تعرف الساحة السياسية المغربية تنافسا قويا بين الفاعلين الحزبيين قبل استحقاقات السابع من شهر أكتوبر المقبل، وصل حد تبادل التصريحات وإلصاق الاتهامات، ومنها اتهام العدالة والتنمية بخضوعه لإملاءات خارجية وأمريكية بالذات في اختيار بعض مرشحيه للانتخابات وتزكيتهم. نحاول في هذا الحوار مع ذ.عبد الحكيم اللوز، الباحث في الاسلام السياسي بجامعة ابن زهر بأكادير، والمشارك في أحد برامج الخارجية الأمريكية، أن نقترب من الموضوع في محاولة لفهم السياق السياسي الذي حكم بعض التزكيات، ومنها تزكية بعض رموز السلفية وإعطاؤهم فرصة المشاركة وإمكانية الفوز ودخول البرلمان.
هل يمكن أن نقول إن هناك تحولا في المنظومة الفكرية لأقطاب السلفية وقبولها دخول المؤسسات الديمقراطية من باب الترشيح في الانتخابات البرلمانية المقبلة ؟ أولا، هناك مستويان من التشريك، هناك مستوى العقيدة، فالتيار السلفي بما فيه الحركة الإسلامية ينهل من معين واحد، وهو مذهب أهل السنة والجماعة، لا يعرفون الأشعرية، ولا يعرفون الصوفية، وعلى المستوى الفكري والتدافع والسياسة فالمواقف متذبذبة ومتبدلة، والاشتراك يتم على المجال العام. فالمجال العام يتطلب إمكانيات وفكرا وأدوات وأشخاص قادرين على الاستقطاب وربح المقاعد وإعطاء الإشعاع، لا يهم المستوى العقائدي، لأننا أمام شأن عام وليس شأنا خاصا بالعقيدة، لأن المسألة لا تتعلق بالدعوة ولكنها تتعلق بالسياسة. هناك من يقول إن تزكية العدالة والتنمية لأقطاب من السلفية ما هو إلا تطبيق لإملاءات خارجية، وخاصة من طرف الولاياتالمتحدةالأمريكية، تنفيذا لمشروعها في الدفع بالإسلاميين إلى دخول المؤسسات الديمقراطية للوصول إلى الحكم ؟ في هذه الحالة لا يمكن أن نجيب على هذا السؤال بنعم أو لا، لكن لابد أن نبني إجابتنا على تقرير أو توصيات أو قرار من الخارجية. ولكن الواقع هو أن العلاقة ما بين الولاياتالمتحدةالأمريكية والإسلاميين السلفيين ابتدأت سنة 2005، ومنذ تلك الفترة والباحثون الأمريكيون يشتغلون على هذا الملف، وأنا شخصيا كنت في برنامج لوزارة الخارجية الأمريكية اشتغلنا على هذا الملف، وكانت مسألة إدماج الإسلاميين السلفيين مسألة مطروحة على المسؤولين الأمريكيين. المشكل أن الدولة المغربية لم تكن لها نية في إشراك أحد في إدماج الإسلاميين وجربت بنفسها واحتكرت الملف لوحدها، جربت عبر وزارة الداخلية وعبر المندوبية السامية للسجون، والمخابرات والرابطة المحمدية للعلماء، لكن ما إن تدخل الفاعل السياسي المستقل في الموضوع حتى تأجل الملف، مما يدل على أن المقاربة الامريكية بنيت على شيء واقعي وعلى دراسات، ولذلك أوصلت بها. والدولة المغربية لم تصدر أبدا على إدماج الإسلاميين، وأقصى ما قامت به هو تمتيعهم بالعفو، كما أنها تقوم ببعض المحاولات المحتشمة مع بعض الأشخاص مثل الفيزازي وأبو حفص ولكن لا يبدو أن للولايات المتحدةالامريكية مشروعا واضحا ومدروسا ونماذج نجاحه متوفرة. بمعنى أن المشروع الأمريكي كان يعتمد في إنجاحه على الفاعل الجمعوي والفاعل الحزبي ولم يرد أن يشرك فيه الدولة المغربية كطرف ؟ ربما فعل ذلك من الطرف الرسمي. والطرف الرسمي لم يبد رغبة أو إلحاحا لأن له تصورا آخر قائما على مفهوم إمارة المؤمنين والمحافظة والخصوصية الدينية هو ما ينطوي على الانغلاق ويجعل من الصعب من جهة الآخر أن يتدخل في مجال سياسي مثل هذا. يفضل أن يتجه نحو المجال السياسي الرحب وإلى الفاعل السياسي المستعد لأي محاولة. وقد تقدمنا أكثر مرة بمشروع الإدماج السياسي للسلفيين ولم نستطع أن نشتغل عليه في المغرب، وأغلب مراكز البحث الأجنبية كانت تشتكي من عدم ترحيب الجهات الرسمية بمشاريعنا، ولم يكن أمامنا إلا التوجه بتلك المشاريع إلى دول أخرى لإقامة مختبراتنا هناك مثل تونس والأردن وإسبانيا. وهذا مؤشر على أن الدولة المغربية تريد احتكار الملف ولا تريد من يزاحمها في الإدماج السياسي للسلفيين، ولا تريد من يشوش على سياستها الدينية. يبدو أن الدولة المغربية تهدف إلى احتكار ملف إدماج السلفيين دون إشراكه مع أي طرف أو فاعل آخر سواء كان وطنيا او دوليا ؟ الملف يجب أن يناقش في ظل وجود إمارة المؤمنين، وأمير المؤمنين هو الذي يتكلف بهذا، ومعالجة الدولة المغربية للملف تتجه اتجاها مخالفا تماما للوجهة الأمريكية التي تتسم بالواقعية والبرغماتية وتضع اليد على الجرح، في حين تظل الخصوصية المغربية عائقا أمام أشياء كثيرة، فالمغرب يطبق سياسته الدينية منذ سنة 2003، نحن الآن في 2016 وأعتقد أنه حان وقت التقييم، وليس وقت التخبط في سؤال هل ندمج الإسلاميين السلفيين أم لا ؟ والدولة المغربية لم تعلن نيتها في الإدماج، وإنما لها خصوصيتها الدينية وترحب بمن يريد أن يحترمها وترفض من لا يريد أن يحترم هذه الخصوصية.