يقبع في سجون المغرب ثلة من الشباب المغربي، بسبب تدوينات كتبوها بعد مقتل السفير الروسي بتركيا…. وهي تعبيرات ليست مخالفة للقانون فحسب، وإنما هي تعبيرات مخالفة لمبادئ الإسلام نفسه، لأنه لا يجوز قتل المبعوث الديبلوماسي إطلاقا، وقد تفطن لها المدونون أو نُبّهوا إليها، وسحبوا تدويناتهم مما يدل على حسن النية والاعتراف بالخطأ. لكن المشكلة هنا، هي : لماذا يقبع هؤلاء في السجون الآن ؟ الجواب : يقبع هؤلاء في السجون لأنهم يؤدوا ثمن أخطاء البرلمان السابق والحكومة السابقة. هذا هو الجواب ببساطة. لأن البرلمان والحكومة لما وضعوا قانون الصحافة، وضعوا فصلا خاصا بالمخالفات التي يتابع من أجلها الإنسان بهذا القانون، ومططوه ووسعوه، ووضعوا فصلا آخر لطريقة رفع الدعوى، وضيقوه وقزموه، وصار الفصل الثاني غير مناسب للفصل الأول. يحاكم بقانون الصحافة حسب الفصل الأول كل من ارتكب الجرائم المذكورة فيه سواء كتابة أو خطابة أو صياحا أو نشرا على الجدران أو في الأزقة أو أو …… أما الفصل الآخر، فاشترط في رفع الدعوى، ضرورة إثبات هوية مدير النشر ….. فهل تفطن كتبة ومحررو الفصل الأول أن الخطابة ليس فيها مدير النشر ؟ وهل تنبه الكتبة والمحررون أن الصياح ليس فيه مدير نشر ؟ وهل وهل …؟ من هنا كان الفصلان غير متناسبين. أضف إلى ذلك، أنه يتضمن مخالفة للدستور المغربي….. لأنه يتضمن في صيغته الحالية الإخلال بمبدأ المساواة بين المواطنين …. كيف ذلك ؟ لنتخيل الآتي : 1 – شخص كتب في جريدة أو موقع إلكتروني إشادة بمقتل السفير الروسي : يحاكم بقانون الصحافة، ويعاقب بالغرامة، لوجود مدير النشر. 2 – شخص كتب في حائط مادي أو حائط فايسبوكي إشادة بمقتل السفير المذكور : لا يحاكم بقانون الصحافة، لأنه يفتقر إلى مدير النشر، وبالتالي يرمى به بين فصول وبنود قانون الإرهاب القاسي جدا جدا جدا. أليس هذا تفريقا بين المتماثلات ؟ أليس هذا ضربا لمبدأ المساواة عرض الحائط ؟ من كتب في الجريدة ومن كتب في الفايسبوك نفس الكلام، لا يعاقبان نفس العقاب …. هذا لعمري مرفوض من قبل العقلاء، إلا في المغرب. ما العمل الآن ؟ لحد الساعة، لم يقم حزب العدالة والتنمية بأي فعل رسمي مؤسسي تجاه الشباب، وهم الآن يخوضون إضرابا عن الطعام، في الوقت الذي يتناول أعضاء الأمانة العامة للحزب ثلاثة وجبات في اليوم على الأقل …. ألم يكن بود الحزب أن يقوم بمبادرة لحل مشكل الشباب بدل إصدار الرميد لتصريحات وبيانات عبثية ؟ لماذا لم يقم الحزب بأي خطوة نضالية تجاه هذه القضية ؟ ألم يكن الأحرى بالأمانة العامة أن تعلن يوما لإضراب أعضائها عن الطعام مثلا، في خطوة رمزية لدعم الشباب أولا، وللفت انتباه السلطات إلى مظلوميتهم ؟ ربما، لا يستطيعون ذلك، للحرج الأخلاقي المترتب عن هكذا تضامن، لأن الشباب ينتمون لنفس الحزب…. قالها أحدهم في سياق آخر. بعيدا عن النضال …. يمكن للأمانة العامة للحزب حالا لا مستقبلا، أن تطلب من الملك تحريك مسطرة العفو، لأن الفلسفة التي يقوم عليها العفو ابتداء، تجعل من أهدافه اعتباره "وسيلة لتدارك الأخطاء القضائية"، ونحن لسنا أما أخطاء قضائية، بل نحن أمام أخطاء قانونية كما بينت أعلاه. كما أن العفو كما ثبت في الفصل الأول من الظهير المنظم له، يمكن إصداره قبل تحريك الدعوى العمومية، أو خلال ممارستها، بمعنى أنه لا يلزمنا انتظار مسطرة التقاضي حتى نهايتها، ثم نطلب العفو آنئذ. والسؤال : من الذي له الحق في طلب العفو ؟ يمكن أن يطلب العفو المعنيون بالأمر، وعائلتهم، أو حتى أصدقاؤهم كما ينص على ذلك القانون نفسه، وهنا يثار السؤال : أليس وزير حقوق الإنسان من أصدقائهم ؟ لماذا لم يطلب لهم العفو وهو المقرب من الملك ؟ أم أنه يحس بالحرج لأنهم ينتمون لحزبه ؟ لماذا لا يطالب الأمين العام بتحريك مسطرة العفو ؟ أليس من أصدقائهم ؟ لا بد من تحرك عاجل لإنهاء القضية، والتركيز على أن الشباب هم ضحايا خلل قانوني أولا، وبالتالي، فإن ما قضوا في السجن كاف للعقوبة أو أكثر….. فلا معنى للتماطل والتأخر في العمل الجدي من أجل إطلاق سراحهم، رأفة بهم، ورحمة بعوائلهم، خصوصا ما تسرب من أخبار عن وضعهم الصحي والنفسي. نحن على أبواب رمضان، شهر المحبة والغفران والعفو والصفح …. فهل تستلهم الدولة المغربية هذه القيم وهي تصلح أخطاءها القانونية؟