تعتري طريق مواصلة إصلاح أنظمة التقاعد مطبات كثيرة، ترسم معالم تخوفات من تراجع احتياطاتها في المستقبل، وتزامنها وظروف اقتصادية صعبة تواجهها الأسر والشركات، جراء موجة غلاء أسعار غير مسبوقة، علاوة عن ندوب الأزمة الصحية التي ماتزال تجتم على الوضعية الاجتماعية والاقتصادية بالبلاد. وتطالب أصوات نقابية وهي تدخل جولة حاسمة من الحوار الاجتماعي في أفق احتفالات فاتح ماي المقبل، ب"ضرورة إصلاح أنظمة التقاعد وعدم اقتصارها على رفع سن التقاعد أو الزيادة في المساهمات التي تستحضر فقط توازن الصناديق، بل يجب استحضار عدم خلق متقاعدين فقراء في المستقبل".
وفي خضم النقاش حول العرض الحكومي للشركاء الاجتماعيين، يطرح السؤال العريض، ما إذا كانت المفاوضات شملت اقترحات حكومية أخرى وحلول مبتكرة لإعادة إصلاح أنظمة التقاعد.
في هذا السياق، يؤكد العضو السابق في اللجنة الفنية لإصلاح التقاعد، محمد الراشدي، ل"الأيام 24″، أن موضوع الإصلاح قد طُرح في إطار لجنة وطنية تفرعت عنها لجنة فنية من أجل تصور السيناريوهات في هذا الصدد، غير أنه لم يُكشف عن الخيارات التي سيسلكها المغرب، إلا من كان مطالبا بالتوجه نحو إحداث نظام تقاعد حكومي وآخر يهم القطاع الخاص. ويعتبر الراشدي إن الإصلاح يتوجب عدم التركيز فقط على الجوانب ذات الصلة بعجز صناديق التقاعد من أجل التوجه نحو اتخاذ قرارات يمكن أن تؤثر على القدرة الشرائية للمتقاعدين في المستقبل.
ويشكل إعلان إصلاح منظومة التقاعد صدمة، حتى وإن كانت العملية بشكل تدريجي، إلا أن هذا التغيير النموذجي، يظل غير شعبي، خاصة وأنه سيشمل السن القانونية للتقاعد ونسب المساهمة.
ولن يكون ورش إصلاح أنظمة التقاعد، وفق مراقبين، أمرا سهلا، لكن في المقابل الحكومة ليس لديها بدائل، لمواجهة العجز الذي أصاب جميع الصناديق الوطني للضمان الاجتماعي في 2029، بينما يرتقب أن يواجه الصندوق المغربي للتقاعد خطر السيولة في 2023، وهو الذي يدبر تقاعد الموظفين ويرتقب أن يعرف الإفلاس سنة 2026.
ووفق أرقام حكومية فقد وصل عدد المساهمين في صناديق التقاعد في العام ما قبل الماضي إلى 4.5 ملايين شخص، بانخفاض بنسبة 4.1 في المائة، مقارنة بعام 2019، وهو ما يعزى إلى تأثر سوق العمل في القطاع الخاص بتداعيات الجائحة. في المقابل يصل عدد المستفيدين من معاشات التقاعد في المغرب إلى 1.5 مليون شخص، 69.4 في المائة منهم متقاعدون، و30.6 في المائة من ذوي الحقوق الممثلين في الأرامل واليتامى. ولاحظت الهيئة الوطنية لمراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي، أن الوضعية المالية لأنظمة التقاعد الإجبارية، سجلت عجزا في حدود 1.17 مليار دولار في العام ما قبل الماضي، مقابل 765 مليون دولار في 2019.
وكانت الحكومة شرعت في إصلاح الصندوق المغربي للتقاعد في 2016، حيث عمدت إلى الزيادة في مساهمات الدولة والموظفين الحكوميين المدنيين والرفع التدريجي لسن الإحالة إلى التقاعد من 60 إلى 63 عاما.
وبلغ عدد الموظفين العموميين في العام الماضي إلى 570769 شخصا مقابل 566718 شخصا في العام قبل الماضي، حيث لم يعرف العدد ارتفاعا ملحوظا في العشرة أعوام الأخيرة، إذ أن عددهم بدأ في التراجع منذ 2016 بفعل اللجوء إلى التعاقد في التعليم وزيادة عدد المحالين إلى التقاعد.