قبل حوالي 10 سنوات من الآن حين كانت الاعتقالات تتوالى في حق المنتمين لما عرف بالسلفية الجهادية في المغرب مباشرة بعد أحداث 16 ماي 2003 الإرهابية علق أحد الصحفيين المعروفين على ما يحدث قائلا ما مفاده أن المغرب سينتهي من المصالحة التي باشرتها الدولة مع المعتقلين السياسيين السابقين المنتمين لليسار الراديكالي في سنوات الرصاص وستفتح ملفا آخر بتأسيس هيأة أخرى للمصالحة مع المنتمين للتيار السلفي الجهادي في المغرب. وأضاف المعلق أن محمد الفيزازي سيأخذ مكان إدريس بنزكري على رأس هذه الهيأة، كان التعليق حينها مجرد سخرية سوداء ليصبح الأمر بعد عقد من الزمن أقرب إلى استشراف تبدو ملامح تحققه غير مستبعدة بعد أن أدى الملك محمد السادس صلاة الجمعة الشهيرة خلف الرجل "الأول" ومنظر التيار السلفي في المغرب محمد الفيزازي. فهل تكون إمامة الفيزازي لأمير المؤمنين بداية لصفحة جديدة بين سلفيي المغرب السابقين وبين "المخزن"؟ الفيزازي من "السجن" إلى خطيب للملك الكثيرون يتذكرون الحضور المتكرر للشيخ محمد الفيزازي في بلاتوهات قناة الجزيرة القطرية أواخر تسعينيات القرن الماضي ومطلع العقد الأول من الألفية الثالثة، حينها كان الفيزازي واحدا من أعلام التيار السلفي ليس في المغرب فقط بل في العالم الإسلامي كله، بروز الفيزازي على قناة الجزيرة جاء أيضا في سياق بروز اتجاه محدث يريد منافسة "المدرسة الوهابية" التي ترعاها السعودية، اتجاه "ثوري" لا يقف عند حدود العقيدة وإنما يتوغل أكثر في شؤون السياسة والحكم بالتوازي مع بروز تنظيم القاعدة، إلى حدود العام 2003 لم تكن الدولة المغربية تعير الكثير من الاهتمام للتيار الصاعد في مساجد المغرب ودور القرآن برعاية إعلامية من الجزيرة أساسا، إلا أن تفجيرات 16 ماي فجرت الصدمة وحركت السؤال عن مصدر كل هذا العنف الرمزي والمادي الذي برز فجأة. الفيزازي الذي نال حكما ب30 سنة سجنا نافذا بتهمة الإرهاب سيخلق الحدث عندما ألقى خطبة الجمعة أمام الملك محمد السادس بمدينة طنجة، حدث لقي اهتماما إعلاميا واسعا من وسائل الإعلام الوطنية والدولية، كما أن الشيخ السلفي الذي استفاد من عفو ملكي قبل نحو ثلاث سنوات اعتبر المناسبة بمثابة رد الاعتبار ومكافأة له من طرف الملك محمد السادس، مضيفا أن خطوة الملك رسالة إلى الخارج مفادها أن المغرب يتسع للجميع. مراجعات مقابل العفو الملكي الشيخ محمد عبد الوهاب رفيقي المعروف بأبي حفص أحد رموز السلفية الذين حوكموا بتهمة الإرهاب إلى جانب الفيزازي يرى بأن التقارب بين التيار السلفي والدولة ليس معطى جديدا على أهمية الخطوة ودلالاتها الرمزية، وقال أبو حفص في تصريحات لهسبريس أن هذه الخطوة ليست الأولى " لقد سبقتها مبادراتنا ومواقفنا داخل السجن، حيث أصدر المشايخ الأربعة الفزازي والحدوشي والكتاني وأنا (أبو حفص) بيانهم الموحد من سجن القنيطرة، وأصدرت مع الشيخ الكتاني مبادرة "أنصفونا"، ثم كانت خطوة الإفراج عنا مؤشرا قويا في هذا الباب، منسجمة مع بياناتنا التي عبرت بشكل واضح عن مواقفنا المعتدلة ورغبتنا في مصالحة مجتمعية شاملة". المراجعات التي قام بها أبرز رموز الحركة السلفية بالمغرب، كانت سببا مباشرا في استفادتهم من عفو ملكي كان بمثابة الضوء الأخضر لإعادة بناء علاقة الدولة بالتيار السلفي، ورغم أن الشيخ محمد الفيزازي أكد أنه لا يمثل ما عرف بالسلفية الجهادية ولا أية جهة سلفية أخرى إلا أن أبو حفص يرى أن الأمر يحتمل قراءتين الأولى مفادها أنها خطوة رمزية تنبئ بمزيد من التقدم في هذا الملف، والثانية ترجح أنه تعامل مع حالة فردية لا ارتباط لها بالملف، مبنية على مواقف الشيخ التي أبداها منذ خروجه من السجن. المصالحة والاعتراف رهينة بالتنازلات محمد الرضواني الأستاذ الجامعي المتخصص في علم الاجتماع السياسي اعتبر إمامة الصلاة وإلقاء خطبة الجمعة أمام الملك ضمن الوسائل المعتمدة لإدماج السلفيين المتشددين، والتعبير عن إمكانية إشراكهم في المؤسسات مستقبلا والاشتغال إلى جانب الملك، وأضاف الرضواني في تصريحات لهسبريس أن هذا الانفتاح من قبل المخزن على بعض رموز السلفية الجهادية يعبر عن قدرة الملكية في المغرب على تجديد المدافعين عن مصادر مشروعيتها السياسية، وهنا يتعلق الأمر بالمصادر الدينية، فمهم بالنسبة للملك إظهار المبادرات العملية التي تزكي مكانته وقدرته كأمير المؤمنين على استيعاب ليس فقط الإسلاميين المعتدلين الذين شكلوا الحكومة استنادا إلى صناديق الاقتراع، بل كذلك الإسلاميين المتشددين حسب الرضواني. إلا أن كل خطوة من جانب "المخزن" في اتجاه المصالحة والرضي على المعارضين رهينة بتقديم هؤلاء لتنازلات مهمة، أمر ينطبق على علاقة المخزن بالسلفيين مثلما أكد الباحث في علم الاجتماع السياسي عندما اعتبر إمامة أحد رموز السلفية الجهادية السابقين الصلاة بالملك أمير المؤمنين، دلالة على أن المراجعات الفكرية والسياسية يمكن أن تقود إلى التصالح مع المخزن، فبالتالي إمكانية التصالح مع السلفيين المتشددين تبقى رهينة التنازلات التي يمكن أن يقدمها هؤلاء، ومثل هذه الإشارات الملكية تشجيعا على ذلك. واستطرد الرضواني قائلا "إدماج المعارضين تعتبر إستراتيجية أساسية للحكم في المغرب، وفي الغالب يعتمد النظام السياسي المغربي لإدماج النخب الدينية المعارضة على المؤسسات والمجالس الاستشارية التي يقيس من خلاها مدى استعداد هذه النخب للاشتغال إلى جانب الملك وقبول قواعد اللعبة السياسية كما هي مسطرة من قبله، وعلى المجالس العلمية المحلية، والمساجد، والدروس الحسنية، وتقديم الامتيازات المالية والاقتصادية على المستويين المحلي والوطني، فمن خلال هذه القنوات الأساسية وغيرها من القنوات الأخرى، تم إدماج عدد من المعارضين الدينيين المتشددين، وأصبح عدد منهم معبر قوي عن الرؤية الملكية في الحكم".