اصبح من الضروري على كل مواطن فقير ومريض قبل دخوله لأية مصحة مرغما أن يتأمل تلك البناية الشاهقة والعظيمة بأبوابها وحراسها وبأعمدتها وطوابقها ومرأب سياراتها وواجهتها البلورية الجميلة وقاعة استقبالها الفسيحة وتكييفها الراقي وطوابقها العديدة وابتسامة مضيفات الاستقبال الصفراوية المصطنعة وأيضا ولابأس ان يخصص نظرته الاخيرة للسيارات الفاخرة المركونة بالطابق التحت الارضي لعل دلك ينفعه للاستسلام دون مقاومة عندما يطلب منه الدفع مسبقا ….وان يلتفت يمينا ويسارا لينظر بشكل جلي الى أعوان الحراسة والى كاميرات المراقبة المنتشرة في كل زواية على المريض الفقير الزائر المدفوع دفعا حبا في الحياة وخوفا من العاهات أن يتذكر ويفهم ويستسيغ أنه سيساهم لا محالة بقسط وفير في كل ذالك من ماله وعرقه وجهده…. وعليه أن يعلم ان الدخول مضمون ويسير لكن الخروج ليس بالهين ولا المعتاد فلو قدر الطبيب وشاءت المصحة ووافتك المنية لا قدر الله وأصبحت جثة هامدة تدريها الرياح ….سيؤخذ من لحمك لسداد الفاتورة المنجزة مسبقا لفائدة المصحة ولاتعاب الطبيب وسيؤخذ من دمك لسد الثقوب الموجودة في ميزانية المصحة نتيجة الديون المترتبة عليها من طرف البنوك وسيؤخذ من عمرك للعناية بسيارات الطبيب وفيلاته المنتشرة في كل المدن والقرى واقساط اخرى بتلك ستخصص للنباتات الموجودة في قاعة الاستقبال ومستحقات الشركة المكلفة بالحراسة والبستنة التي بدروها ستخصص منها رواتب هزيلة لاعوان الحراسة المشتغلين باسمها في هده المصحة .. لاتغرنك المظاهر والجدران البلورية ونبات الزينة ولا ابتسامة المضيفةٍ على ابواب المصحة وتحت الاضواء الكاشفة ولا اللغة الفرنسية التي تستقبل بها وتصدح بها جدران البناية في كل القاعات .فلا توجد هذه المظاهر الخداعة الا وتوجد مكاتب صغيرة بائسة ….. فيها موظفين غلاظ شداد بلا رحمة ينظرون اليك من خلف شباك صغير ويأمرونك بالدفع حالا وبلا تأخير أو نقاش وحتى ان اعترضت او استفسرت فانت امام الموت المحتوم وليس عليك الا الاستسلام المشروط بالدفع مسبقا اما شيك على بياض واما الاوراق الزرقاء الواحدة تنطح الاخرى التي يعلم الله كم تعبت في جمعهما او كيف تدبرت الامر فأنت في ضيافة قلوب لاترحم وامام مقص يقص ولا يعفو.