أقوى معارضان للنظام العسكري في الجزائر يحلان بمدينة بني انصار في المغرب    إبراهيم دياز مرشح لخلافة ياسين بونو ويوسف النصيري.. وهذا موقف ريال مدريد    نهيان بن مبارك يفتتح فعاليات المؤتمر السادس لمستجدات الطب الباطني 2024    إقليم الحوز.. استفادة أزيد من 500 شخص بجماعة أنكال من خدمات قافلة طبية    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة    بنكيران: مساندة المغرب لفلسطين أقل مما كانت عليه في السابق والمحور الشيعي هو من يساند غزة بعد تخلي دول الجوار        نادي عمل بلقصيري يفك ارتباطه بالمدرب عثمان الذهبي بالتراضي    مدرب كريستال بالاس يكشف مستجدات الحالة الصحية لشادي رياض    مواقف زياش من القضية الفلسطينية تثير الجدل في هولندا    مناهضو التطبيع يحتجون أمام البرلمان تضامنا مع نساء فلسطين ولبنان ويواصلون التنديد بالإبادة    توقعات أحوال الطقس لليوم الأحد    إعطاء انطلاقة خدمات 5 مراكز صحية بجهة الداخلة وادي الذهب    إسدال الستار على الدورة الحادية عشرة لمهرجان "فيزا فور ميوزيك"        ما هو القاسم المشترك بيننا نحن المغاربة؟ هل هو الوطن أم الدين؟ طبعا المشترك بيننا هو الوطن..        موجة نزوح جديدة بعد أوامر إسرائيلية بإخلاء حي في غزة    الدكتور محمد نوفل عامر يحصل على الدكتوراه في القانون بميزة مشرف جدا    فعاليات الملتقى العربي الثاني للتنمية السياحية    الإعلام البريطاني يعتبر قرار الجنائية الدولية في حق نتنياهو وغالانت "غير مسبوق"    الأمن الإقليمي بالعرائش يحبط محاولة هجرة غير شرعية لخمسة قاصرين مغاربة    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة    "كوب-29": الموافقة على 300 مليار دولار سنويا من التمويلات المناخية لفائدة البلدان النامية    موسكو تورد 222 ألف طن من القمح إلى الأسواق المغربية    ثلاثة من أبناء أشهر رجال الأعمال البارزين في المغرب قيد الاعتقال بتهمة العنف والاعتداء والاغتصاب        عمر حجيرة يترأس دورة المجلس الاقليمي لحزب الاستقلال بوجدة    الأرصاد: ارتفاع الحرارة إلى 33 درجة وهبات رياح تصل 85 كلم في الساعة    ⁠الفنان المغربي عادل شهير يطرح فيديو كليب "ياللوبانة"    قاضي التحقيق في طنجة يقرر ايداع 6 متهمين السجن على خلفية مقتل تلميذ قاصر    ترامب يستكمل تشكيلة حكومته باختيار بروك رولينز وزيرة للزراعة    الغش في زيت الزيتون يصل إلى البرلمان    الاحتفال بالذكرى السابعة والستين لانتفاضة قبائل ايت باعمران    كوب 29: رصد 300 مليار دولار لمواجهة التحديات المناخية في العالم    أفاية ينتقد "تسطيح النقاش العمومي" وضعف "النقد الجدّي" بالمغرب    مظلات ومفاتيح وحيوانات.. شرطة طوكيو تتجند للعثور على المفقودات    غوتيريش: اتفاق كوب29 يوفر "أساسا" يجب ترسيخه    دولة بنما تقطع علاقاتها مع جمهورية الوهم وانتصار جديد للدبلوماسية المغربية    قوات الأمن الأردنية تعلن قتل شخص بعد إطلاقه النار في محيط السفارة الإسرائيلية    "طنجة المتوسط" يرفع رقم معاملاته لما يفوق 3 مليارات درهم في 9 أشهر فقط    المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة    انقسامات بسبب مسودة اتفاق في كوب 29 لا تفي بمطالب مالية طموحة للدول النامية    المغرب يعزز دوره القيادي عالميا في مكافحة الإرهاب بفضل خبرة وكفاءة أجهزته الأمنية والاستخباراتية    هزة ارضية تضرب نواحي إقليم الحسيمة    أشبال الأطلس يختتمون تصفيات "الكان" برباعية في شباك ليبيا    لقجع وبوريطة يؤكدان "التزام" وزارتهما بتنزيل تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية بالمالية والخارجية    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البوسنة ترتعد خوفا مع إطلالة أشباح الماضي
نشر في الأيام 24 يوم 10 - 02 - 2022

BBC عبارة ترحيب بالزائرين على أحد جسور سراييفو
في فترة ما بعد الظهيرة خلال نهار شتوي مشمس من السهل لك أن تتخيل كيف يمكن أن تكون الحياة سعيدة في البوسنة.
تبدو الأسطح المائلة للمنازل على المنحدرات الشديدة لوادي سراييفو وكأنها صفوف من الساعات التقليدية الجدارية المغطاة بالثلوج. أطفال يتزلجون على حلبة للتزلج في الهواء الطلق في أحد الملاعب التي شيدت من أجل دورة الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 1984.
خلال سنوات الحرب الرهيبة بين عامي 1992 و1995 حين حاصر جيش الصرب عاصمة البوسنة سراييفو رأيت كيف يمكن أن تكون الحياة هنا بشعة ووحشية وقصيرة. شهدت البوسنة والهرسك إراقة دماء وقسوة ومعاناة لم يشهدها أحد مثيلاً لها في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.
ووقعت أسوأ الفظائع في سريبرينيتسا في الشرق حيث قتل جنود صرب البوسنة أكثر من 8000 رجل وصبي من مسلمي البوسنة خلال بضعة أيام في يوليو/ تموز 1995. ويقضي اثنان من قادة صرب البوسنة في تلك الحرب، رادوفان كارادزيتش وراتكو ملاديتش، عقوبة السجن مدى الحياة بتهمة الإبادة الجماعية وارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
ربما كان ينبغي أن يكون ذلك نهاية هذه الحقبة الدامية. فقد انتهت الحرب في عام 1995 باتفاق تم التوصل إليه في قاعدة للقوات الجوية الأمريكية في دايتون بولاية أوهايو والذي جمّد الصراع بدلا من إيجاد حل له.
إن قوة كبيرة من قوات حفظ السلام وممثلا أعلى يتمتع بصلاحيات لتمرير القوانين يضمنان حالياً صمود الاتفاق.
لقد تغير العالم واستجدت أمور عديدة منذ ذلك الحين لكن ذلك لا ينطبق على مشكلة البوسنة.
في 9 يناير/ كانون الثاني سلط عرض عسكري في مدينة بانيا لوكا، عاصمة الصرب بحكم الأمر الواقع، الضوء على مشاكل البوسنة.
شاركت الشرطة شبه العسكرية في عرض عسكري شق شوارع المدينة لإحياء الذكرى الثلاثين لإعلان استقلال صرب البوسنة، في عام 1992 حين كانت يوغوسلافيا تتفكك وكانت البوسنة تتجه نحو حرب أهلية شاملة.
ترأس العرض القائد الصربي ميلوراد دوديك، الذي رحب به الأمريكيون بعد حرب البوسنة واعتبروه بمثابة "نفحة هواء نقي" وقتها فيما ينظر إليه الآن على أنه رجل صربي قوي لا يتردد في إعادة التذكير بأشباح الماضي.
أحد أهم حلفاء دويك هو رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، إذ يسير دوديك على نفس نهج أوربان القومي اليميني.
أظهر العرض الصربي عدم الاستقرار المتأصل في بنية البوسنة والهرسك المقسمة.
Reuters شرطة صرب البوسنة خلال عرضهم العسكري الذي حضره دوديك
قسمت اتفاقية دايتون البلاد إلى كيانين لهما مجموعة من المؤسسات الوطنية المشتركة من بينها رئاسة مشتركة.
تتبع الحدود بين الكيانين الخطوط الأمامية للجبهة حين توقف القتال مع بعض التعديلات الطفيفة. الكيان الصربي يسمى جمهورية صربسكا. والآخر اتحاد البوسنة والهرسك يديره البوسنيون المسلمون والكروات.
لم تكن العلاقات بين الكيانين مريحة أبداً لكنها أصبحت متوترة في يوليو/ تموز الماضي عندما حظر الممثل السامي المنتهية ولايته، فالنتين إنزكو، وهو نمساوي ينحدر من يوغوسلافيا السابقة، إنكار الإبادة الجماعية.
إن تمتع شخصية أجنبية بسلطة تمرير القوانين مبعث عدم ارتياح لدى العديد من البوسنيين، لكن هذا الإجراء أثار غضب زعيم صرب البوسنة. لقد رفع من حدة لهجته الانفصالية وتوقف عن التعاون مع المؤسسات الوطنية التي هو جزء منها بصفته ممثل الصرب في الترويكا الرئاسية.
وقال الممثل السامي الحالي كريستيان شميدت، وهو وزير ألماني سابق، إن البوسنة تواجه "أكبر أزمة وجودية منذ توقف الحرب". وقال إن تهديد دوديك بتحويل شرطته المسلحة إلى جيش جديد لصرب البوسنة يهدد باحتمال عودة الحرب.
وأدان السفير البريطاني في البوسنة مات فيلد مناورات دوديك وقال إنها تتضمن خطابات كراهية وتتجاهل قوانين البوسنة لتدمير الأمن والازدهار.
في الأسبوع الأول من عام 2022 فرضت الولايات المتحدة عقوبات على دوديك بسبب "أعماله التي تزعزع الاستقرار ومحاولات تفكيك اتفاق دايتون للسلام".
بعد أربعة أيام من الإعلان الأمريكي رد دوديك على مناوئيه باستعراض رجاله في شوارع بانيا لوكا، رافضاً طلب بي بي سي لإجراء مقابلة معه.
هناك معارضون لدوديك في الداخل والخارج على السواء. من أشد معارضيه في أوساط صرب البوسنة هو فوين مياتوفيتش، نائب رئيس الحزب الديمقراطي الاجتماعي الذي يتهم دوديك بنشر الجريمة والفساد.
"هذه هي الطريقة الوحيدة التي يخطط بها للتغطية على ملايين الملايين التي جمعها من أنشطة جرائم الفساد في البوسنة ... أعتقد أنه السبيل الوحيد له للبقاء على قيد الحياة لذلك أعتقد أنه مستعد للقيام بأي شيء".
Reuters ميلوراد دوديك يحظى بدعم الرئيس المجري فيكتور اوربان ولهما نفس التوجهات القومية اليمينية
إنكار الإبادة الجماعية قضية حساسة في البوسنة. تم توثيق عمليات القتل في سريبرينيتسا بشكل شامل لكن العديد من الصرب يعتقدون أن هذا الاتهام غير عادل. التقيت بجنود سابقين معاقين من صرب البوسنة في بانيا لوكا الذين مازالوا موالين لقائدهم المدان بجرائم ضد الإنسانية والمسجون في هولندا راتكو ميلاديتش. قال هؤلاء الجنود إن الصرب أيضاً كانوا ضحايا.
وافق ليوبيسا كوسيتش، الحليف السياسي لدوديك وعمدة شرق سراييفو، إحدى ضواحي المدينة الواقعة داخل جمهورية صرب البوسنة، على أن الصرب قتلوا البوسنيين في سريبرينيتسا لكنه أصر على أن ما جرى لم يكن إبادة جماعية.
"كدولة ذات سيادة نحن نعرف ماهية الإبادة الجماعية، وقد شهدناها خلال الحرب العالمية الثانية. ارتكب الألمان إبادة جماعية ضد أمتنا وهي مختلفة تماماً عن جريمة سريبرينيتسا".
البوسنيون جميعهم رهائن للماضي، ولا يوجد مكان في البلاد له علاقة بجريمة إراقة الدم الفظيعة التي جرت في تسعينيات القرن الماضي من بلدة سريبرينيتسا الصغيرة نفسها.
BBC قتل 8 آلاف صبي ورجل مسلم في مجزرة سريبرينيتسا
في قاعدة الأمم المتحدة السابقة حيث فشلت القوات الهولندية في حماية المدنيين البوسنيين في عام 1995 أعرب العمدة السابق للبلدة كميل دوراكوفيتش عن المخاوف التي يثيرها الخطاب الحالي.
"يبدو الأمر كما لو كان الرايخ الثالث والجستابو لا يزالان موجودان في أعقاب الهولوكوست. يقول الجميع " دعونا نتفاوض معهم ". دعونا لا نتفاوض مع أولئك الذين ارتكبوا أسوأ الجرائم ضد الإنسانية في هذا البلد. المشكلة هي أن الصرب يحاولون إضفاء الشرعية على ما كسبوه عبر ارتكاب جرائم الحرب".
كان دوراكوفيتش في السادسة عشرة من عمره عندما حاصر الجيش الصربي سريبرينيتشا. انضم مع عمه واثنين من أبناء عمومته إلى الآلاف من الرجال والفتيان البوسنيين الآخرين الذين حاولوا الهروب عبر الجبال بحثاً عن الأمان. خلال الفرار انفصل عن رفاقه.
خلال هروبهم الجماعي وقع طوابير البوسنيين في كمائن نصبها المسلحون الصرب فقتلوا جميعاً بينما نجا دوراكوفيتش من ذلك المصير بفضل الحظ الذي حالفه والعزيمة.
انضم إلى الطوابير المنهكة التي نجت من الموت، وقد رأيتها شخصياً في ذلك الصيف وهي تعبر إلى توزلا، المنطقة التي كان يسيطر عليها الجيش البوسني.
"ثمانون في المائة من زملائي في المدرسة قبل الحرب قتلوا في عام 1995. لذلك عندما أرى أمهاتهم هنا الآن وأنظر إليهم أدرك حجم الخسارة. لم نخسر أفراد الأسر فقط ولكن خسرنا جيلاً بأكمله".
في سراييفو وصف السياسي البوسني البارز بكر بيغوفيتش نظيره الصربي دوديك بأنه انتهازي يتنكر بزي قومي لكنه خطير.
"إنه رجل ثري يستخدم القوة المظلمة للقومية. لا يمكن التنبؤ بما سيحدث إذا خرج ذلك الجني من القمقم. لا يمكنك إعادته مرة أخرى".
لا شك في أن استغلال الكراهية العرقية أمر غير مسؤول إلى حد كبير في البوسنة. لكن بكر عزت بيغوفيتش، الذي كان والده الراحل الرئيس البوسني خلال زمن الحرب، متهم أيضاً بالتلاعب بالمشاعر القومية لصرف اهتمام الناخبين في الانتخابات التي تجري في وقت لاحق من هذا العام عن إخفاقاته السياسية.
فشلت الطبقة السياسية في البوسنة في الحد من ترهل جهاز الحكم الفاشل أصلاً. ووجه السفير البريطاني مات فيلد انتقادات شديدة للفساد العميق المترسخ وانعدام المحاسبة السياسية في مدونة حديثة له. وأدان الطريقة التي يمكن بها للأفراد الأقوياء سرقة الأموال العامة، وعرقلة الإصلاح، ومدح مجرمي الحرب والتلاعب بالانتخابات ووقف سير العدالة.
كل ذلك جعل من المستحيل على البوسنة والهرسك الخروج من الماضي. إن البلاد تخسر الشباب الذين سئموا القبور والذكريات الحزينة والفساد. ما بين 50 إلى 60 ألف بوسني يهاجر كل عام ويتجه معظمهم إلى ألمانيا والنمسا وسلوفينيا.
وقدرت الأمم المتحدة أنه إذا استمر ذلك فقد ينخفض عدد سكان البوسنة الذين يزيد عددهم قليلاً عن ثلاثة ملايين حالياً إلى النصف بحلول عام 2050.
إن الخطر الحالي ليس أن البوسنة قد تنزلق إلى حرب شاملة كما حدث في عام 1992 بسبب انعدام البنية التحتية العسكرية للقتال على هذا النطاق. لكن في جو يسوده الخوف والكراهية يمكن لحوادث صغيرة أن تتصاعد بسرعة إلى أعمال عنف أكبر.
لقد زرع عدم الاستقرار والنزعة السلطوية عدم اليقين في أجزاء من القارة الأوروبية. يرى بعض الدبلوماسيين في سراييفو أن هناك فرصة أمام روسيا لإثارة القلاقل في غرب البلقان. قال لي أحدهم إنه يجب أخذ هذه المرحلة الخطيرة على محمل الجد، وأضاف أن البوسنة دولة تعاني من ضغوط ما بعد الصدمة وتملك السلاح.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.