بخلاف الخطاب التهويلي الاتهامي التخويني الذي تراهن عليه بعض الجهات لطمس حراك الربف فإن حلحلة هذا الحراك يحتاج فقط لتوفر إرادة سياسية صادقة لصانع القرار السياسي والاقتصادي في المملكة. الكرة توجد الآن في ملعب الدولة ومراكز صنع القرار الأمني والإستراتيجي عليها أن تعي خطورة التعامل مع الوضع في منطقة لها حساسيتها التاريخية وذهنيتها المناطقية عوض التمادي في إعمال المقاربة الامنية التي لا تستدعيها حالة الضرورة ولا لزوم لها في ظل مؤشرات دالة على أن الحراك له طبيعة مدنية سلمية خالصة ولا ارتباط فيه بأي أجندة خارجية لا دولية ولا إقليمية مهما حاولت بعض الجهات تسويق ذلك في الإعلام الخاضع لسيطرتها وتوجيهها دون تقديمها لأي دليل مادي ملموس يثبت اتهاماتها المتعددة. الأزمة في الريف ليست إلا تمظهرا لفساد بنيوي ترعاه حيتان كبرى تتصارع في المنطقة على حساب أمن واستقرار وسلم المنطقة الاجتماعي، وعلى الحاكمين المهيمنين على مراكز القرار الاستراتيجي في الدولة أن يتحررو من سيكولوجية "هبة الدولة" وأن يعطوا الاطمئنان لأهل الريف بأنهم في قلب محمد السادس وأن ما يضرهم يضره وما يسيء لهم يسيء له. عندما تلجأ السلطة إلى توظيف الدين السياسي لوقف المطالب العادلة والمشروعة لساكنة الريف ذات الصلة بالحقوق المدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية فاعلموا أنها تصب الزيت على النار وتدخل الملكية في مأزق خطير مجانا!!! الكل يعلم أن مجال الدين يدخل في نطاق حقل إمارة المؤمنين كمجال محفوظ لرئيس الدولة الملك محمد السادس وعندما توفر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الغطاء الديني للتدخل الأمني من أجل وقف مطالب لها ارتباط وتيق بالحقوق المدنية والسياسية فإنها بهذا الفعل تورط المؤسسة الملكية صاحبة السيادة على المجال الديني في قمع الحقوق والحريات باسم الدين. على الملك محمد السادس أن يأمر بفتح تحقيق نزيه حول المشاريع التنموية التي برمجت في الريف مند الألفين وترتيب الاتار القانونية على نتائج هذا التحقيق الذي ينبغي أن يعهد به إلى جهة قضائية مستقلة. عندما ذهب الملك محمد السادس للحسيمة في مناسبات عدة شعرت الساكنة بنوع من الاطمئنان، وعندما تلقى تظلمات وشكايات المواطنين وتفاعل معها بشكل إيجابي، خلق ذلك التفاعل شعورا إيجابيا لدى كل المغاربة التواقين لمصالحة الدولة مع الريف ولم يقتصر الأمر على ساكنة المنطقة التي استقبلت الملك وفرحت بقدومه. لماذا انقلبت الآية؟ ما الذي حدث؟ ما قاله حسن أريد في "فرانس 24″ حول علاقة الدولة بالريف تشخيص سليم ينبغي التوقف عنده لأن ما يقع في الريف ناتج عن وجود قطيعة بين إرادة الملك وأسلوب اشتغال الإدارة. كما ان نوعية المشاريع الكبرى التي أنجزت في المنطقة على أهميتها لم تمس في العمق حياة الساكنة ومعيشهم اليومي. لا شك أن البنيات التحتية أمر مهم ولكن ما الجدوى منها ان لم تغير شيئا في الوضع الاقتصادي والاجتماعي للمواطن الريفي؟ الريف لا يحتاج لاطفائين ووسطاء بل يحتاج إلى سياسة رشيدة وإلى إرادة حقيقية في خلق القطيعة مع الماضي الأليم خصوصا وأن أقاليم الريف معنية بتوصية جبر الضرر الجماعي لهيئة الإنصاف والمصالحة باعتبارها أقاليم متضررة من ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. ما الذي أنجز في هذا الإطار؟ هل نفذت الاتفاقيات التي وقعها المجلس الاستشاري؟ عندما يشعر المواطن في الريف أن هناك أطراف اقتاتت من مصالحته مع الدولة فأكيد أنه سيخرج لإيصال صوته والوسيلة طبعا هي التظاهر السلمي ضد التهميش والإقصاء والحكرة والهشاشة والفقر… من هذا المنطلق، فإن حل الازمة في الريف يبدأ باطلاق سراح المعتقلين، وإقالة وزير الاوقاف لأنه أصبح متهما من طرف الساكنة بتوفير الغطاء الديني للتدخل الامني الذي تسبب في اعتقال عشرات النشطاء في الحراك، ووضع جدول زمني لتنزيل الملف المطلبي، وإحداث تغيير شامل على مستوى الإدارة الترابية وممثلي المصالح الخارجية للوزارات، وتغيير الوكيل العام للملك في الحسيمة لفتح صفحة جديدة في العلاقة مع الساكنة وإعادة الثقة إلى نفوس المواطنين. استمرار الدولة في لعبة شد الحبل مع ساكنة الريف ودفعها في اتجاه التصعيد من خلال مقاربة أمنية تجاوزها الزمن، أمر ستكون له تداعيات خطيرة جدا لأن التاريخ أثبت أن الاعتقالات والقمع لا يزيدان الا في تأجيج الاحتجاجات ويرفعان من منسوب الاحتقان إلى مستويات يصبح معها الأمن والاستقرار مهددا بالانهيار، وهذا ما لا نرضاه لبلدنا على الإطلاق. كونوا حكماء وعقلاء يرحمكم الله.