سبق وأن أوقف الحرس الإسباني يخت العاهل المغربي محمد السادس في مياه سبتة، المدينة المتنازع على سيادتها بين إسبانيا والمغرب. كادت الأمور أن تتطور إلى أزمة ديبلوماسية جديدة بين البلدين لولا تدخل العاهل الإسباني فيليب الثاني. فور نشوب الأزمة، سارع ملك إسبانيا إلى مهاتفة وزير الداخلية فقام الأخير باتصالات أفضت إلى تقديم رئيس حرس المنطقة اعتذاره لملك المغرب. حينذاك، كتبت صحيفة "إلموندو" الإسبانية أن العاهل المغربي نزع نظارته وقال للحارس الذي أوقف يخته: ألم تعرفني؟ فرد عليه: لا. وهذا ما أغضب محمد السادس. مرّت العلاقات بين المغرب وإسبانيا بحقبات عدّة بدءاً من الوجود العربي في الأندلس مروراً باحتلال إسبانيا لشمال المغرب وجنوبه، وصولاً إلى استقلال المغرب واحتفاظ إسبانيا بجيبي سبتة ومليلية. تشهد هذه العلاقات مداً وجزراً ويمكن وصفها بأنها صداقة حذرة تؤدي إلى أزمات ديبلوماسية بين الحين والآخر. ففي العام 2002، نشبت أزمة حادة بين البلدين بسبب إقدام المغرب على رفع العلم المغربي على جزيرة "ليلى" الصغيرة المحاذية لمضيق جبل طارق والواقعة في المياه المغربية. اعتبرت إسبانبا هذا العمل مستفزاً وبادرت إلى إرسال جنودها إلى الجزيرة وكادت تتطور الأمور إلى حرب لولا التدخل الأمريكي. وفي العام 2007، زار العاهل الإسباني السابق خوان كارلوس سبتة. اختار لزيارته تاريخاً يعني الكثير للمغربيين وهو 5 و6 نوفمبر، أي تاريخ استرجاع المغرب الصحراء الغربية التي كانت مستعمرة لإسبانيا. لذلك اعتبر المغرب أن الزياره هي استفزاز مقصود. من الأندلس إلى الاستقلال حين فتح العرب الأندلس، عام 711، قاد الهجوم القائد المغربي الأمازيغي طارق بن زياد. وفي عهود عدّة، بعد القرن الحادي عشر، كان ملوك الدول التي قامت على الأراضي المغربية يضمّون الأندلس إلى ممالكهم كما كان الحال في عهد الدولة المرابطية على سبيل المثال. لذلك، يرى محللون أن بعض أسباب تأرجح العلاقات بين إسبانيا والمغرب يرجع إلى فترة الوجود الإسلامي في الأندلس وطرد العرب والمسلمين بعد ذلك منها في العام 1492. حين خرج العرب من الأندلس، طاردتهم الملكة إيزابيلا حتى السواحل الإفريقية وعززت الوجوز الإسباني في المياه المغربية الشمالية بهدف إبقاء السيطرة الإسبانية على حدود بلاد الجار الجنوبي وذلك منعاً لحدوث أيّة "مفاجآت". وخلال حقبة الاستعمار، أواخر القرن التاسع عشر، خضعت أجزاء واسعة من الأراضي المغربية للاستعمار الإسباني. لم تمرّ هذه المرحلة بهدوء. واجهت إسبانيا مقاومة شرسة في الريف المغربي قادها الزعيم عبدالكريم الخطابي وهزم جيشها في معركة أنوال في العام 1921 وهذا ما دفع بها إلى استعمال السلاح الكيميائي حيث يعتبر شمال المغرب من بين المناطق الأولى في العالم التي استخدم فيها هذا السلاح. يقول النشطاء في الحركات الحقوقية المدافعة عن ضحايا حرب الريف المغربي إن المئات قضوا نحبهم، ويتحدثون عن ظهور أمراض خطيرة وعن تأثر البيئة في الريف من جرّاء هذا السلاح كما يطالبون إسبانيا برد الاعتبار للضحايا وبالكشف عن خبايا هذه الحرب. لم تنسحب إسبانيا من الشمال المغربي قبل العام 1956 وبقيت تسيطر على الصحراء الغربية التي تعتبرها المغرب جزءاً من أراضيها حتى العام 1975. وإلى الآن، لا تزال تسيطر على جيبٓي سبتة ومليلية وتفرض سيادتها عليهما وتعتبرهما أوروبيين رغم أنهما يقعان ترابياً في شمال افريقيا. مغاربة فرانكو… التجربة البشعة أدى الدور الذي لعبه المغاربة أثناء الحرب الأهلية الإسبانية إلى توليد عامل صراع قوي بين المغرب وإسبانيا. ففي العام 1934، انطلق الديكتاتور فرانكو من شمال المغرب ليطيح الحكومة الجمهورية المنتخبة. جنّد فرانكو عشرات الآلاف من المغاربة الفقراء من شمال المغرب المستعمَر بهدف إخضاع الشيوعيين الإسبان والقضاء عليهم. خلّف ذلك في نفوس الإسبان ندوباً كبيرة ساهمت في تدهور العلاقات المغربية الإسبانية على المستوى الشعبي. فالإسبان ينظرون سلبياً إلى المغاربة نظراً إلى الفظاعات التي ارتكبوها خلال الحرب. في حوار أجرته وكالة رويترز مع مسنّ مغربي (90 عاماً)، شارك في الحرب الإسبانية الأهليه (1936-1939)، قال: "أقنعونا بأن "الرخوس" (الشيوعيين الحمر) كفرة وأنهم أعداء المؤمنين المسيحيين والمسلمين على السواء وعلينا قتلهم". وأضاف: "كان الإسبان، عندما يسمعوننا نردد اللهم صلي عليك يا رسول الله قبل بدء القتال، يفرون مذعورين". ويقول مَن بقي على قيد الحياة من الجنود المغاربة السابقين الذين قاتلوا مع فرانكو كانوا فقراء جداً في زمن كان المغرب يرزخ تحت وطأة الاستعمار والمجاعة، وكان فرانكو يغريهم براتب شهري (250 درهماً/ نحو 29 دولاراً) وبمساعدة أهلهم مادياً وبتقديم المأكل والمشرب لهم. في المقابل، تقول لورا لوركا، ابنة شقيق الشاعر الإسباني الشهير فديريكو جارسيا لوركا الذي قتله أنصار فرانكو ودفنوه في مقبرة جماعية، لصحيفة المساء المغربية: "ما من شك في أن المغرب لعب دوراً في تاريخ إسبانيا وبمعنى سلبي. كان مرتبطاً بمآسي إسبانيا". وتقول المؤرخة والكاتبة الإسبانية ماريا روزا دي مادارياغا إن مشاركة القوات المغربية إلى جانب جيش فرانكو في الحرب الأهلية الإسبانية "كان من الأسباب التي غذت نظرة الإسبان المعاصرين السلبية إلى المسلمين عموماً والمغاربة بوجه خاص، لأنهم يعتبرون أن المغاربة أعاقوا بناء الجمهورية الحديثة". تعاون رغم الخلافات بعد شهر من تسلّمه العرش من أبيه خوان كارلوس في يونيو الماضي، اختار العاهل الإسباني الحالي فيليب الثاني أن تكون أولى زياراته لدولة غير أوروبية إلى المغرب. رغم كل العناصر السلبية المتراكمة عبر التاريخ، لا إسبانيا عن المغرب سوى مضيق جبل طارق بطول 14 كيلومتراً وهذا ما يفرض على البلدين التعاون في ملفات كثيرة. تقرّب المصالح الاقتصادية بين البلدين. تعتبر إسبانيا ثاني شريك اقتصادي للمغرب بعد فرنسا وتتلقى 14 في المئة من صادرات المغرب ومعظمها منتجات زراعية. كما يعتبر السوق المغربي الوجهة الإفريقية والعربية الأولى للصادرات الإسبانية. وفي مجال الصيد البحري، تحظى السفن الإسبانية بحصة الأسد من رخص الصيد الممنوحة للأوروبيين في المياه المغربية. ويشكل ملف الهجرة غير الشرعية أحد الملفات المهمة التي نجحت سلطات البلدين في التنسيق بشأنها والحدّ منها. فموقع المغرب يجعل منه بلداً مناسباً لعبور المهاجرين غير الشرعين، وخاصة أبناء افريقيا جنوب الصحراء، إلى اوروبا. كذلك نجحا في التنسيق في ملفات محاربة الإرهاب والجريمة المنظمة والتهريب. يقول العربي المساري، سفير مغربي سابق في إسبانيا ووزير اتصال سابق ومختص في العلاقات المغربية الإسبانية، إن "33 % من الإسبان يرون في المغرب جاراً مضراً بإسبانيا لاعتبارات تتعلق بتهريب المخدرات والهجرة السرية والإرهاب". في إسبانيا، هنالك حوالى 800 ألف مهاجر مغربي. هؤلاء يشكلون أكبر جالية أجنبية في إسبانيا. يرى المساري "أنه من الضروري العمل على تصحيح النظرة الإسبانية النمطية تجاه المغاربة" ويعتبر أن الثقافة قد تكون أهم وسيلة لطرد النظرة السلبية والإقصاء والخوف من الآخر.