الوضع في الريف يحتاج الى الحكمة والتعقل خالد أوباعمر المسؤولون الذين يدفعون من داخل مربع السلطة في اتجاه الإبقاء على العسكرة في مناطق الريف التي تشهد حراكا اجتماعيا ليس له أية نزعة انفصالية بشهادة الحكومة التي تراجعت عن اتهاماتها السابقة واعترفت بعدالة ومشروعية الملف الحقوقي للمحتجين، يتصرفون بما يوحي أنهم خائفون من تمدد الاحتجاج ومن اتساع رقعته الجغرافية، ويرفضون في نفس الوقت مجالسة لجنة الحراك ومحاورة قادتها في شأن الملف المطلبي الذي تم نشره في خطوة استباقية منها لقطع الطريق أمام المشككين في خلفية الاحتجاج وأبعاده والجهات الداعمة له. لماذا كل هذا العناد من جانب الدولة التي يتعين عليها أن تكون عاقلة وحكيمة في تعاملها مع حراك سلمي ومنظم ومسؤول؟ أين المشكلة إن جلست الدولة مع لجنة الحراك، واستمعت لقادة الحراك الذين افلحوا في حشد الآلاف في مسيرة يوم الخميس بكل مسؤولية؟ يبدو أن مفهوم هبة الدولة أصبح حاجزا سيكولوجيا لدى السلطة يحول دون إسراعها في تسوية ما يمكن تسويته وانقاد ما يمكن إنقاذه بدل الاستمرار في لعبة شد الحبل. من حق لجنة الحراك رفض الجلوس مع الأحزاب التي وصفها الزفزافي بالدكاكين السياسية وهو مُحق في ذلك لاعتبارات عدة نترفع الآن عن الخوض فيها ومن حقها رفض مجالسة المنتخبين استنادا للمبررات التي بسطتها على لسان قادتها الميدانيين في أكثر من مناسبة مادام أنهم يخضعون لسلطة الوصاية التي يمثلها الوالي اليعقوبي الذي فشل فشلا ذريعا في تطويق الحراك وإطفاء شعلته مند البداية. لكن هل يحق للدولة تجاوز قادة الحراك الميدانيين ومخاطبة جمعيات وهيئات سياسية فاشلة وغير قادرة على تعبئة الشارع ومحاورته والتواصل معه؟ منطق العناد لا يوصل لأي نتيجة، والمطلوب اليوم ليس هو اعتقال الزفزافي ورفاقه في الشارع او من وسط البيوت او وقف زحف المسيرات في كل مناطق الريف، بل أن المطلوب هو إقناع ساكنة الريف بجدية الحوار وبالرغبة في جبر ضرر أقاليم الريف التي صنفت في تقرير هيئة الإنصاف والمصالحة كأقاليم متضررة من ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ولا سيما إقليمي الحسيمة والناظور. ساكنة المنطقة اليوم في حاجة إلى الشعور بالاطمئنان تجاه السلطة الحاكمة لا سيما وأن هناك بعض الجهات التي حاولت صب الزيت على النار بدل المساهمة في حلحلة الوضع في الريف والدفع في اتجاه إيجاد مخرج للأزمة التي تفجرت مند واقعة طحن سمَّاك الحسيمة محسن فكري في شاحنة للازبال. لا شك أن الزفزافي ارتكب عدة أخطاء في قيادته لحراك الريف الذي تؤطره إلى غاية اليوم مطالب اجتماعية واقتصادية وثقافية وحقوقية عادلة وهذا أمر طبيعي جدا في ظل انعدام التجربة والخبرة اللازمتين لدى المعني بالأمر الذي يبقى إنسانا غير معصوم من الخطأ، سيما وأن الدولة نفسها ارتكبت من الأخطاء من يندى له الجبين ولاسيما دفعها في اتجاه تخوين الحراك واتهام قادته بالانفصال. عندما تخطأ الدولة التي يتعين عليها أن تكون عاقلة وحكيمة فلا ينبغي تحميل الزفزافي ما لا يحتمل حتى وإن كنت شخصيا ارفض الكثير من تصريحاته التي تفتقد لحس المسؤولية لأنه من شروط القيادة الناجحة لأي مسؤول يقود حركة احتجاجية الرزانة والمسؤولية وترجيح المصلحة العامة. ما وقع اليوم في الريف مؤسف جدا و كان يتعين على الحكماء في الدولة عدم تضخيم واقعة الاحتجاج على خطاب إمام مسجد فهم على انه خطاب سياسي يتعارض مع القانون الذي يمنع توظيف الدين في السياسة. الدولة لا تحتاج إلى الاحتكاك بالمواطنين إن هي أرادت اعتقال ناصر الزفزافي لسبب ما من الأسباب خصوصا وأن هذا الأخير سبق له وأن صرح في أكثر من مناسبة بأنه مستعد للمثول أمام القضاء إن تم استدعاؤه. لنكن صرحاء؛ الاحتجاج داخل المساجد بسبب خطابات منبرية صادرة عن أئمة المساجد ليس وليد اليوم بل تم تسجيل حالات عدة احتج فيها المصلين من داخل المساجد ويمكن العودة إلى موقع اليوتوب ومشاهدة بعض الاحتجاجات التي تم توثيقها بالصوت والصورة. الزفزافي تسعى السلطات اعتقاله لأنه خاطب ملك البلاد في تجمع جماهيري بلغة لم تألفها الدولة إن لم نقل لم تكن تتوقعها على الإطلاق.