ارتفعت مجددا طيلة الأشهر الماضية، دعوات من داخل الحركة النسائية والحقوقية، من أجل إصلاح جذري وشامل لمدونة الأسرة، وما يرتبط فيها بالمنظومة الخاصة بالمواريث، علما أن أولى هذه الدعوات انطلقت منذ نحو عشر سنوات من طرف الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، حيث رفعت مطلب فتح نقاش مجتمعي من أجل تغيير منظومة المواريث الحالية، على اعتبار أن التغيير أصبح ضرورة اجتماعية وتاريخية بالنظر للتحولات المعيارية، والسياسية والاجتماعية لمغرب اليوم، خاصة مع ما باتت تفرضه مقتضيات دستور 2011 والمواثيق الدولية التي تعد المملكة طرفا فيها. وقالت أمينة لطفي الرئيسة الحالية للجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، في تصريح لبيان اليوم، جوابا على سؤال بخصوص مطلب إصلاح جذري لمنظومة المواريث، خصوصا وأن هناك من يرفض الحديث عن الموضوع لكونه مجالا محسوما بحكم ما تتضمنه الآيات القرآنية، والبعض الذي يعتبر أن الموضوع يتطلب فتح نقاش مجتمعي واسع بشكل استباقي، يجمع بين مختلف الأطياف السياسية وممثلي المجتمع المدني وأصحاب القرار، (قالت) إن «الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب أطلقت هذا الأسبوع الحملة التحسيسية والتواصلية من أجل رفع مجددا مطلب الإصلاح الشامل والجذري لمدونة الأسرة، وهذا الإصلاح يمتد إلى منظومة المواريث، وأن الجمعية تعتبر أن النقاش حول تغيير منظومة المواريث مفتوح منذ سنوات، وهو يجمع ناشطات في الحركة النسائية وأكاديميات وأكاديميين داخل الجامعة وفقهاء». وأضافت موضحة: «لكن مسألة فتح نقاش مجتمعي واسع يجمع مختلف الأوساط السياسية منها وداخل المجتمع المدني والحقوقي، أساسا الحركة النسائية، والأوساط الحكومية وهيئة العلماء، ينبغي أن يكون محصلة لإرادة سياسية وعلى أعلى مستوى». وأكدت لطفي، أن الجمعية سبق وأعدت دراسات في الموضوع، خلصت كلها إلى أن إصلاح منظومة المواريث في حاجة لنقاش مجتمعي هادئ، فالأمر يتعلق بحل وضعيات واقعية، حيث إن المغربيات أصبحن بشكل جلي يساهمن في تنمية ثروة الأسرة، وفي المقابل لا يحصلن على أدنى الضمانات لحقوقهن في حالة وفاة الزوج أو الأب. وأبرزت أن مطلب التغيير ليس ترفا بل يأتي لكون المنظومة القانونية الحالية المنظمة للإرث تكرس التمييز بين الرجل والمرأة على مستوى توزيع الميراث، في تناقض صارخ مع المسار الذي اختاره المغرب وأقره في مضامين دستور 2011 بتنصيصه على مبدأ المساواة، فضلا عن انضمامه للاتفاقيات الدولية التي تعتمد المساواة وتلزم بتمتيع النساء بحقوقهن الإنسانية دون تمييز. وأشارت إلى أن الجمعية على وعي بحساسية الموضوع والتعقيدات التي تحيط به، حيث يربطه البعض بحمولة دينية، ويواجه بسبب ذلك مقاومات أحيانا شرسة، لكن مع ذلك، فالجمعية بناء على ما أعدته من دراسات أبانت كلها على أهمية إقرار المساواة بين الجنسين، ذلك «أن المساواة في الحقوق هي الركيزة الأساسية للمواطنة التي لا يمكنها أن تتحقق في ظل وجود تمييز يطال النساء بتكريس من القوانين والسياسات والممارسات». وفي سياق متصل، دعت فريدة بناني، الأستاذة الجامعية والناشطة الحقوقية، خلال مشاركتها في مائدة مستديرة نظمتها فيدرالية رابطة حقوق النساء، الجمعة الماضية بالرباط، حول إصلاح مدونة اللأسرة التي تتضمن المقتضيات المتعلقة بالإرث، إلى إصلاح قانوني جديد قائم على مرجعية واحدة تعتمد مبدأ المساواة، كخط ناظم يسمح بالاعتراف بالحقوق الإنسانية للنساء ومواصلة الاجتهاد الذي بدأ في سنة 2004 في تجديد الفهم للآيات القرآنية الكريمة على ضوء الواقع، وفي تأويلها وفقا مستجدات العصر، وإنتاج قراءة انسانية جديدة لها انطلاقا من الأرضية المعرفية والواقعية السائدة، وأن هذه القراءة ينبغي أن تمتد أيضا لإصلاح منظومة الإرث. ودعت بناني، إلى اعتماد الاجتهاد من داخل النص من أجل إرساء المساواة في الإرث، مشددة على حاجة المجتمع لفتح باب الاجتهاد على مصارعيه بشكل يأخذ بعين الاعتبار أساس تطورات الواقع الذي يشهد توسعا لمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة، بل وتحولا لدور المرأة الذي أصبح يمتد إلى القوامة، حيث تتحمل العديد منهن عوض الرجل النفقة على جميع أفراد الأسرة، وذلك من أجل تجاوز التأويل الذكوري للآيات القرآنية التي ترتبط بموضوع الإرث، السائد منذ فترة تاريخية سياسية معنية، والذي على أساسه تمكن الذكور من الحصول على نصيب في التركة يصل إلى ضعف ما تحصل عليه النساء. وأشارت إلى أن المدونة في وضعها الحالي والتي تنبني على أساس يتعايش في ظله مبدأي الإنصاف والمساواة، منذ صدورها سنة 2004، والذي كان اضطراريا وتوافقيا، لكن أظهر التنفيذ أن ذلك التعايش الاضطراري بين المبدأين أدى عند التطبيق الى عدم الانسجام والتوافق، بل إلى تناقض، وهو ما وقف حائلا دون تحقيق الملاءمة الدستورية والحقوقية والواقعية، ويضرب في العمق الحقوق الإنسانية للنساء بل ومسار المساواة التي اختاره المغرب. من جانبه، دعا الأستاذ الجامعي الدكتور الحسن رحو، الذي شارك في الدراسة التي أعدتها الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب والتي حملت عنوان»المغربيات بين القانون والتحولات الاقتصادية والاجتماعية»، إلى إعمال باب الاجتهاد من أجل تجاوز التأويل الذكوري للآيات القرآنية التي ترتبط بموضوع الإرث، مشيرا أن العديد من الأحكام تصدر بصبغة ذكورية حسب الفئة التي باشرت تأويل النص القرآني. ودعا في هذا الصدد إلى ضرورة التمييز بين العقيدة والشريعة، فالعقيدة ثابتة لأنها غير خاضعة للعقل ولا يمكن الاجتهاد فيها، بينما الشريعة عكس ذلك، فأحكام الإرث كلها أحكام مدنية وموجودة سابقا، فكل الأحكام الموجودة في المدونة أحكام خلافية ولا وجود لشيء ثابت فيها، وكشف على أن هذه الأحكام خاصة المتعلقة بموضوع الإرث تبين أن ثلثين منها مصدرها الفقهاء. هذا ويعتبر العديد من المتتبعين من مناصري إصلاح منظومة المواريث أن التجربة التونسية بشأن منظومة المواريث، تعد نموذجا ينبغي الاقتداء بها والسير على نهجها، فبالنظر لحساسية الموضوع وتعقيداته يفضل اتخاذ قرار بشأنه على أعلى مستوى كما هو الأمر بالنسبة للحالة السالف ذكرها، إذ اتخذ فيها القرار على أعلى مستوى وجاء الإعلان عنه على لسان رئيس الدولة، الباجي قايد السبسي، باعتماد قرار بسن قانون يضمن المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة، وترك المجال مفتوحاً أمام اختيار تطبيقه أو عدم تطبيقه، «فإذا كان المورّث يريد تطبيق القوانين الشرعية فله ذلك، وإذا أراد تطبيق القانون فله ذلك أيضا».