في وقت يفتك به الجفاف بالموسم الفلاحي وما يفرضه ذلك من ضغط كبير حاليا ومستقبلا على الإمكانيات المائية سواء بسبب التغيرات المناخية أو التوسع العمراني أو التطور الجيمغرافي والاقتصادي أو مايرتبط بالتدبير المسؤول للثروة المائية لدى كبار الفلاحين أو حتى لدى المواطنين، في ظل غياب وعي بأهمية الماء في الإستهلاك اليومي. الاستغلال المفرط للفرشة المائية تطرح إشكالات كبيرة، لاسيما مع توالي سنوات الجفاف أو عدم انتظام التساقطات ما يضع برامج تزويد عدد من المدن بالماء الشروب في صعوبة كبرى، ونتيجة لذلك تسجيل خصاص كبير في المستقبل.
مشاريع تحلية مياه البحر
مع ارتفاع الطلب على الماء وتزايد المخاوف من ندرته في بعض مناطق المغرب، لجأت المملكة إلى اعتماد تقنية تحلية مياه البحر، لأجل تأمين الاحتياجات من مياه الشرب والري وتحييد شبح العطش، الخطر الذي أضحى قريبا أكثر من أي وقت مضى.
وجه المغرب بوصلة سياساته المائية إلى مشاريع تعويضية موازية تتمثل أساسا في الرهان على تقنية تطوير تحلية مياه البحر لتعبئة إمكانيات إضافية من الماء، إذ شرع في إطلاق مشاريع بالدرالبيضاء أكبر المدن لمغربية مساحة وسكان، وذلك لتعبئة 300 مليون متر مكعب أو في مناطق سوس خاصة باشتوكة ايت باها واسفي في أفق تعميم المشاريع على مختلف مناطق المملكة.
وينتظر أن تخفف المشاريع من حجم الضغوط الكبيرة على السدود، حيث يتوفر المغرب على 149 سدا كبيرا يمكن من تعبئة كميات مهمة من المياه تصل إلى 19 مليار متر مكعب ومشاريعىلتحلية مياه البحر في تسع محطات تعبىء 147 متر مكعب في السنة، علاوة على الابار والأثقاب لإستخراج المياه الجوفية.
وتناهز نسبة تزويد العالم الحضري بالماء الشروب 100 في المائة، فيما تبلغ بالوسط القروي 97.8 في المائة، أما بالنسبة للأسر في المدن المستفيدة من الربط بالماء الشروب فتصل إلى 64 في المائة بينما لاتتجاوز 40 في المائة في القرى.
إنقاذ القطاع الفلاحي
وتستهدف محطة تحلية مياه البحر باشتوكة ايت باها، تزويد أكثر من 6 ملايين و600 ألف نسمة بالماء الشروب في أكادير، بسعة تناهز 150 ألف متر مكعب. إذ تبلغ سعة المحطة حوالي 275 ألف متر مكعب في اليوم خلال المرحلة الأولى، في أفق أن تبلغ هذه الطاقة 400 ألف متر مكعب من المياه المحلاة في اليوم الواحد على المدى البعيد.
كما ستساهم المحطة الجديدة التي تبلغ مساحتها 20 هكتارا، في تعزيز النشاط الفلاحي بالمناطق الزراعية التابعة لمحافظة أغادير خاصة سهل اشتوكة عبر تزويده بمياه الري، لتغطية الخصاص الناتج عن العجز المسجل في منسوب المياه الجوفية والذي يقدر ب90 مليون متر مكعب سنويا.
وينسجم هذا المشروع الذي تبلغ كلفته الإجمالية 4.41 مليار درهم مغربي، مع أهداف مخطط المغرب لتنويع مصادر التزود بالماء وضمان الأمن المائي، في إطار البرنامج الوطني للتزود بالماء الشروب ومياه السقي 2020-2027.
تعتبر منطقة "اشتوكا آيت بها" التابعة لإقليم سوس ماسة، والمدرجة ضمن المناطق التي سيشملها برنامج التزود بمياه السقي انطلاقا من المحطة الجديدة، من أهم المناطق الزراعية في المغرب، حيث تنتج لوحدها 65 في المائة من الصادرات المغربية من الخضر والبواكر، على مساحة تصل 15 ألف هكتار، وهو ما استوجب البحث عن موارد مائية جديدة للحفاظ على القطاع الزراعي بالمنطقة.
ناقوس الخطر
يشار أن معدل المياه الجوفية التي يمكن استخدامها سنوياً يبلغ 4 مليارات متر مكعب، ولكن يتم استهلاك نحو 5 مليارات متر مكعب، وهو ما يهدد بمشكلة حتمياً مستقبلاً إذا بقي الأمر على هذه الحال، بفعل استنزاف الآبار. في هذا الإطار، سبق تقرير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي أن دق ناقوس الخطر عام 2014، منبها إلأى المخاطر التي تهدد جودة واستمرارية الموارد المائية بسبب النشاطات البشرية، إذ بلغت مستويات «مقلقة» مثل الاستخراج المفرط والتلوث. وقال التقرير إنه يتم استخراج أكثر من 900 مليون متر مكعب سنوياً من المخزونات غير القابلة للتجدد في الفرش المائية بالبلاد، والفرش المائية مياه توجد في خزانات تحت الأرض تتكون من التساقطات المطرية، ويتم استعمالها انطلاقاً من الآبار في الري والزراعة. وتعزو الحكومة ندرة المياه إلى تراجع الأمطار خلال السنوات الماضية، إذ بلغ العجز السنوي مليار متر مكعب، وحذرت بعض المؤشرات من مثل نهر ملوية، أحد أكبر أنهار البلاد، والذي بات عاجزا عن الوصول إلى مصبه للمرة الأولى في تاريخه بسبب الجفاف الشديد وكثرة الاستهلاك.