وضع أكاديميون مغاربة ذوو دراسات نقدية مهمة في مجال الشعر حُضور هذا الجنس الأدبي داخل المؤسسات التعليمية المغربية، مفصلين في طبيعة هذا الحضور في كل من المنهاج الدراسي أو الحياة المدرسية أي الأنشطة الصفية؛ ليخلصوا إلى أن "الحاجة مضاعفة لاتخاذ إجراءات عاجلة لأجل تكريس مكانة متساوية للشعر مع تلك التي يحتلها النثر بالفضاء المدرسي الوطني، أو على الأقل مُتقاربة". الأكاديميون، الذين كانوا يتحدثون ضمن الجلسة العلمية الثالثة للدورة الأكاديمية المنظمة من قبل المجلس الأعلى للتربية وبيت الشعر في المغرب، حول "الشعر في منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي"، والتي قاربت "الشعر بين التعلمات والحياة المدرسية"، توقفوا عند "انعكاسات إيجابية مقدرة للقصائد الواردة بالمنهاج الدراسي المغربي"؛ غير أنهم "رصدوا وجود حضور غير مرضي للجنس الأدبي المذكور داخل هذا المنهاج"، رافعين مقترحات "تشمل إعداد دلائل عملية، وخلق علبة الشعر وتنظيم جداريات له بالمدارس". ثمار متعددة لطيفة بلخير، أستاذة جامعية ودكتورة في الأدب الحديث، أكدت أن "القصائد الشعرية المدرسية بالمغرب تتضمن موضوعات عديدة، تدفع بالمتعلم إلى تأمل ذاته ومحاورة الآخر"، مبرزة أنها "تحتوي أفكارا ودلالات ورموزا وقيما تتيح للمتمدرس تحويل ما يتعلمه من مواقف نصية إلى سلوكات وأفعال واقعية". وأوضحت بلخير، وهي تقارب "تعلمات الشعر وآثارها على حياة المتعلم.. نماذج شعرية من الكتب المدرسية"، أنه "من خلال رصد وتتبع النصوص المبرمجة للمتعلمين المغاربة يتبين أن إقراء الشعر يتحقق وفق التدرج في تعليم قواعده واستجلاء معانيه وما تجود به من مشاعر وإحساسات"، مشيرة إلى "المعاني المتعددة التي يتلقاها التلاميذ بالتدرج عبر مختلف الأسلاك التعليمية من خلال الشعر، مثل فضائل الرسول (ص) في قصيدة البردة بالسلك الإعدادي". وشددت الأستاذة الجامعية على أن "لغة الشعر ليست أداة للتبليغ فحسب، هي كذلك آلية للتعلم"، مفيدة بأن "إقراء تعلمات شعر بعض القصائد المقررة مثل "أيوب" لبدر شاكر السياب، و"سلة الليمون" لأحمد عبد المعطي حجازي (..) تُفصح عن الآليات المتعددة لرفع قدرات المتعلم، وتنمية مكتسباته اللغوية". وأكدت أنه، في نهاية المطاف، يتطلب "تحقيق أهداف استراتيجية فهم النصوص الشعرية، وجود شروط التفاعل بين المتعلم والنص المقروء". توفير البيئة عبد الرزاق المجدوب، أستاذ التعليم العالي وصاحب مؤلفات بالموضوع المقارب، أكد أن "تلقي المتعلم للشر لا يحتاج سوى توفير بيئة خصبة؛ تجمع بين بيداغوجية محفزة للإبداع، ومدرس متمكن في هذا الصدد، ومنهاج يرقى بهما"، معرجا على خلاصات بحثين أنجزهما في هذا الجانب تشملان "قراءة متأنية للوثائق التوجيهية التربوية للغة العربية ودرس الشعر من الحماية حتى آخر منهاج دراسي". هذه الخلاصات التي بسطها المجدوب، في مداخلته تحت عنوان "الشعر في الحياة المدرسية، من ضيق المنهاج إلى رحابة الإبداع"، شملت كون "الخطاب البيداغوجي حول الشعر غداة الاستقلال كان تقليدا إما وريثا للتعليم العتيق، أو واردا من الثقافة الأوروبية ومربوطا بالدين كذلك"، وكذا "الغلبة المستمرة لمطلب حفظ الشعر حتى الآن، فضلا عن السقوط في التناقضات (..) من خلال مطالبة المتعلمين بمسائل تفوق قدراتهم في هذا الجانب". وتطرق الأستاذ الجامعي نفسه إلى "شواهد عديدة تثبت التضييق على الشعر في الممارسة الصفية"؛ من "قبيل ضعف الحيز الزمني لمادة التربية الفنية (نصف ساعة أسبوعيا) وارتباطها بالوحدات الدراسية، وتعسف المدرسين عليها أساس، بتحويل حصتها إلى أخرى للدعم في مواد أخرى"، ناقلين مقترحات عديدة للفاعلين من الميدان، ضمنها "إعداد دليل عملي لتخطيط وتدبير أنشطة الشعر في الحياة المدرسية". مقترحات مرفوعة مصطفى النحال، باحث ومترجم وأستاذ التعليم العالي بالمركز الجهوي للتربية والتكوين بالدار البيضاء وصاحب دراسات نقدية عديدة في الشعر، توقف بداية عند ملاحظتين؛ "الأولى تتعلق بالمفارقة بين كثرة النصوص المؤطرة (لأنشطة) للحياة المدرسية نظرا لإكراهات موضوعية ومالية، والثانية تتمثل في كون الأساتذة الأكثر حماسا لممارسة هذه الأنشطة، هم مدرسو الفرنسية والإنجليزية والمواد العلمية، مقابل قلة في التحفز لها فيما يخص اللغة العربية". واستعرض النحال، في مداخلة وسمها ب"الشعر باعتباره ممارسة فنية، مقترحات لتعليم الشعر بالحياة المدرسية"، تجربة أنجزت بثانوية مولاي عبد الله بالدار البيضاء لتقييم قدرات التلاميذ في هذا الجنس الأدبي، خصوصا بشعبتي الإنجليزية والفرنسية، شملت مراحلها "طرح أسئلة عليهم بشأن الشعر ومكوناته (..)، وتمكينهم من اختيار شاعر للكتابة عنه، ثم أسئلة عن أسباب اختياراتهم". وأفاد الأستاذ الجامعي نفسه بأنه من خلال هذه التجربة تمخضت مقترحات عديدة؛ "من بينها خلق علبة للشعر يضع فيها التلاميذ أبياتا وقصائد يختارونها، فيقرأه زملاء لهم ويضعون ملاحظاتهم عنها، وكذا "تنظيم جدارية القصائد في ساحة المؤسسة أو في جزء من الفصل، كما هو معمول به في المدارس الفرنسية"، فضلا عن "التركيز على أعمال شاعر واحد عوض الاشتغال على قصائد شعراء مختلفين في آن". رافد للمنهاج أما فريد أمعضشو، أستاذ باحث بمركز تكوين مفتشي التعليم بالرباط وصاحب مؤلفات عديدة في تدريس الشعر، فأكد أن "أنشطة الحياة المدرسية باختلاف أنواعها يجب أن تكون رافدا للمنهاج المدرسي؛ ما يتطلب تغيير النظرة السلبية إليها والتشجيع عليها". وأبرز أمعضشو، في مداخلته التي قاربت موضوع "الحياة المدرسية رافدا لتحقيق أهداف النص الشعري في الثانوي، أن "موقع الشعر لا يزال يبصم على حضور ضعيف بالسلك الابتدائي، وكذا في الإعدادي مقارنة بالنثر، بينما في الثانوي التأهيلي لكلاهما حضور متساو".