يتزامن اليوم 22 مارس مع اليوم العالمي للماء في ظرف استثنائي يتعارك فيه سكان الأرض مع جائحة فيروس كورونا المستجد، بعد أن كانت الأنظار قبل ذلك متجهة إلى التحولات غير المسبوقة على المستوى البيئي والمناخي، ولعل أبرزها معضلة ندرة المياه التي بدأ نطاقها يتسع شيئا فشيئا وصار ناقوس الخطر يٌقرع كل يوم في المغرب. المؤشرات تؤكد أن المغرب يواجه شبح الجفاف وأن المياه نادرة في مساحات شاسعة من أرضه، فالبنك الدولي سبق له وأن نبه إلى أن للمملكة احتياطي محدود من الموارد المائية ونصف الكمية المتوفرة من المياه تعتبر "نصف جيدة"، و4 في المئة منها فقط "جيدة"، وربط تقرير البنك الدولي أغلب مشاكل المياه في المغرب بسوء التدبير، إذ بلغت نسبة الإهدار 35 في المئة.
ومن المؤسسات الصناعية الوطنية من فكر جديا في خطورة الوضع وما يمكن أن يصبح "كارثة" في قادم السنوات، منها نجد المكتب الشريف للفوسفاط الذي يتجنب استعمال المياه الجوفية في أنشطته الانتاجية منذ إطلاقه البرنامج الصناعي سنة 2008.
ولتعويض المياه الصالحة للشرب المخزنة تحت الأرض، قام المكتب الشريف للفوسفاط بتطوير "برنامج الماء" الذي يُتوخى منه المساعدة على تحقيق الأهداف المرجوة دون الإضرار بالموارد الوطنية، ويقوم هذا البرنامج على ركيزتين أساسيتين، الأول يتعلق بترشيد استعمال المياه على طول سلسلة الانتاج، والثاني يتعلق باستغلال الموارد غير التقليدية مثل مياه الصرف الصحي المصفاة ومياه البحر المحلاة.
يقول المكتب إنه نجح بفضل المجهودات المبذولة في توفير 31 في المئة من حاجياته للمياه في سنة 2020 ويسعى لأن يصل هذا الرقم إلى 100 في المئة بحلول سنة 2030، وتنعكس ثقة المجتمع الدولي في "برنامج المياه" من خلال ما تم تحصيله من موارد مالية بلغت قيمتها أزيد من 3 ملايير ونصف المليار درهم من الوكالة الفرنسية للتنمية والبنك الألماني للتنمية.
أنبوب اللُباب
يبدأ استعمال المياه في النشاط الصناعي للفوسفاط من الأشغال المنجمية إلى النقل ثم التثمين في نهاية السلسلة، ويؤسس المكتب الشريف برنامجه على ترشيد المياه والحفاظ عليها بشكل مستدام، رأس الحربة في هذا البرنامج هو الأنبوب الناقل ل"لُباب" الفوسفاط من خريبكة إلى الجرف الأصفر.
وقد تم إنجاز وتشغيل الأنبوب الناقل للباب الفوسفاط بين مغسلات بني عمير الضاوي-لمرح الأحرش وقاعدة تحويل الفوسفاط بالمنصة الصناعية بالجرف الأصفر ، سنة 2014 على طول 187 كلم ، بتكلفة تقدر ب 4.6 مليار درهم.
ويعد هذا المشروع، الذي يهدف إلى الرفع من نقل الفوسفاط إلى 38 مليون طن من الإنتاج سنويا عوض 18 مليون سابقا، وسيلة تقنية حديثة وبيئية لنقل لباب الفوسفاط كبديل لنقله بواسطة القطار، وذلك لتعزيز ريادة المجمع الشريف للفوسفاط في السوق العالمية، ولمواكبة استراتيجية التحول الصناعي.
كما يعتبر هذا الأنبوب، الذي يندرج ضمن الاستراتيجية الجديدة والطموحة من أجل تطوير مردودية المنتوج، مشروعا مندمجا باعتباره يغير سلسلة الإنتاج الصناعي للمجموعة، ويكسب رهان المحافظة على البيئة، وذلك لتطابقه مع المعايير الدولية للإنتاج النظيف وكذا الاقتصاد في الكلفة اللوجستيكية بنسبة 90 في المائة، وتقليص الاستهلاك المائي بنسبة 3 ملايين متر مكعب، وتخفيض 930 ألف طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكاربون.
وتتكون هذه المحطة الرئيسية للأنبوب الناقل للباب الفوسفاط من 4 مخازن بسعة 6200 متر مكعب تحتوي على محركات من طابقين لتخليط اللباب وعلى موزعين بسعة 170 متر مكعب لكل متر منهما، ومحطة الضخ وحاجزين لترسبات وتجميع المياه بسعة 110 ألف متر مكعب، وقاعة مندمجة للمراقبة والرصد، ويوفر الأنبوب استهلاك ما يناهز 3 ملايين متر مكعب من المياه سنويا، كما مكّن من إلغاء مرحلة التجفيف التي كانت تستعمل حين كان يشحن على متن القطار إضافة إلى الحفاظ على الرطوبة الطبيعية للفوسفاط وإعادة استعمال المياه المستغلة في عملية النقل عبر الأنبوب في محطة أخرى من سلسلة الانتاج.
يذكر ايضا أن مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط تقوم بإعادة تدوير أكثر من 80 في المئة من كميات المياه المستخدمة في عمليات تخصيب الفوسفات عن طريق الغسل والتعويم.
التميز في استغلال الموارد غير التقليدية:
مياه الصرف الصحي المنزلية
سنة 2012 حضر الملك محمد السادس إلى تراب الجماعة القروية المفاسيس بإقليم خريبكة وأشرف على تدشين مغسلة الفوسفاط "مراح الحرش" التي كلف إنجازها استثمارا إجماليا قدره 2,5 مليار درهم، وتروم لتخصيب هذا المعدن وتحضيره للنقل عبر أنبوب (سلوري بيبلاين)، باستخدام المياه العادمة المصفاة في محطة معالجة مياه الصرف الصحي لمدينة خريبكة التي أنجزها المكتب الشريف بين عامي 2008 و 2010 ، بسعة 5 مليون متر مكعب / سنة، حيث مكن منذ بدء تشغيله من معالجة حوالي 45 مليون متر مكعب.
وفي موقعي التنقيب في بن جرير واليوسفية تتواجد محطتان لمعالجة المياه العادمة، رفعتا السعة إلى حوالي 10 ملايين متر مكعب سنويا تستخدم كميات من مياه محطة بن جرير لري المساحات الخضراء لمدينة محمد السادس الخضراء.
عملية معالجة مياه الصريف الصحي تساهم أيضا في توفير غاز حيوي يغطي الاحتياجات الكهربائية لهذه المحطات بنسبة تصل إلى 30٪، وهذه التجربة تعتبر ناجحة في الاستجابة البيئية لحاجيات النشاط الصناعي وتشجع على استعمال مياه الصرف الصحي في مشاريع صناعية أخرى لا زالت دراسات جدواها جارية.
تحلية المياه
وبما أن الاحتياجات كبيرة فإن معالجة مياه الصرف الصحي لوحدها ليست كافية، فكان من الضروري اللجوء إلى تقنية أخرى دون استعمال المياه الجوفية أو الاستعانة بالطرق التقليدية، ولذلك استثمرت مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط في تحلية مياه البحر.
وهكذا تم تزويد منصة الجرف الأصفر الصناعية منذ عام 2016 من قبل أكبر محطة لتحلية المياه في المغرب بطاقة سنوية تبلغ 25 مليون متر مكعب وباستخدام عملية التناضح العكسي التي من خلالها يجري فصل المياه عن الأملاح والمعادن.
ويرتقب أن تبلغ محطة الجرف الأصفر بعد انتهاء مشروع توسعتها طاقة إجمالية تبلغ 40 مليون متر مكعب في السنة، على أن تُشيد محطات أخرى لتحلية مياه البحر في الجرف الأصفر وآسفي والعيون.
الابتكار
استغلال المياه وتغطية الحاجيات والطلب المتزايد دون الإضرار بالموارد الطبيعية واستنزاف الفرشاة المائية، يستدعي الاستثمار في البحث والتطوير والابتكار، وهو ما تنبه له المكتب الشريف للفوسفاط وأطلق مشاريع تعاون مع عدد من الشركاء، من بينهم جامعة محمد السادس "بوليتيكنيك"، بغية تطوير حلول لتحسين استعمال المياه في الأنشطة الصناعية وابتكار تقنيات معالجة أنسب وأكثر تنافسية.
وتعمل المجموعة أيضا على تحلية المياه باستخدام الطاقات المتجددة، وإعادة استخدام "الحمأة" تلك المادة الصلبة المكونة من مخلفات معالجة مياه الصرف الصحي.