جيل مضى يعرف الصديق معنينو كنجم تلفزيوني في زمن ولادة التلفزيون المغربي، ولما كان هذا الجهاز يدخل كل بيوت المغاربة في سنوات الصراع السياسي، فإن الصحافي فيه تحول إلى شاهد قريب جدا من قلب صنع القرار في البلاد، وهكذا كان معنينو قريبا من الحسن الثاني في محطات مفصلية من تاريخ المغرب، وكان الملك يعتبر التلفزة سلاحه الخاص للانتصار لسياساته ضد المعارضة اليسارية التي كان سلاحها هو الصحافة المكتوبة. في هذا الحوار المطول، الذي ننشره عبر حلقات، يقربنا الصديق معنينو، الذي وصل إلى منصب مدير الإعلام والكاتب العام لوزارة الإعلام على عهد ادريس البصري، من أجواء الماضي التي ماتزال ترخي بظلالها على الحاضر، ويطوف بنا على الأجزاء الأربعة من مذكراته "أيام زمان".
حين قال الحسن الثاني: "كبرها تصغار" خلال درس من الدروس الحسنية
في شهر غشت من سنة 1979، أي في عز الصيف وحرارته، كان المغاربة يتابعون " الدروس الحسنية" الرمضانية، كانت التلفزة ستنقل ذلك اليوم درسا للشيخ المكي الناصري.
لازلت أذكر أن الملك، على غير عادته، أخبر الوزير بأنه سيتناول الكلمة ...وعوض أن يبدأ المكي الناصري درسه، تناول الحسن الثاني الكلمة، وقال:" راجت في هذه الأيام أخبار تتأكد كل يوم، تقول إن موريطانيا ربما ستتخلى عن الجزء الصحراوي المسمى" تيريس الغربية…"، وكان يقصد وادي الذهب، وبعد تحليل سياسي وقانوني لأبعاد هذا القرار أضاف الملك...يقول الله تعإلى:"وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم"، وأنا أترجمها بالعربية الدارجة "كبرها تصغار"، وقد كونت هذه المقولة ركنا من أركان سياستي في الداخل والخارج"، وأضاف الملك" إننا نتتبع الأحداث بصرامة هادئة، فالوقت يقتضي التبصر والتحليل…".
كانت رسالة الحسن الثاني واضحة، فعندما قال الملك" قررنا أن تكون هجرتنا إلى صحرائنا وقفا علينا وعلى أبنائنا ووحدتنا" فمعناها أننا سنسترد "وادي الذهب" ولن نتركه للجزائريين، وعندما قال" ... أطلب من العلماء أن يكونوا جامعين للمعاني في أقل ما يمكن من الوقت، خاصة خلال الثلاثة أو الأربعة أيام المقبلة نظرا لأشغالنا ومشاغلنا"، فمعناها أن الملك كان يتابع الأحداث عن قرب، وأن وحدات من الجيش المغربي تحركت نحو إقليم وادي الذهب.
كان واضحا أن سباقا ضد الساعة قد انطلق، فالقوات المعادية تقوم بتجمعات ضخمة في التراب الموريطاني، وهي عازمة على التوجه فورا إلى الداخلة عبر" بئر أنزران" للإعلان عن قيام " الدولة الصحراوية" فوق التراب الصحراوي. وفي نفس الوقت كانت القوات المغربية، رغم الضربات التي كانت تتلقاها، تنفذ أوامر الملك بالتوجه إلى الداخلة واسترجاع وادي الذهب.