يشهد لبنان الجمعة إحياء الذكرى العشرين لاغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، فيما تمر البلاد بزوبعة من التغييرات الداخلية والإقليمية أضعفت حزب الله وداعميه، وقد تمهد لاستئناف نجله سعد مشواره السياسي المعلق منذ 2022. واغتيل الحريري الذي تولى رئاسة الوزراء لفترات طويلة اعتبارا من 1992 وحتى استقالته في أكتوبر 2004، في 14 فبراير 2005 بتفجير استهدف موكبه في بيروت، أدى لمقتل 22 شخصا وإصابة 226 آخرين. وحكمت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان عام 2022 على اثنين من أعضاء حزب الله غيابيا بالسجن مدى الحياة بجرم "التآمر لارتكاب عمل إرهابي والتواطؤ في القتل المتعمد". وتحت شعار "بالعشرين ع ساحتنا راجعين"، دعا سعد الحريري، رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق، مناصريه إلى المشاركة في إحياء الذكرى بوسط بيروت، حيث ضريح والده ورفاقه، بدءا من العاشرة صباحا حتى الثانية بعد الظهر، على أن يلقي كلمة. ووصل سعد، المقيم في الإمارات، مساء الثلاثاء إلى بيروت، بعد أسابيع من انتخاب جوزاف عون رئيسا ومن ثم تشكيل حكومة برئاسة نواف سلام، بضغط دولي خصوصا أمريكي وسعودي، على وقع تغير موازين القوى في الداخل بعد نكسات مني بها حزب الله في مواجهته الأخيرة مع إسرائيل وسقوط حليفه بشار الأسد في سوريا. وفي السياق، أفاد مصدر مقرب من بأن سعد "سيقارب في كلمته المتغيرات التي حصلت في لبنان والمنطقة" موضحا أن مناصريه "يطالبونه بالعودة الى العمل السياسي". مضيفا بأن سعد، الذي نادرا ما عبر عن مواقف سياسية منذ مغادرته بلاده، "سيرسم في كلمته خارطة طريق للمستقبل" من دون أن يعني ذلك استئنافه نشاطه السياسي فورا. وحتى مطلع 2022، كان الحريري الزعيم السني الأبرز في لبنان، في بلد يقوم نظامه السياسي على المحاصصة الطائفية والسياسية. وكان حزبه ممثلا في البرلمان ب18 نائبا. إلا أن توتر علاقته مع الرياض، داعمته الرئيسية، شكل منعطفا في مسيرته السياسية. فأعلن في 4 نوفمبر 2017 استقالته من رئاسة الحكومة من السعودية، منددا بتدخل حزب الله في النزاعات الإقليمية. واعتبر خصومه حينها قرار استقالته "سعوديا"، قبل أن يعود إلى لبنان بعد أيام بوساطة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ويتراجع عن الاستقالة.
لكن عاد وقدم استقالته من رئاسة الحكومة في أكتوبر 2019، مع بدء الانهيار الاقتصادي واندلاع احتجاجات شعبية مطالبة برحيل الطبقة السياسية المتهمة بالفساد، والتي شكل أحد أركانها. كما عزا البعض تراجع شعبيته إلى تنازلات سياسية قدمها لحزب الله، لكنه قال لاحقا إن هدفه كان الحفاظ على السلم الأهلي. ومطلع 2022، أعلن "تعليق" نشاطه السياسي مع تيار المستقبل الذي يتزعمه، لاقتناعه بأن "لا مجال لأي فرصة إيجابية للبنان في ظل النفوذ الايراني والتخبط الدولي والانقسام الوطني".
وغادر بعد ذلك الى الإمارات. وأعقبت ابتعاده من العمل السياسي سلسلة انتكاسات مُني بها ماليا وسياسيا. وأوضح نفس المصدر أن الأسباب التي دفعت الحريري إلى تعليق نشاطه السياسي "قد انتفت الآن". وقال: "ثمة فرصة جديدة في لبنان، بعدما تراجع النفوذ الإيراني، وعاد المجتمع الدولي يهتم بلبنان مع حركة موفدين لا تتوقف، ودخل البلد في مرحلة جديدة مع انتخاب رئيس وتشكيل حكومة".
وخرج حزب الله من مواجهته الأخيرة مع إسرائيل، أضعف في الداخل بعدما كان القوة السياسية والعسكرية الأبرز التي تحكمت بمفاصل الحياة السياسية.
في المقابل، عادت السعودية في الآونة الأخيرة إلى المشهد السياسي في لبنان، بعد انكفاء طويل اعتراضا على تحكّم الحزب بالقرار اللبناني.
ويعتقد أستاذ العلوم السياسية عماد سلامة بأن الرياض "تسعى إلى قيادة سنية قوية ومنظمة، وإذا تمكن الحريري من تقديم نفسه بهذه الصورة، فمن شأن عودته أن تخدم مصالحه ومصالحها".
وتشكل ذكرى الاغتيال، وفق سلامة، "فرصة لتقييم قدرة الحريري على حشد مناصريه وإعادة تأكيد زعامته"، مضيفا "نظرا لقدرته غير المسبوقة على توحيد الناخبين السنة، فإنه يبقى الزعيم الوحيد القادر على تأمين كتلة برلمانية قوية" في الانتخابات المقررة العام المقبل.
كما يرى سلامة أن إعادة تشكيل الحريري كتلة برلمانية وازنة قد "تعيد التوازن إلى المشهد السياسي وتعزز قدرة لبنان على جذب الدعم العربي والدولي" الذي يحتاج اليه للتعافي من أزمات متلاحقة عصفت به. (ا ف ب)