جيل مضى يعرف الصديق معنينو كنجم تلفزيوني في زمن ولادة التلفزيون المغربي، ولما كان هذا الجهاز يدخل كل بيوت المغاربة في سنوات الصراع السياسي، فإن الصحافي فيه تحول إلى شاهد قريب جدا من قلب صنع القرار في البلاد، وهكذا كان معنينو قريبا من الحسن الثاني في محطات مفصلية من تاريخ المغرب، وكان الملك يعتبر التلفزة سلاحه الخاص للانتصار لسياساته ضد المعارضة اليسارية التي كان سلاحها هو الصحافة المكتوبة. في هذا الحوار المطول، الذي ننشره عبر حلقات، يقربنا الصديق معنينو، الذي وصل إلى منصب مدير الإعلام والكاتب العام لوزارة الإعلام على عهد ادريس البصري، من أجواء الماضي التي ماتزال ترخي بظلالها على الحاضر، ويطوف بنا على الأجزاء الأربعة من مذكراته "أيام زمان".
يوم قال لي بنهيمة:عليك تنظيف الكاميرات من وجوه الوزراء
عين أحمد الطيب بنهيمة في حكومة عصمان الثانية وزيرا مكلفا بالإعلام في شهر أبريل 1974، كان قبل ذلك قد تولى منصب وزير للخارجية، كما سبق له أن كان سفيرا للمغرب في عدة عواصم، غير أن مروره من « نيويورك» كممثل للمغرب في الأممالمتحدة طبع حياته الدبلوماسية. اشتهر بنهيمة في الأممالمتحدة وكواليسها بخطبه وأناقته ومتانة علاقته العامة، كما اشتهرت زوجته عائشة الغزاوي بحسن أحاديثها واستقبالاتها، إلى جانب جلبها الأنظار بأناقتها وجمالها. هذا الثنائي الدبلوماسي أصبح له صيت كبير في «نيويورك»، حيث راجت أخبار عن إمكانية ترشيح بنهيمة للأمانة العامة للأمم المتحدة.
كل هذا الماضي الدبلوماسي كان حاضرا في ذاكرة بنهيمة وهو يعين وزيرا للإعلام، اعتبر الوزير الجديد هذا التعيين انتقاما وعقابا له على طموحاته المبالغ فيها، كما اعتبر وجوده على رأس وزارة الإعلام إبعادا له عن الدبلوماسية، مهنته الأساسية، ومؤامرة حاكها ضده بعض النافذين في المحيط الملكي، قصد بهدلته، والحط من كرامته.
أذكر أني كنت بالقصر الملكي يوم تعيين الحكومة الثانية لعصمان، والتي كان في مؤخرة قائمتها كاتب للدولة في الداخلية اسمه ادريس البصري.
بمجرد خروج الحكومة بعد تأديتها القسم، توجهت عند بنهيمة الذي كنت أعرفه، فهنأته على تعيينه، رحبت به في مجال الإعلام، فشكرني على ذلك ووضع يده على كتفي وقال لي:» سي معنينو، عليك تنظيف الكاميرات من وجوه الوزراء، وفي مقدمتهم عبدالله غرنيط»، كان غرنيط آنذاك وزيرا للتعاون الوطني والصناعة التقليدية، وكان فعلا كثير الأنشطة وكثير المرور في الأخبار المتلفزة.استقر بنهيمة في بناية الوزارة، ولما كان عدد المكاتب فيها محدودا، فقد استولى كاتب الدولة محمد المحجوبي على مكتب مدير الديوان، وبذلك أصبحت الحجرة الفاصلة بين الوزيرين تضم خليطا من أعضاء الديوانين والكاتبات والملحقين.