعلى أمها ، وإذا تزوجت تركت أمها، في كفالة أخيها(هذا هو الغالب ) وتستقل هي بنصيبها، فهل يعقل أن يتكفل أخوها بنفقة نفسه ونفقة أمه ونفقة أخته قبل الزواج ويكون نصيبه مثلها؟ فلو تصورنا الثروة في المجتمع رقما معينا وقسمناه بقاعدة للذكر مثل حظ الأنثيين، وأفراد المجتمع بإجمال ذكر وأنثى، فنصيب الذكر من ذلك سهمان وللأنثى سهم(للذكر 2 وللأنثى 1)، والذكر ملزم بالإنفاق على هذه الأنثى، فالنتيجة الرياضية أنها أخذت سهما صافيا بالإرث وليست ملزمة بالإنفاق منه ولو على نفسها،(فهي في جميع مراحل حياتها مكفولة النفقة إن كانت بنتا فنقتها على أبيها، وإن كانت زوجة فنفقتها على زوجها وإن كانت أما فنفقتها على أبنائها)، وأخذت نصيبا من السهمين الذين أخذهما الذكر بإنفاقه عليها ، فنصيبها النهائي هو قطعا أكثر من سهم ، ونصيب الرجل النهائي أقل من سهمين ، فتلك عدالة العليم الحكيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون. أما الضجة المثارة عن إرث الأعمام وأبنائهم مع البنات، فيطرح السؤال عن نسبة ذلك في الواقع، وإن وجدت حالات فيكون نصيب الإناث مستوفيا لمعظم التركة فإذا أخذت البنات الثلثين والزوجة الثمن، وإن وجدت الأم مثلا ترث السدس، فكم سيبقى لهؤلاء العصبة؟ لو افترضنا التركة 24 مليونا فنصيب البنات هو 16، ونصيب الزوجة هو 3 ونصيب الأم هو 4، ويبقى للعصبة 1.وإن لم توجد الأم تبقى لهم 5، فمن مظاهر تكريم النساء إرثهن بالفرض ، وأصحاب الفروض يقدمون وكلهم إناث إلا الزوج ، والأخ لأم، بينما يتأخر العصبة وينظر في المسألة وأصلها و ماذا يبقى بعد الفروض. وباعتبار الأفضلية في نصيب الإرث يمكن تقسيم الموضوع إلى حالات ترث فيها المرأة أقل من الرجل، وحالات ترث فيها مثله، وحالات ترث فيها أكثر منه، وحالات ترث فيها المرأة ولا يرث فيها الرجل... أولا: حالات ترث فيها المرأة أقل من الرجل وهذه هي الحالات التي تعد السبب في النقاش الحالي وهذه الحالات محصورة في أربع: إرث البنت مع الابن. إرث بنت الابن مع ابن الابن. إرث الأخت الشقيقة مع الأخ الشقيق. إرث الأخت لأب مع الأخ لأب. ومن قواعد الإرث : "وعصب كل أخته". والمقصود بها الحالات الأربع السابقة، أي ترث كل أنثى ممن ذكر بالتعصيب مع أخيها. ثانيا: حالات ترث فيها المرأة أكثر من الرجل وهذه الحالات هي الوجه المقابل للحالات السابقة، والتي على دعاة المساواة بين الابن والبنت أن يتحدثوا ويبدوا موقفهم هل يرون أن يلغى فيها التمييز ويقولوا فيها بالمناصفة كذلك؟، أم لا يهمهم من الإرث إلا البنت والزوجة وما سواهم من الورثة لا اعتبار لهم؟ فما قولهم في الحالات التي تكون فيها الأنثى أوفر حظا من الرجال؟ أم يقتصر مطلب المساواة على الحالات التي يكون فيها الرجل أوفر حظا؟ أليس تنويع أحكام الإرث وتفصيلها أقرب إلى العدالة من وضع قاعدة واحدة للتطبيق على كل الحالات؟ فمن الحالات التي ترث فيها الأنثى أكثر من الذكر ما يلي: 1)إرث البنت أو البنات أكثر من الزوج وأكثر من الأخ ش أو لأب فلو مات رجل عن زوجة وبنت وأخ شقيق، ستكون المسألة كما يأتي: للبنت النصف، وللزوجة الثمن، والباقي للأخ، فأصل المسألة هو: 8 للبنت منه 4، وللزوجة 1، وتبقى 3 للعصبة . 2) إرث البنتين مع الأخ الشقيق لو وجد في المسألة بنتان أو أكثر فستكون المسألة كما يلي: للزوجة الثمن، وترث البنتان الثلثين، والباقي للأخ الشقيق بالتعصيب. أصل المسألة هو: 24 فنصيب البنتين هو: 16 ، فيكون نصيب كل واحدة هو: 8 ونصيب الزوجة: 3 ويبقى للعاصب أو العصبة5 من أصل 24 ، ولو وجدت أم أو جدة ونقص السدس من المسألة وهو 4 لنقص نصيب العاصب وصار سهما واحدا من أصل 24. ثالثا: حالات تتساوى فيها الأنثى والذكر 1)المساواة بين الأم والأب يستوي نصيب الأم والأب إن ترك الميت وارثا ذكرا، وهو ما نص عليه قوله تعالى في سورة النساء: "ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد" 2)المساواة بين الأب والجدة في السدس في المثال السابق لو وجدت جدة لأم محل الأم لأخذت بدورها السدس وتساوت مع الأب. 3)المساواة بين الجد والجدة في السدس لو وجد الجد والجدة مع الفرع المذكر سيكون نصيب الجدين متساويا لكل منهما السدس. 4) المساواة بين الزوج والأخت الشقيقة عند انفرادهما يكون للزوج والأخت الشقيقة مع عدم الفرع الوارث النصف لكل منهما. 5)المساواة بين الزوج والأخت لأب عند انفرادهما وهي مثل الحالة السابقة مع استبدال الأخت الشقيقة بالأخت لأب المساواة بين الزوج والأخت الشقيقة إذا صارت عاصبة ومثاله: زوج وبنت وأخت شقيقة: للزوج الربع، وللبنت النصف، والباقي للأخت وهنا سيبقى لها مثل الربع الذي للزوج. 7) المساواة بين الزوج والأخت لأب إذا صارت عاصبة في المثال السابق لو وجدت الأخت لأب محل الأخت الشقيقة لكان لها نفس النصيب 8) المساواة بين البنت و الأخ الشقيق أو لأب عند وجود بنتين وأخ واحد للبنتين الثلثان وللعاصب الباقي وهو الثلث، فنصيب كل واحدة هو الثلث وهو نفسه نصيب الأخ. المساواة بين الإخوة لأم ذكورا وإناثا في السدس أو في مقاسمة الثلث عند وجود أخ لأم أو أخت لأم يكون نصيب كل منهما هو السدس، وإن تعددوا يقتسمون الثلث بالتساوي بدون تفاضل، فيكون نصيب الأنثى مثل نصيب الذكر في الحالتين( الانفراد أو التعدد) وبافتراض وجود العصبة بالنفس ممن هم دون الأخ الشقيق أو لأب، كأبناء الإخوة والأعمام وأبناؤهم... يمكن استخراج سبع حالات مشابهة لحالة البنتين مع الأخ الشقيق، وكذا لو جعل ابن الابن بدل الأخ الشقيق فهي الحالة التاسعة لتتجاوز حالات تساوي الأنثى مع الذكر19 حالة. رابعا: حالات ترث فيها الأنثى ولا يرث فيها الذكر قد يستغرب دعاة المساواة من هذه الحالات، وقد يشكون في وجودها أصلا، وهذا له علاقة بما ذكرته في المقدمة من بعد الكثيرين منهم عن دراسة الفقه الإسلامي عموما، والإرث خصوصا، والسبب الذي يجعل الإناث أوفر حظا كما في حالات سابقة، أو يرثن دون الذكور هو حمايتهن بتوريثهن بالفرض المحدد كالنصف والثلثين والربع والسدس ، بينما أغلب الرجال يرثون بالتعصيب(نصيب غير محدد)، بمعنى تعطى الأسبقية لذوي الفروض، وما بقي يكون من نصيب الورثة بالتعصيب، فقد يرثون كل المال في غياب ذوي الفروض، ويرثون ما تبقى عنهم إذا وجدوا، وإذا استغرق ذوو الفروض التركة لا يرث العصبة شيئا، وبلغة الذكر والأنثى يمكن القول إن الأسبقية هنا أعطيت للإناث، وما فضل عن أنصبتهن يرثه العصبة الذكور، وإن لم يفضل شيء ترث الأنثى ويحرم الذكر، فهل في هذا ظلم يا دعاة المساواة؟ فهل ستنادون يوما بإلغاء الإرث بالفرض لإنصاف الرجال في مثل الحالات التي تحرمهم فروض النساء من الإرث؟ وحتى لا يقول قائل بأنها حالات قليلة، أقول بأن كل حالات العول بتعبير الفرضيين لا يرث فيها العاصب شيئا وهي غير قليلة، تضاف إلى الحالات التي تستغرق فيها الفروض التركة وإن لم يكن فيها عول، وللتوضيح أسوق أمثلة. لو ماتت امرأة وتركت زوجا وأختين شقيقتين أو لأب، فلو وجد عاصب أدنى من الأختين فلن يرث، وإن وجدت أنثى ذات فرض فستزاحم الورثة وتأخذ نصيبها ويدخل النقص على الجميع، لأن المسألة عالت أي نضطر لزيادة عدد السهام حتى تنقسم على الورثة بحيث يأخذ كل وارث نصيبه ناقصا، أما العاصب فلا يبقى له شيء في مثل هذه الحالة. وفي حالات العول تتضامن النساء في اقتسام النقص الحاصل في أنصبتهن ولكن لا تحرم إحداهن من الميراث، ولو وجد ذكر يرث بالتعصيب لحرم باستغراق ذوات الفروض للتركة أو لعولها... مثال: لو وجد زوج وأختان شقيقتان، للزوج النصف وللأختين الثلثان، فلن يرث في هذه الحالة العاصب شيئا، بينما لو وجدت أخت لأم لأخذت السدس، أو الأم فلها السدس وكذا الجدة، وستتزاحم الفروض، ولا يحرم أصحابها. أختم بإشكالات على دعاة المساواة التفكير فيها: مطلب المساواة في الإرث هل في ظل بقية أحكام الشرع خاصة موضوع نفقة الرجال على النساء أم سيطالعنا المجلس الحقوقي ومجلس العريضة يوما ما بتوصية في المساواة في هذا الباب كذلك؟ إن كان من النساء من تتحمل تكاليف الحياة والنفقة ولها أموال مشتركة مع زوجها أو خاصة بها وهذا واقع وصحيح، فمن قال بأن ورثة الزوج يرثون مال الزوجة؟ ومن منع الزوجة شرعا من تكون لها ذمة مالية مستقلة ؟ وإذا وقع شيء من التفريط في توثيق العقود أو إثبات مشاركة الزوجة فليس الشرع هو المسؤول عن ذلك، فقد أمر الله تعالى بتوثيق الديون والإشهاد على البيع والوفاء بالعقود ... وإذا وقع الخلل من المنتسبين إلى السلام في تطبيقه فلا ينبغي تحميل الإسلام وزر تفريطهم. أم أن قوانين بعض الدول الأوروبية التي تشترط إذن الزوج إذا أرادت الزوجة أن تبيع شيئا من ممتلكاتها، متقدمة على الشريعة التي تعترف بحرية المرأة في إبرام ما تشاء من العقود المالية؟ إذا تساوت البنت وأخوها في الإرث ثم تزوجت هل ستلتزم بالتكفل بأمها أو أبيها أو بقية أخوتها الذين يتكفل بهم غالبا إخوتها الذكور؟ أم سينتقل معها أفراد عائلتها إلى بيت زوجها على خلاف ما هو متعارف عليه في المجتمع من تكفل الذكور بالوالدين ومن لم تتزوج من الأخوات؟ أم أن هذا التكافل وغيره من قيم الصلة والبر والإحسان...غير داخل في قاموس دعاة المساواة؟ أليس من العدل أن تكون القسمة بالسوية في المال والمسؤوليات؟ أم الأفضل لها أن تأخذ نصف نصيب أخيها سالما من كل التكاليف إلا ما تكرمت به تطوعا؟ فهل المساواة المطلقة في الإرث مع ما سيترتب عنها من تحميل المرأة للمسؤوليات، وإنهاكها بهموم الكسب إنصاف للمرأة أم ظلم لها؟ ولنذهب بعيدا إلى واقع المرأة في الغرب وفي بعض الدول التي لا تطبق أحكام الإرث هل وجدت فيها المرأة كل غاياتها؟ ألا تشير إحصاءاتهم إلى عدم المساواة القائم في الأجور وفي العمل....؟ وهل أسعدتها القوانين التي تقسم الإرث وتحرم فيها كثير من النساء من الإرث بالمقارنة مع توريث المرأة في الإسلام؟ ولدعاة المساواة أن يبحثوا عن إرث الأخوات، والأمهات والجدات في القوانين الغربية... فهب أن بنتا أو أختا أو زوجة اقتسمت الإرث بالسوية مع ذكر أو أكثر ثم تحملت مسؤوليتها أو ألقيت في دار العجزة فهل سيلزم القانون الوضعي الإبن ببر أمه والإحسان إليها كما يلزمه الشرع؟ أم يلزم الأخ بصلة أخته ورعايتها بل الإنفاق عليها إذا اقتضى الحال؟ من أين ستأتي القوانين الوضعية بقيم بر الوالدين وصلة الرحم التي جعلها الإسلام أهم القيم الضامنة لرعاية المرأة خاصة عند الكبر؟ فلو سألت امرأة مسلمة تعيش في كنف أسرتها يحيطها أبناؤها بالبر والإحسان، عن أخذ حقها في الإرث من تركة زوجها، لوجدتها غير مكترثة بالموضوع أصلا فهي تشعر بالسعادة والرضى بدون سدس ولا نصف، ولو سألت امرأة ورثت كل مال زوجها أو نصفه، وتنكر لها أبناؤها العقلانيون العلمانيون وألقوا بها في دار العجزة، لوجدتها لاتقيم لذلك المال وزنا في ظل ما تعانيه من مرارة الإهمال، وستلعن ثقافة المساواة الجافة من معاني التراحم والبر...فإن قيل ما علاقة هذا بذاك؟ قلت إن الدين الذي قال وبالولدين إحسانا، واستوصوا بالنساء خيرا، وصلوا الأرحام...هو الذي قال:"يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين". وقال:"أفتومنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض" وقبل النضال على منع التعصيب، كان الأولى التفكير في إنتاج ما يقسم، والبحث في الفقر الذي يجعل المساواة في كثير من الأحيان مطبقة اضطراريا، بحيث يستوى الذكر والأنثى في الإرث، لأن الهالك المسكين لم يترك شيئا ذا بال ليورث بالفرض ولا بالتعصيب، فيكون نصيب الذكر والأنثى معا صفرا. هذا إن لم يترك ديونا لن يطالب المناضلون بالمساواة في سدادها... فمشكلة اللواتي داستهن الأقدام في وطأة الزحام من أجل كيس من الدقيق، واللواتي انهارت عليهن الأسقف الهشة لأكواخهن في الأطلس بالثلوج، واللواتي ينهش الوحوش أعراضهن بالاغتصاب، والآلاف من التلميذات اللواتي يحرمن من التعلم، ليست مع أحكام الشريعة ولا مع المساواة في الإرث. ولا أدري هل سيقبل المناضلون بالمساواة في ريع مناصبهم التي ورثوها بالتعصيب؟ وكيف سيقنعون الأبناء برعاية الأمهات، والآباء برحمة البنات، والإخوة بصلة الأخوات، إذا رفضوا الشرع و اعتمدوا مرجعيات المطالبة بالمساواة؟ *باحث في الدراسات الإسلامية