في شتنبر من العام 2015، زار الرئيس الفرنسي الأسبق فرنسوا هولاند المغرب … تم التوقيع في حينه على اتفاقية إطار تخص تكوين أئمة المساجد الفرنسيين بالمغرب …خرج عبد الله بوصوف، أمين عام مجلس الجالية المنتهية ولايته منذ 8 سنوات و 63 يوما، خرج وقتها مزهوا، منتشيا ومبشرا…يقول: إن “الاتفاقية الموقعة بين البلدين دليل على أهمية النموذج الديني المغربي، المبني على الوسطية والاعتدال …”… بضع سنين بعد ذلك، خرج ليؤكد:” إن الحل فيما تعاني منه الجالية المغربية من تطرف وتشيع، هو الاعتماد على النموذج المغربي في التدين”…في 18 فبراير الحالي، خرج الرئيس الفرنسي بدوره ليعلن بوثيقة من 31 صفحة، عن القطع مع كل أنماط تدبير الشأن الديني في فرنسا، ووضع خارطة طريق لتمكين فرنسا “من محاربة التشيع والتطرف الإسلامي والهجمات على المبادئ الجمهورية”…ما أعلن عنه الرئيس الفرنسي هو تسفيه مباشر قاطع لما ذهب إليه بوصوف … ماكرون لم يطعن فقط في النموذج الديني الذي يتباهى به بوصوف ويسوقه، ولم يطعن فقط في الأدوات التنفيذية التي تجسده عمليا وفعليا على الأرض، من أئمة وخطباء ومرشدين، بل يطعن جهارة في مخرجاته وما يترتب عنه…أي في تلك الجحافل من السلفيين والمتشددين والمتطرفين…دع عنك الإرهابيين من أبناء الجالية، الذين “يتخرجون” موسميا وبانتظام على أيدي هؤلاء… بوثيقة ماكرون، نقف عند محور بعنوان “حماية الإسلام من التشدد”… هذا المحور موجه لنمط التدين الذي يرفع لواءه بوصوف … ولكأني بالرئيس الفرنسي يطالب هنا بحماية الإسلام من دعاته، من منابع التشدد والتطرف والإرهاب التي تسقيه… حمايته ممن يقدمون أنفسهم حماته الطبيعيين …ليس هذا فحسب، بل إن الرئيس الفرنسي لم يعد يثق في التكوينات القادمة من معهد محمد السادس للأمة المرشدين، وقرر خوض غمار تكوين أئمة فرنسيين، بفرنسا، من لدن فرنسيين، ولفائدة فرنسيين …اليوم تنفر فرنسا من المعهد، غدا ستنفر باقي بلدان إفريقيا التي بعثتت أبناءها لنفس المعهد بتحفيز من فرنسا…لنجد أنفسنا بالمحصلة، بإزاء مؤسسة منغلقة على تكوينات محلية مقتصرة على مبطلات الوضوء …لست هنا في مقام القول بأن الخيارات الدينية الكبرى التي اعتمدت لسنين عدة، قد فشلت …لا…أنا أقول بأنها كانت تحمل بذرة الفشل منذ اليوم الأول…هذا واقع لا يمكن أن ننكره، دعوكم من كلام بوصوف…كلام كبير في الليل، لا يستطيع إدراك غبش الصبح…