تضمن بلاغ الأمانة العامة للعدالة والتنمية، الذي صدر هذا اليوم، فقرة هامة هي "أم الكتاب" والباقي تفاصيل صغيرة لا تنفع ولا وتضر. وجاء في هذه الفقرة "أن الأمانة العامة للحزب تعتبر أن قرار المشاركة في الحكومة وتدبيره بغض النظر عن تقييم بعض جزئياته وتفاصيله هو في المحصلة قرار جماعي ومسؤولية مشتركة وأنه أصبح قضية تقع خلف ظهورنا". ماذا يعني هذا؟ هذا معناه أن جميع قياديي الحزب عادوا في نهاية المطاف إلى ما قاله أمينهم العام عبد الإله بنكيران حتى قبل ذهابه إلى السعودية لأداء مناسك العمرة عندما قال "إن الحكومة الحالية هي حكومتنا وعلينا أن ندعمها وأنه لا جدوى من تضييع الوقت حول السياق الذي تشكلت فيه". وهكذا ضيع رموز البيجيدي الرافضون للولاية الثالثة قرابة سبعة أشهر من العمر السياسي للحزب في جدل فارغ قبل أن يعودوا اليوم إلى نقطة الصفر. ونقطة الصفر هي أن الحزب أمام خيار واحد لا ثاني له وهو دعم حكومة العثماني لأنها حكومة العدالة والتنمية وأن الأهم هو التطلع إلى المستقبل وليس الرجوع إلى الوراء وأن الولاية الثالثة قضية تهم المناضلين ولا تهم بنكيران. اليوم، اقتنع الجميع أن القضايا الخلافية بين قادة الحزب ينبغي أن تحسم بالمساطر والمؤسسات وليس بالضغط على "زعيم" انتصر في كل معاركه الانتخابية والسياسية وهزم جيشا عرمرما من الخصوم العلنينن والسريين. والمثير أكثر هو أن هذا الضغط تم تسويغه أحيانا بمبررات قد تكون وهمية مثل اليد الطويلة للتحكم والخوف من الاصطدام بالدولة والمؤسسة الملكية فيما الحقيقة على الأرض تقول شيئا آخر هذا نصه: "إن بنكيران يتعبد الله تعالى بالتقرب إلى الملك". وهكذا لاحظنا كيف اختفت اليوم كل الشعارات التي كانت تدعو إلى فتح تحقيق في تلك الاتهامات التي تحدثت عن "الخيانة والتخوين والكذب" وحلت محلها مفاهيم أخرى تتحدث عن "تهذيب النقاش والتوجه نحو المجلس الوطني والمؤتمر الوطني بنفس إيجابي وأن ما وقع طيلة هذه الفترة الطويلة من البلوكاج الحزبي هو مجرد اختلاف في وجهات النظر وأن الاختلاف هو ظاهرة صحية وتنوع إيجابي". سألت قياديا في حزب البيجيدي عن هذا سر هذا الخطاب الجديد في لغة الرافضين للولاية الثالثة، فكان هذا الجواب: "بدون شك، الأمر يتعلق هنا بفشل "شبه خطة" شارك فيه أكثر من طرف بقصد وبغير قصد بهدف تركيع بنكيران ودفعه إلى قبول أمر واقع لا يرتفع في أفق تقسيم الحزب، لكن يبدو أن بنكيران ومعه الحميع استشعر هذا الخطر القادم، ففشلت الخطة". بقي فقط أن أقول إن محمد يتيم رئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر القادم هو الذي تكفل بإعادة صياغة الورقة التي أعدتها اللجنة السياسية حول المرحلة القادمة. ويبدو أن السي يتيم حاول ربما لي عنق نص هذه الورقة لكي تتلاءم ليس مع المرحلة العصيبة التي واجهها الحزب، ومازال يواجهها مع قوى "التحكم" وإنما لكي تتلاءم مع مرحلة أصبح فيها الحزب بلا أفق سياسي وبلا هوية وبلا رؤية. ولا داعي إلى مزيد من التفصيل.