ما ينفك أن يهدأ نقاش موضوع المساواة في الإرث بين الجنسين، حتى يبعث من جديد من رماده ويعلن دخول أحزاب سياسية ومؤسسات دستورية وجمعيات عن المجتمع المدني في حمأة الجدل القديم-الجديد، حيث يقوم النقاش على أرضية مطالب تعديل مدونة الأسرة بما يمكّن المرأة من نيل النصيب نفسه من الإرث مثل الرجل. مطالب يتصدى لها الإسلاميون ورجال الدين، معتبرين نظام الإرث ثابت بقوة النصوص القرآنية القطيعة التي لا تقبل التأويل أو الاجتهاد… وبين الرأيين، مجتمع مدني يكشف في دراسات ميدانية أن غالبية المغاربة يرفضون كسر القاعدة القرآنية.
وينص الفصل 19 من دستور 2011 على أن الرجل والمرأة يتمتعان على قدم المساواة بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها. كما تسعى الدولة إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء. وتحدث لهذه الغاية هيئة للمناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز".
نقاش خارج السرب
وتفاعلا مع الموضوع، يقول ياسين العريفي الباحث في الشأن الديني، إن إثارة هذا النقاش القديم – الجديد، الخاص بالمساوة بين المرأة والرجل في الإرث،ليس وليد اليوم، ولكن هو نتيجة استيراد أفكار من الخارج تروم تجديد هذه الملفات كلما خفت وهجها في المجتمع.
واعتبر في حديثه ل"الأيام 24″ أن الدعوة إلى مساواة الجنسين في الإرث مردود عليها بنص قطعي جازم في القرآن لا يحتمل التأويل أو الاجتهاد، وهو ما جاءت به سورة النساء بقول الله تعالى "يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين".
واستغرب الباحث في الشأن الديني من زمنية الموضوع في الظرف الحالي الذي يعيشه المجتمع المغربي والسياق العام التي ليس فيها أولوية لهكذا نقاش جانبي، مضيفا بأن "الأولوية يجب أن تكون لكرامة المغربي ومعيشته وصحته وتعليمه، لا سيما في خضم الارتفاع المهول للأسعار، وكثير من الملفات ذات الإلحاح، فلا وقت لمثل هذه النقاشات الفارغة".
وقال إن ارتفاع الأصوات من داخل المؤسسة التشريعية أو المؤسسات الرسمية في موضوع مساواة بين الرجل والمرأة في الإرث ينافي منطوق الشرع الإسلامي، الذي يعد مرجعاً أساسياً نص عليه الدستور، الذي تستند إليه هذه المطالب نفسها.
الإرث في معترك الحقوقي والسياسي
مناسبة النقاش، ما طالبت به نائبات برلمانيات سابقا، بخصوص إعمال الاجتهاد والعقل والتأويل لما فيه مصلحة المرأة، والتعامل مع نص "للذكر مثل حظ الأنثيين" مثلما تم تعامل الفقهاء المجتهدون مع مسائل الحدود، وعدم قطع يد السارق إذا سرق، وغيرها من الوضعيات والأحوال التي لم تعد صالحة أو معمولاً بها في وقتنا الراهن، وفق برلمانيات.
هذه المطالب السياسية والحزبية دعمتها أمينة بوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان عندما صرحت في مداخلة لها بمناسبة عرض البحث الميداني للجمعية النسائية المذكورة، بأن مدونة الأسرة على الرغم من تكريسها في عديد من مقتضياتها مبدأ المساواة بين الجنسين، فإن ذلك لم ينعكس على مقتضيات الكتاب السادس منها المتعلق بالميراث".
ووفق بوعياش، هذا الكتاب السادس من مدونة الأسرة لا يزال حاملاً لعديد من مظاهر التمييز وعدم المساواة، ومن صورها نظام التعصيب وأثر اختلاف الدين في الحق في الميراث، وميراث ذوي الأرحام، فضلاً عن القيود المفروضة على الوصية، وهو ما يسهم بشكل قوي في الحد من ولوج الفتيات والنساء إلى الأرض والثروات، وفي جعلهن أكثر عرضة للفقر والهشاشة.
زعيم حزب العدالة والتنمية، عبدالإله ابن كيران، رد على بوعياش، معلنا رفضه الواضح دعوات المساواة في الإرث بين الجنسين، ومعتبرا أن هذه القضية محسومة بنص القرآن، وأن المغاربة ليست لديهم مشاكل مع الإرث، ولم يشتكوا لأح"، داعيا أعضاء حزبه إلى عدم السكوت عن هذا الأمر، وأضاف مخاطبا أمينة بوعياش، "حينما تتهمين الإسلام بتأنيث الفقر فهل تعين ما تقولين، أم فقط تلقين الكلمات جزافا؟"، معتبرا دعوتها إلى المساواة في الإرث "اتهاما لله وللرسول بالظلم".