واشنطن ترفض توقيف نتانياهو وغالانت    وفاة ضابطين اثر تحطم طائرة تابعة للقوات الجوية الملكية اثناء مهمة تدريب    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره    اعتقال موظفين ومسيري شركات للاشتباه في تورطهم بشبكة إجرامية لتزوير وثائق تسجيل سيارات مهربة    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    بورصة البيضاء تنهي التداولات ب "انخفاض"    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال في مطار الجزائر بعد انتقاده لنظام الكابرانات    رسميا.. اعتماد بطاقة الملاعب كبطاقة وحيدة لولوج الصحفيين والمصورين المهنيين للملاعب    الحكومة تُعزز حماية تراث المغرب وتَزيد استيراد الأبقار لتموين سوق اللحوم    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    خلوة مجلس حقوق الإنسان بالرباط: اجتماع للتفكير وتبادل الآراء بشأن وضعية المجلس ومستقبله    يخص حماية التراث.. مجلس الحكومة يصادق على مشروع قانون جديد    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    الجديدة.. الدرك يحبط في أقل من 24 ساعة ثاني عملية للاتجار بالبشر    إتحاد طنجة يستقبل المغرب التطواني بالملعب البلدي بالقنيطرة    برقية تهنئة إلى الملك محمد السادس من رئيسة مقدونيا الشمالية بمناسبة عيد الاستقلال    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن        وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    مشاريع كبرى بالأقاليم الجنوبية لتأمين مياه الشرب والسقي    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    من الحمى إلى الالتهابات .. أعراض الحصبة عند الأطفال    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مستشفيات الدار البيضاء.. ساعات «في الجحيم»
مرضى يتجرعون مرارة الانتظار واللامبالاة في مرافق صحية تفتقر إلى التجهيزات
نشر في المساء يوم 20 - 01 - 2012

بتعيين وزير صحة جديد، يطرح سؤال عريض حول وضعية المستشفيات في العاصمة الاقتصادية الدار البيضاء، التي تبلغ كثافتها السكانية
حوالي خمسة ملايين نسمة. وضعية ينظر إليها البعض نظرة مأساوية جدا، باعتبار كثرة المشاكل التي تعاني منها المستشفيات، والتي يتجرع مرارتَها المواطنون والممرضون والأطباء على حد سواء. مشاكل لا حصر لها، ترتبط بضعف البنية التحتية وبقلة المعدات والأطر الصحية والبشرية وبتردي الخدمات المقدمة للمرضى، الذين ينتمون، في غالببيتهم، إلى الطبقات المعوزة والفقيرة التي لا تتوفر على تغطية وتلجأ إلى مستشفيات القطاع العام أملا في تلقي العلاج بأقل تكلفة ممكنة.
كانت الساعة تشير إلى التاسعة ونصف صباحا عندما توقفنا بالقرب من مستشفى مولاي يوسف في الدار البيضاء. يوحي منظر المستشفى من خارج أسواره بأن كل شيء على ما يرام، خاصة واجهة المستشفى، المغطاة بالأشجار. لم يكن الدخول من الباب الرئيسي عسيرا، رغم وجود مجموعة من الحراس الذين يستفسرون المواطنين عن أسباب الزيارة.
عند الدخول من الباب الرئيسي للمستشفى، المعروف لدى المواطنين ب«الصوفي»، يثير انتباهَك منظر المواطنين الذين احتشدوا من أجل تسجيل أسمائهم وأخذ أرقام تراتبية للظفر بالعلاج في مستشفى يقدّم خدماته لشرائح واسعة من المواطنين بأقل تكلفة. في مدخل المستشفى، تراصّت سيارات الأطباء والممرضين، محتلة جزءا كبيرا من مساحته الخضراء، التي زُيِّنت بالأشجار، وهو ما يعتبره البعض «مجرد در للرماد في العيون»، من أجل تمويه الزوار بأن المستشفى يقدم خدمات طبية في مستوى عالٍ، وهي خدمات تقل جودتها في نظر مجموعة من المواطنين، بمجرد الدخول إلى بعض الأقسام التي تعاني -حسب ما استقته «المساء»- من خصاص كبير في ما يخص الأطر الصحية أو المعدات الطبية، ومن بين هذه الأقسام نجد قسم الولادة.
تجتاحك «رائحة المرض» وأنت تتجول في أرجاء مستشفى مولاي يوسف. معاناة وألم ولا مبالاة هو الشعور السائد لدى مجموعة من المرضى الذين تحدثت إليهم «المساء». الانتظار ساعات طويلة حتى يأتيك الدور، في منظر متعب، ترى خلاله النساء وقد اجتمعن ووجدن في قاعة الانتظار، وقوفا أو جلوسا، فرصة لتجاذب أطراف الحديث، مسافرات بأحاديثهن في انشغالات الحياة اليومية وفي مشاكلها، فيجدن أنفسهن يتحدثن عن هموم أولادهن وأزواجهن وغير ذلك. تتكرر الحالة هذه أكثر في الطابق المخصص للولادة، الذي توجد فيه قاعة الولادة بمحاذاة غرفة انتظار مظلمة نهارا، حيث تفتقر إلى مصابيح، ومع ذلك تجد أن المواطنين، نساء ورجالا، ينتظرون فيها خروج قريباتهم الحوامل. ساعة من الوقوف بجوار هؤلاء تعطيك فكرة عن الوضع القائم: نساء حوامل يدخلن الواحدة تلو الأخرى لإجراء الفحص حول وقت الولادة، ومنهن من تتضور ألما وجاءها المخاض، وهي «تنتظر» دورها، كحالة إيمان، التي تنزف دما ولم يتمَّ اسعافها.. أمها، التي كانت واقفة بجواري قائلة: «ما بقات رْحمة، جات السيدة غير موراها ودخلاتْ وبنتي مْخلينها تتّقطعْ».. في لحظة الخروج من القسم، كانت هناك سيدة تبكي، بعد أن رفضت طبيبة استقبالها، وهي تحمل أوراقها، برفقة ابنها حديث الولادة، والمريض. وهي تهمّ بالمغادرة، قامت إحدى الكاتبات بحثها على البقاء وانتظار الطبيبة حتى تتمكن من مقابلتها، لكن المواطنة قالت لها إنها رفضت استقبالها وإنها «تتلاعب» بها وبمصلحة ابنها المريض. فبالنسبة إلى مجموعة من المواطنين تلعب «التدويرة» دورا أساسيا في «حق الأسبقية». يقول أحد هؤلاء: «إلى دْفعتي لْفلوس، تْدخل أنت اللّول، وإلى ما عْندكش، بْقيتي تمّا».. وهناك من يعتبرون أن العبء على الممرض كبير جدا وأن قاعات المستشفى لا تكفي لاستقبال الأعداد الكبيرة التي تتوافد على المستشفى يوميا.
مستعجلات البيضاء.. الداخل إليها مفقود
بعد جولة قصيرة وسط مرافق مستشفى مولاي يوسف، الذي يتواجد بالقرب من مسجد الحسن الثاني في العاصمة الاقتصادية، والتعرف على أقسامه وطوابقه الأربعة، التي وضعت في واجهتها علامة تشير إلى نوعية التخصص المتواجد في الطابق، كان الوصول إلى قسم المستعجلات، هذا القسم الذي يعد -حسب أحد الأطر الطبية في المستشفى- من بين الأقسام الأكثر اكتظاظا، بالنظر إلى عدد المرضى والمصابين الذين يستقبلهم ليلا ونهارا، خاصة منهم المصابين في حوادث السير وضحايا الاعتداءات من طرف المنحرفين وأيضا الأشخاص المصابين بالأمراض المزمنة، كالسكري وغيره. ليس من السهل الانتظار في هذا القسم وسط أجواء الضجيج والصراخ، من طرف المرضى أو المواطنين الذين «يغني كل واحد منهم على ليلاه».. في الوقت الذي اختار البعض الوقوف والتزام الصمت وتتبُّع ما يجري بنظرات متحسرة ومتألمة على الوضع القائم.
لا يختلف قسم المستعجلات في هذا المستشفى كثيرا عن غيره من الأقسام، لكنه أكثرها اكتظاظا، خاصة لقلة المرافق المخصصة للمرضى وللمواطنين الذين ينتظرون خروجهم، في منظر جد مؤثر. كان هناك رجل مسنّ يجلس فوق كرسي متحرك رفقة أحد أبنائه. جاء لإجراء عملية «بتْر» لرجله المتعفنة بسبب مرض السكري، المتطور، لكن الطبيب -حسب عائلة المريض- رفض إجراء عملية «القطع»، لأن المستشفى يفتقر إلى المعدات الخاصة بذلك، وتم -حسب مرافقي المريض- «ترميم» مكان التعفن وتضميده.
في نفس المكان، وفي غرفة أخرى، ترقد فيها أربع نساء، شرعت امرأة في الأنين والصراخ، بعدما حاولت ابنتها مناولتها الحليب وضربها أمام أنظار الممرضات اللواتي استنكرن الوضع «في قاعة تثير الغثيان رائحة البول تنبعث منها». حاولت الابنة -حسب شهادات بعض الممرضات- الهروب أكثر من مرة، بعد أن ضاقت ذرعا بمرض أمها، خاصة أنها لا تتوفر على مبلغ مالي لعلاجه.
مشاكل مستعجلات مولاي يوسف لا حصر لها، فحسب مصدر مقرب، عندما يأتي مريض أو مصاب بجرح، خاصة أصحاب الحوادث، تتم خياطة الجرح بأدوات، يقول المصدر ذاته إنها غير مُعقَّمة. وقد تتم نفس العملية لأكثر من شخص واحد وفي نفس الوقت. أما قسم الإنعاش فيتوفر على معدات يؤكد المصدر أنها قديمة وبالية. ورغم أن مستشفى مولاي يوسف يتوفر على أطباء للعظام، فقد أكدت مصادر من داخله أنه لم يتمَّ إجراء أي عملية فيه منذ انتقال هؤلاء الأطباء إليه، قادمين من مستشفى الحسن الثاني في عين الشق في الدار البيضاء، إذ إن مجموعة من الحالات التي يستقبلها قسم المستعجلات تتم إحالتها على مستشفى ابن رشد، ومبرر ذلك -حسب نفس المصادر- ضعف الإمكانيات وقلتها في المستشفى، معتبرة أن جراحة العظام أضافت عبئا إضافيا إلى عاتق الممرضين، إلى جانب مجموعة من المشاكل التي تقول مصادرنا إنها تتمثل في مشاكل «الراديو» و«السكانير»، الذي لا يستفيد منه المواطنون بالنظر إلى تكلفته المرتفعة وإلى طول المواعيد، خصوصا أن المشرفات عليه يخرجن باكرا ولا يعدن إلى العمل، الأمر الذي يجعل المواطنين يتكبدون تبعات مزيد من الانتظار..
فالغاية التي من أجلها تم إنشاء قسم المستعجلات هي علاج الحالات المرضية التي لا تحتمل الانتظار، لكن في مستعجلات مجموعة من المستشفيات العامة يختلف الأمر، فشعار «الصحة للجميع» لا مكان له داخلها. في المستشفيات الخاصة، يجب أن تؤدي ثمن علاجك، وهذا شيء طبيعي، ولكنْ عندما يتعلق الأمر ب«مستشفى الدولة»، الذي تصرف ميزانيته من أموال الشعب، فإن الوضع مختلف.
صحة «تحتضر»..
سواء تعلق الأمر بمستعجلات مولاي يوسف أو غيره من المستشفيات العمومية، كمحمد الخامس أو الحسن الثاني، فالأمر يعني مزيدا من الانتظار ومزيدا من «الاحتضار»، وسط أجواء تطبعها اللا مبالاة وغياب الإنسانية واحتمال الموت في أي لحظة. الدخول إلى قسم المستعجلات وسط اكتظاظ كبير أمر لا يحتمل، خاصة إذا كان هناك موظف واحد في استقبال المرضى، وجميع الكراسي مملوءة عن آخرها. ننقل لكم الصورة من مستشفى ابن رشد، الذي قمنا بزيارته.
دخول المستشفى الجامعي ابن رشد، الذي يوجد غير بعيد عن شارع الزرقطوني في الدار البيضاء، ليس «عاديا» ولا يشبه دخول غيره من المستشفيات، أولا، بالنظر إلى ضخامة المستشفى، الذي يعد قِبلة للمرضى من مختلف أنحاء المغرب، ففيه مختلف التخصصات. يشتم الزائر لمرافق المستشفى «رائحة المرض» وهو يتجول بين غرف المرضى، الذين يشتركون في المعاناة رفقة ذويهم. في قسم المستعجلات، الفوضى عارمة. الصراخ يملأ الأرجاء. أما في قسم الولادة فقد جلبت النساء الأغطية والأفرشة، لأن المستشفى يوفر لهن فقط سريرا «عاريا»، علما أن المستشفى يتلقى ميزانية يجب أن تستغل في هذا الإطار. وكان المجلس الأعلى للحسابات قد فضح، في سنوات سابقة، الاختلالات التي عرفها هذا المركز الاستشفائي، الذي ينضاف إلى جملة المشاكل التي ما زال يعانيها النقص الحاد في الموارد البشرية والتجهيزات الأساسية.
الازدحام في قسم المستعجلات هو «المنظر» العام هنا. مرضى برفقة أفراد من عائلاتهم يحاولون التخفيف عن معاناتهم. مرضى آخرون ينتظرون دورهم لإجراء الفحص. غرفة «السكانير» تعرف ازدحاما كبيرا، والمواطنون يشتكون من طول المواعيد ومن ثمن الفحوص، الذي لا يستطيعون أداءه، في انتظار ساعة الفحص، التي يمكن أن تكون إيجابية أو توضّح غياب مؤشرات المرض.. قسم المستعجلات يستقبل المئات من الحالات المستعجلة يوميا، ولكنه يعاني من الاكتظاظ ومن خصاص في الأطر الطبية. حسب إفادات بعض المرضى، قد تصل مواعيد الاستفادة من خدمة «السكانير» إلى أشهر أو أكثر، بسبب تراكم المواعيد وكثرة «الأعطاب» المستمرة التي تصيب الجهاز.
صارت الفوضى تطبع قسم المستعجلات هذه الأيام، بعدما أصبح المواطنون ممنوعين من دخوله لسبب يجهلونه، حيث أضحى مدخله واجهة للمشاحنات وللكلام النابي بين المواطنين والحراس، الذين تحولوا إلى أذرع بشرية في مواجهة المواطنين، الذين منهم من يتضورون ألما أو في حالة صحية يرثى لها. كل حارس يعطي عذرا غير مقنع في نظر المواطن: «الطبيب غير موجود.. الراديو خاسر»، وغير ذلك من التبريرات، التي يعتبرها المواطنون المتضررون غير منطقية. وقد صرح أحد المواطنين ل«المساء» أن ما يحدث في قسم المستعجلات في ابن رشد أمر غير مقبول، حيث ذكر أن والدته في قسم الإنعاش وتحتاج إلى الأدوية، وعند معاودة رجوعه، تم منعه من الدخول، ليظل رفقة عدد من المواطنين يصرخون ولا أحد استطاع أن ينصت إلى معاناتهم أو يتدخل لتهدئة الوضع.
ويفسر مصدر من المستشفى حالات الاكتظاظ والازدحام بأنها تعود إلى الرغبة في «التدويرة» أو ما يسمى عند أصحاب الميدان «الجونفري»، فعندما يشتد الازدحام، يرغب المواطنون في الإسراع بالعلاج، وهو ما يدفعهم إلى تقديم المال مقابل دخولهم وحصولهم على «حق» الأسبقية في العلاج، سواء كان الأمر يتطلب جراحة أو وصفة طبية عادية. وضع المستعجلات في ابن رشد في الليل هو نفسه في النهار. شخص ملقى على الأرض، وإذا كان مرفوقا بسيارة الإسعاف، يقول مصدر مقرب، فإنها تظل برفقته حتى يُعالَج.. هناك حالات دخلت إلى المستعجلات، وبسبب تأخر التنفس الصناعي، يضيف المصدر، توفيت. أما إذا كان الشخص مجهول الهوية، فإن المتحدث يؤكد أن المريض يظل «مرميا» ولا أحد يسأل عنه، حتى يحضر ورقة التعريف الوطنية أو ورقة الاحتياج، سواء كان معطوبا أو محروقا أو حتى ضحية لحادثة سير». ويضيف المصدر أن المتدربين في المستشفى هم من يقومون بتقديم العلاجات للمرضى وعندما يستعصي عليهم الأمر، آنذاك يتدخل الطبيب المختص. لا تختلف مظاهر المعاناة القائمة في ابن رشد كثيرا عن نظيرتها في مستشفى محمد الخامس، أحد أكبر المؤسسات الصحية في الحي المحمدي في الدار البيضاء، والذي يعاني، بدوره، من الاكتظاظ في قسمي المستعجلات والولادة، ويتجرع أطره مرارات عدم كفاية التجهيزات الأساسية والموارد البشرية، فضلا على ارتفاع تكاليف الفحص والعلاج، التي تثقل كاهل الفئات ذات الدخل المحدود.
ويؤثر النقص الحاد في عدد الممرضين والمعدات بشكل سلبي على الخدمات الصحية المقدمة للمرضى. يقول أحد الممرضين في قسم المستعجلات في مستشفى محمد الخامس إن المريض قد يأتي إلى القسم ولا يجد كرسيا متحركا أو سريرا يستوعبه، ليظل «مرميا» في الأرض، خاصة إذا كان مجهول الهوية ولم تكن له أسرة ترافقه. والحالات التي نقلت على لسان من تحدثت إليهم «المساء» والذين التقتهم في مجموعة من المستشفيات كثيرة، ومنها حالة شاب نقل إلى مستشفى مولاي يوسف في إحدى الليالي الباردة، ليظل «ملقى» في الأرض إلى درجة يقول مصدر مقرب، أنه تبوّلَ في ملابسه في منظر تقشعر له الأبدان.. سيدة أخرى حامل جاءت إلى نفس المستشفى، في ليلة من ليالي هذا الشهر، ليرفض مسؤولوه استقبالها ويطلبوا من ابنتها مرافقتها إلى مستشفى ابن رشد في نفس الليلة، نظرا إلى حالتها الخطيرة، والتي تتمثل -حسب مصادر من داخل المستشفى- في استمرار نزيفها ساعات دون أن تتلقى أي مساعدة تُذكَر، لتخرج منه رفقة ابنتها للذهاب إلى ابن رشد في حالة جد حرجة. تكرر نفس الأمر مع رجل مسن جاء المستشفى وهو ينزف بسبب مرض البروستات المزمن، ليرفض المستشفى استقباله ويتم إخراجه بدون علاج.. وبعد أخذه على وجه السرعة إلى مستشفى ابن رشد، رفض هذا الأخير كذلك استقباله، ليعود أدراجه إلى منزله وينتظر قدَره، المحتوم، هناك..
وفي اتصال هاتفي بمدير مستشفى مولاي يوسف، عبد الإله المكاوي، أكد الأخير أن المستشفى عرف تحسنا ملحوظا في عهد وزيرة الصحة ياسمينة بادو، من حيث توفر الأدوية والمعدات والآلات الطبية، التي قال إن الوزارة توفرها في كل وقت وحين، مؤكدا أن ظاهرة الرشوة هي في تلاشٍ واضح، حيث إن «الشفافية والوضوح»، في نظره، هما شعار العمل في المستشفى، الذي يعرف اكتظاظا يفسره بجودة الخدمات التي يقدمها، موضحا أن أبوابه مفتوحة لجميع الشرائح الاجتماعية التي تستفيد من الخدمات التي يقدمها، في ظل مراقبة تسهر عليها الجهات الوصية، وعلى رأسها مندوبية وزارة الصحة.
التلاعبات في الشهادات الطبية
لقد أضحت الشهادات الطبية التي يقدمها بعض الأطباء في المستشفيات العمومية في الدار البيضاء للمرضى الراغبين فيها «تجارة مربحة» عند هؤلاء، خاصة في ظل انعدام شروط المراقبة.
في أحد المراكز الصحية للعاصمة الاقتصادية، هناك سيدة تقوم بإجراء هذه العملية بكل سهولة وتتلقى مقابلا على ذلك 60 درهما. رافقتُ إحدى صديقاتي مقبلة على الزواج، والتي كانت تريد استخراج شهادة طبية لإبرام العقد، تثبت خلوها من الأمراض، وباستغراب، أخبرتها أنه لا يمكن أن يتم ذلك، إذ عليها أن تجري الفحص والتحليلات اللازمة، فطلبت مني إمهالها بعض الوقت حتى تتمكن من الدخول عند الطبيبة، بسبب الازدحام الشديد على الباب المؤدي إلى مكتبها. انتظرت قليلا حتى تمكنت صديقتي من الدخول وعند خروجها، أعطتني الشهادة الطبية لأقرأها بأم عينيّ، والتي تشهد فيها الطبيبة أن «السيدة خالية من الأمراض المعدية»، علما أن هذه الأخيرة تؤكد أنها لم تفحصها نهائيا..
الأموال التي يجنيها بعض الأطباء تذهب إلى جيوبهم وليس إلى خزينة الدولة، وقد غاب لديهم الضمير المهني في نظر البعض، وهو الضمير الذي يبقى المتحكمَ الأساسي في أداء مثل هذه العمليات، لأن الطبيب شخص مُحلَّف وأدى القسم في مهنته، إلا أن البعض يعتبرون أن المسألة «جد عادية»، لأنها ترتبط ب«تسهيل» حياة المواطنين الذين يرغبون في مثل هذه الشهادات.. يقول أحد الممرضين: «شهادة الراحة لا تضر، ولكن الخطير هو شواهد الضرب والجرح»، محذرا من خطورة هذه الشهادات التي تعطى لصالح أشخاص وتُدخل أشخاصا آخرين السجن، كحالة عادل (اسم مستعار) الذي دخل السجن ظلما بعدما تمكّنَ الطرف الثاني الذي اعتدى عليه من اللجوء إلى طبيب «معروف» بإنجاز هذا النوع من الشهادات الشرعية، حيث تؤكد مصادرنا أن الطبيب المذكور، والذي يشتغل في قسم المستعجلات في أحد أهم المستشفيات في الدار البيضاء، قام بإنجاز هذه الشهادة خارج أسوار المستشفى وفي «ورقة» عادية، مع أنه لم يعمل في المستشفى ذلك اليوم. وتؤكد المصادر ذاتها أن الطبيب ينجز تلك الشهادات بمبالغ مالية تتراوح بين 2000 و3000 درهم وأنه تسبب في دخول أشخاص للسجن ظلما، لأنه حين تستوفي الشهادة 20 يوما، يكون هناك أمر بالاعتقال في حق الطرف الذي استُعمِلت الشهادة ضده.
وحسب مصدر طبي -طلب عدم الكشف عن اسمه- فإن الشهادات الطبية ينظمها قانون خاص، ومفروض على الطبيب أن يقوم بفحص المريض ويتحمل في ذلك كامل المسؤولية. نفس الشيء في الشهادة المتعلقة بالقدرة البدنية أو شهادة الراحة، فهي جزء من الوصفة الطبية، وعلى الطبيب ألا يعطي الراحة للمريض إلا إذا كان يستحقها، لكن، مع الأسف، يتابع المتحدث نفسه، هناك أطباء يعتبرونها تجارة مربحة ولا يلتزمون بقواعد المهنة، ولا بد أن تتحمل الإدارة مسؤوليتها وتقنّن الشواهد الطبية وأن تكون هناك لجنة طبية للفحص المضاد، يحترم المكلفون بها واجبهم وضميرهم المهني، بهذه الطريقة يمكن أن نقلص من هذه التلاعبات، حسب المصدر ذاته.
وألحّ المصدر الطبي على أنه على المريض، عندما يقوم بدفع أي مبلغ مالي، حتى لو كان 10 دراهم فقط، أن يطلب توصيلا من المؤسسة على أدائه، فبهذه الطريقة يمكن أن نقلص من هذه التلاعبات ونقف حاجزا أمام الاغتناء الفاحش لبعض الأطباء». وحمّل المتحدث المسؤولية لمدراء المستشفيات والمراكز الصحية، مطالبا رؤساء الأقطاب بمراقبة الوضع داخل المؤسسات وبرفع تقارير إلى المناديب وإلى المدراء الجهويين وتنبيه الوزارة إلى الاختلالات من أجل التدخل لوضع حد لما أسماه «تسيبا» تعيشه بعض المستشفيات والمراكز الصحية في الدار البيضاء، بينما نجد أن بعض الأطر الصحية ربطت الأمر بمسألة الضمير المهني وبغيابه في القطاع الصحي إلا «عند من رحم ربي».خدمات «متردية»
إضافة إلى الخدمة الصحية التي تقدمها المستشفيات العمومية في مدينة كالدار البيضاء، نجد أن الخدمات المرتبطة بالأكل وبتوفير الأغطية والأفرشة والأدوية تبقى، في نظر البعض، خدمات متدنية وتزيد من حدة تأزيم الوضعية الصحية للمرضى. في المستشفيات العمومية، لا أغطية ولا أفرشة.. من يريد المبيت، سواء تعلق الأمر بالحوامل المقبلات على الولادة أو بالمقبلين على عمليات جراحية، يجب عليهم، جميعا، جلب أغطية تقيهم شر البرد.
أما الأكل المقدم فحدّث ولا حرج، فحسب إحدى المريضات «ما يتكالش»، فهن ينتظرن عائلاتهن إلى أن يجلبن لهن الغذاء. وأكدت شهادة إحدى العاملات مع الشركة التي تقوم بإعداد الطعام للمرضى في أحد مستشفيات العاصمة الاقتصادية، أن طريقة طبخ الأكل تتم بطريقة غير صحية، في ظل ظروف تنعدم فيها شروط النظافة، وهو الأمر الذي قد ينعكس على صحة المرضى نزلاء المستشفى.
مستشفى آخر سبق أن احتج مجموعة من موظفيه على الأكل المقدم لهم عندما طالبوا بفك العقدة مع الشركة التي تشرف على الطبخ فيه، ويتعلق الأمر بمستشفى مولاي يوسف في الدار البيضاء، الذي لم يتقبل موظفوه نوعية الوجبات الغذائية المقدمة لهم، والتي يقولون إنها تهدد سلامتهم الصحية وتحرمهم من حقهم المشروع في الأكل خلال فترة الحراسة.
ومن بين التجاوزات التي يعرفها هذا الجانب، ما كشفه الموظفون من أن الشركة المتعاقدة مع إدارة المستشفى تستغل مطبخه لإعداد وجبات مستشفى آخر في الدار البيضاء، وهي الوجبات التي تنقل في ظروف غير صحية وفي سيارة نقل عادية.
وكان المكاوي عبد الإله، مدير مستشفى مولاي يوسف، قد أكد، في تصريح سابق ل»المساء»، أن المستشفى يعرف مجموعة من الإصلاحات هي التي تسببت في «إزعاج» الشركة المسيّرة وأنه تم الاتصال بها وإعلامها بضرورة احترام مواقيت تغذية الموظفين والمرضى، مضيفا أنها قامت بإعداد برنامج غذائي خاص بهم.
ومن الخدمات الأخرى التي من المفروض على المستشفيات وعلى العاملين فيها تقديمها للمرضى خدمة «السكانير»، التي يؤدي عنها المريض 800 درهم إذا كان لا يتوفر على ورقة الاحتياج، وهذا الثمن -في نظر مجموعة من المواطنين- جد مرتفع ويرهقهم جدا، وطالبون الوزارة الجديدة بالمجانية أو بأثمان رمزية تلبي حاجياتهم الصحية، اعتبارا للأهمية القصوى التي تكتسيها مثل هذه الآليات، التي تساهم في تشخيص المرض، وبالتالي، القدرة على علاجه. عبد المجيد، مواطن التقته «لمساء» عند مدخل مستشفى ابن رشد بعد عدم تمكنه من دخول قسم المستعجلات. كادت مشادات كلامية بينه وبين الحراس أن تتطور إلى ما لا تُحمَد عقباه. عاد عبد المجيد أدراجه، ليحكي عن معاناته اليومية في هذا المستشفى وهو يتتبع حالة أمه المريضة، التي تتواجد في غرفة الإنعاش، وحكى بتذمر شديد عن وضعية المصابين بأمراض الكلي ومن يقومون بتصفية الدم، مؤكدا أن الدم «يشترى» في المستشفى رغم الحملات التي تنادي بالتبرع بالدم، والتي «تُموّه المواطنين وتوهمهم أن الدم يمنح للمرضى بالمجان»، الأمر الذي جعله يرفض التبرع بقطرة دم إضافية، نظرا إلى الخروقات التي يقول إنها تشوب العملية، مضيفا أن «الدم أصبح تجارة ضربت مبادئ الرحمة والإنسانية عرض الحائط».


الحسين الوردي - وزير الصحة: سنعمل على تفعيل برنامج المساعدة الطبية وعلى محاربة الرشوة والبيروقراطية
-ما هي الإجراءات التي سيتم اتخاذها من أجل تحسين وضعية المستشفيات العمومية على صعيد مدينة الدار البيضاء؟
سنعمل على تحسين الخدمات المقدمة للمواطنين بطريقة تكون جد سريعة، لاستيعاب المشاكل التي يواجهها هؤلاء المواطنون المقهورون، الذين بحكم كوني رئيسا سابقا لقسم الاستقبال في قسم المستعجلات في ابن رشد، أدركت مدى حجم المعاناة التي يتجرعونها، لهذا تم التخطيط لإستراتيجية تتضمن مجموعة من النقط الأساسية، التي من المفروض تطبيقها حتى نتمكن من إنقاذ الصحة في بلادنا.
-ما هي نوعية هذه الإجراءات؟
أول ما سنعمل على تفعيله مسألة المساعدة الطبية في نطاق التغطية الصحية، التي ستحل مشاكل لا حصر لها، ونرجو من جميع المتدخلين في الميدان الصحي التعامل معها بشكل جدي، لأن أهمّ جانب لدى المواطنين هو الاستفادة من العلاج بالمجان، فالمساعدة الطبية تضمن للمواطن حقه في دخول المستشفى دون أن يتجرأ أحد على سؤاله ماذا تريد؟.. ولا أحد سيمنعه من الدخول، والمسألة الثانية التي تبدو مهمة هي تدبير المواعيد عبر الأنترنت وتحسين النظافة، وهي أمور بدأت فيها الوزارة السابقة، ولكنْ لم يتم تطبيقها، وسنحاول في الحكومة الجديدة تفعيلها، حتى تدخل حيّز التطبيق، لأن المواطنين يريدون أفعالا وليس أقوالا فقط.
-نعرف أن الرشوة متفشية في المستشفيات العمومية، خاصة في قسم المستعجلات.. ما هي إستراتيجيتكم لمحاربتها؟
فعلا، تعتبر محاربة الرشوة والبيروقراطية من الأهداف الأساسية التي سنركز عليها في عملنا، شخصيا، لن أعمل وأنا جالس في مكتبي في الرباط، بل سأكون دائما قريبا وعلى اتصال دائم بالمستشفيات، حتى أتمكن من اتخاذ إجراءات صالحة لكل مستشفى على حدة، فهناك مجموعة من الإجراءات التي اتُّخِذت وكانت صالحة لمستشفى في حين لم تتوافق مع متطلبات مستشفى آخر، أما بالنسبة إلى الرشوة فستتم مناقشة الموضوع في البرلمان ويتم التعاون من أجل التنصيص على طرق محاربتها، أما لكونها تتفشى في قسم المستعجلات فهذا أمر طبيعي، لأن مشكل المستعجلات مشكل كبير، ف50 في المائة يدخلون المستعجلات في ظل غياب الوحدات الاستعجالية المتنقلة، المعمول بها في كل من الجزائر وتونس وحتى في ساحل العاج مثلا، في حين يفتقر إليها المغرب، البلد الوحيد الذي لا يتوفر على الوحدات الاستعجالية المتنقلة، و63 في المائة من ضحايا الحوادث والأمراض الخطيرة إما يموتون في مكان حادث السير أو تنقلهم سيارة الإسعاف، التي لا تحمل من المعنى غير الاسم..
-أين وصل تفعيل اتفاقية الحوار الاجتماعي التي كانت قد أبرمتها الوزارة السابقة مع النقابات؟
الحوار مع النقابات مستمر، وسأدافع عن العمل النقابي حتى يشمل جميع المستشفيات وجميع مرافق القطاع الصحي، أما ما تم الاتفاق عليه فسيتم تطبيقه وفق إجراءات قد تتطلب وقتا، خصوصا الجانب المتعلق بالدعم المالي، أما ما تم التوافق عليه فسيتم تفعيله بالتحاور مع النقابات الصحية المعنية.




انتظارات النقابات من وزير الصحة الجديد
المكاتب النقابية التي تدافع عن القطاع الصحي كثيرة ومتعددة، وقد سبق أن خاضت، في سبيل دفاعها عن الأطر الصحية، سلسلة من الإضرابات والاحتجاجات في عهد الوزيرة السابقة، ياسمينة بادو. وقد كانت نتيجة هذه الاحتجاجات توقيع «اتفاق 5 يوليوز»، الذي تضمّنَ استجابة ضمنية لمجموع المطالب التي رفعتها النقابات، والتي تتمثل، أساسا، في التعويض عن الأخطار المهنية والحراسة والإلزامية.
لهذا تطالب هذه النقابات الوزير الجديد بتطبيق ما تم الاتفاق عليه في الحوار الاجتماعي، بما في ذلك التعويض عن التخصص والرقم الاستدلالي بالنسبة إلى الأطباء، الذي انتقل من 136 إلى 509، كما تطالب النقابات كذلك بتحسين العمل داخل المؤسسات وسد النقص الحاد في عدد الممرضين، خاصة أنه لا يتم تعويض من أحيلوا على التقاعد، خاصة أن المرضى عددهم يزداد، في تناقض صارخ مع عدد الموارد البشرية الصحية. كما تطرح مصادر نقابية مشاكل لها ارتباطات بقلة التجهيزات والمعدات الطبية التي يجب أن تواكب التطورات العلمية.
وفي هذا السياق، طالبت مصادر نقابية تابعة للاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، وزير الصحة الجديد والحكومة الحالية بإيلاء الاهتمام للقطاع الصحي، خاصة القطاع العام، باعتباره قطاعا اجتماعيا يستقبل 90 في المائة من المواطنين وبأن يقوم الوزير باتخاذ قرارات تشاركية وليس «فوقية». وهناك من ألحوا على ضرورة إنجاز دراسة ميدانية وخلق توازن بين المستشفيات والمراكز الصحية، مؤكدين أنه في السنوات الماضية لم يكن هناك أي تحسن على صعيد القطاع الذي ازدادت وضعيته تأزما، وأن التغيير شاب فقط الأدوية التي أصبحت متوفرة بشكل أكثر مما كان عليه الأمر في السنوات الماضية، مشددين على ضرورة تعيين أطر ذات كفاءة عالية، يكون هدفها خدمة الصالح العام وليس خدمة مصالحها الشخصية.
وطالب مناصرو إنجاز دراسة ميدانية لمعرفة المشاكل التي يعرفها قطاع المستشفيات وماهية احتياجاته بأن تكون الدراسة ميدانية وبأن يسهر عليها متخصصون لمعرفة حاجيات القطاع العام ومعرفة الإكراهات التي يواجهها وبأن تكون هناك لجنة وزارية تقوم بتتبع المشاريع التي سيتم إنجازها إلى حين تطبيقها.
في السياق ذاته، أكد مصدر نقابي من الجامعة الوطنية للصحة، المنضوية تحت لواء الاتحاد المغربي للشغل، أن من أهم المطالب التي ركزت عليها الجامعة ضرورة الاعتراف بخصوصية القطاع وما يجب أن تترتب عنها من تدابير قانونية ومادية تكفل النهوض بقطاع الصحة، ليكون في مستوى حاجيات وانتظارات المواطنين، بالرفع من الميزانية العامة المخصصة له وتوفير البنيات والمعدات والأدوية والموارد البشرية الكافية ووضع قانون أساسي يَضمن في نفس الآن بلورة قوانين أساسية متطورة للفئات الصحية، وفق المصدر النقابي نفسه.
أما عدم قدرة المستشفيات العمومية في الدار البيضاء على استيعاب المواطنين فيعود، حسب بابا نويتي، الكاتب الجهوي للجامعة الوطنية للصحة، التابعة للاتحاد العام للشغالين في الدار البيضاء، إلى أن إستراتيجية وزارة الصحة لا تنسجم مع حجم الطلب على العلاج في العاصمة الاقتصادية، التي تتوفر على أكثر من خمسة ملايين نسمة، إضافة إلى أن هناك غيابا للتنسيق في العمل الصحي بين مستشفيات المدينة، التي تتوفر كل واحدة منها على إدارة خاصة. وعدّد النويتي مشاكل المستشفيات في الدار البيضاء في المشاكل التي ترافق تسهيل ولوج المريض إلى العلاجات. كما أن هناك مشكل «الراديو» والعطب في الآليات، معتبرا أن الحلول التي قدمت من طرف وزارات الصحة، المتعاقبة، لم تكن سوى حلول ترقيعية، مؤكدا أن ميزانية الوزارة يتم صرفها، في الغالب، على أمور ثانوية، كبناء البنايات، التي قد تستغرق مدة بنائها 10 سنوات، في الوقت الذي نجد أن غالبية المستشفيات العمومية تفتقر إلى الأغطية وإلى الأجهزة الضرورية، ك«السكانير» و«الراديو»، وأعطى مثالا على ذلك بحالة شخص قدِم إلى ابن رشد وتم إدخال والده إلى غرفة الإنعاش، وطلب منه الطبيب إجراء فحص ب«سكانير»، فتم إعطاؤه موعدا بعد أربعة أيام وهو ما لم يحتمله، لأن حالة والده مستعجلة جدا. كما أشار المتحدث إلى «الثقة» التي انعدمت لدى المغاربة في الخدمات التي تقدمها المستشفيات العمومية، معتبرا أن الوزير الجديد، باعتباره ابن الميدان، سيستطيع إيجاد حلول للمشاكل التي يعاني منها القطاع، مطالبا الوزير بتفعيل نقط الحوار الاجتماعي، الذي وقع على اتفاقيته وزير المالية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.