السكتيوي يلغي التجمع الإعدادي لمنتخب المحليين    مدرب الجيش الملكي يعبر عن رضاه على اللاعبين بعد التأهل إلى ربع نهائي أبطال إفريقيا    توقعات أحوال الطقس اليوم الأحد    حرائق لوس أنجلس.. ارتفاع حصيلة القتلى إلى 16 على الأقل والسلطات تحذر من السحب السامة    حافلات المبادرة الوطنية للتنمية البشرية معرضة للاتلاف أمام مقر عمالة الجديدة    طنجة: وفاة امرأة بسبب تسرب غاز البوتان أثناء الاستحمام    حادث مروّع في ستراسبورغ: اصطدام عربتي ترام يُصيب العشرات (فيديو)    طنجة: عمليات أمنية صارمة للحد من المخالفات الخطيرة لسائقي الدراجات النارية    الحرائق المستعرة تتسع بلوس أنجلوس.. ساحة حرب كاسحة وخسائر فادحة    المدرب المؤقت للرجاء ينتقد التحكيم    أولمبيك آسفي يعمق جراح الشباب    إلغاء تجمع "منتخب 2000 فما فوق"    جمعية بسطات تحتفل بالسنة الأمازيغية    توقيف تاجر مخدرات في سيدي إفني    "كوست ويف" يتجاوز البلوكاج بالجديدة... توفير ضمانات يحرر صافرتيْ إنذار    اختتام أشغال قمة التنمية الزراعة الإفريقية على خلفية التزام بزيادة إنتاج الصناعة الغذائية    الخنوس أحد صناع الفوز العريض لليستر سيتي أمام كوينز بارك رينجرز    دراسة تسلط الضوء على تحذير بشأن ارتفاع حرارة محيطات العالم    حصيلة ثلاث سنوات غنية من تجربة مسرح رياض السلطان بطنجة    كمبالا: البواري يؤكد التزام المغرب بتطوير فلاحة قادرة على الصمود    أخطاء كنجهلوها.. أهم النصائح لتحقيق رؤية سليمة أثناء القيادة (فيديو)    "قيادات تجمعية" تثمّن الجهود الحكومية وورش إصلاح مدونة الأسرة المغربية    اليمن بمن حضر فذاك الوطن    عرض مسرحية "أبريذ غار أُوجنا" بالناظور احتفالا بالسنة الأمازيغية    بفضل الرؤية المتبصرة لجلالة الملك، مسار الانتقال الطاقي يسير قدما مدعوما بإصلاحات استراتيجية ومنظومة مبتكرة (مركز تفكير فرنسي)    الصمت يرافق ذكرى أول وفاة بسبب "كوفيد" في الصين    مؤسسة وسيط المملكة: تحسين العلاقة بين الإدارات ومغاربة العالم    إيقاعات الأطلس تحتفي برأس السنة الأمازيغية في مسرح محمد الخامس    المغرب بين المكاسب الدبلوماسية ودعاية الكراهية الجزائرية    جدل دعم الأرامل .. أخنوش يهاجم بن كيران    زياش يمنح موافقة أولية للانتقال إلى الفتح السعودي    الملك محمد السادس يهنئ سلطان عمان بمناسبة ذكرى توليه مقاليد الحكم    اعتداء عنيف على الفنان الشهير عبد المنعم عمايري في دمشق    نفسانية التواكل    ذكرى 11 يناير تذكر بصمود المغاربة    مطالب متجدّدة لأمازيغ المغرب وأماني وانتظارات تنتظر مع حلول "إض يناير" 2975    الصناعة التقليدية تعرف تطورا إيجابيا بتحقيق نسبة نمو 3% خلال سنة 2024    إسرائيل تواصل التوغل في سوريا    ارتفاع درجة الحرارة العالمية.. الأمم المتحدة تدعو إلى التحرك لتجنب أسوأ الكوارث المناخية    مكناس.. الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة على نغمات فني أحواش وأحيدوس    الصين تعرب عن رغبتها في نهج سياسة الانفتاح تجاه المملكة المتحدة    واشنطن "تتساهل" مع مليون مهاجر    بعثة نهضة بركان تصل إلى أنغولا استعداداً لمواجهة لواندا سول    طنجة... الإعلان عن الفائزين بجائزة بيت الصحافة وتكريم إعلاميين ومثقفين رواد (فيديو)    وفاة وفقدان 56 مهاجرا سريا ابحرو من سواحل الريف خلال 2024    إنفوجرافيك l يتيح الدخول إلى 73 وجهة دون تأشيرة.. تصنيف جواز السفر المغربي خلال 2025    الصين: تنظيم منتدى "بواو" الآسيوي ما بين 25 و 28 مارس المقبل    رواية "بلد الآخرين" لليلى سليماني.. الهوية تتشابك مع السلطة الاستعمارية    مراكش تُسجل رقماً قياسياً تاريخياً في عدد السياح خلال 2024    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأخضر    أغلبهم من طنجة.. إصابة 47 نزيلة ونزيلا بداء الحصبة "بوحمرون" بسجون المملكة    بوحمرون: 16 إصابة في سجن طنجة 2 وتدابير وقائية لاحتواء الوضع    ملفات ساخنة لعام 2025    ارتفاع مقلق في حالات الإصابة بمرض الحصبة… طبيبة عامة توضح ل"رسالة 24″    أخذنا على حين ′′غزة′′!    الجمعية النسائية تنتقد كيفية تقديم اقتراحات المشروع الإصلاحي لمدونة الأسرة    فتح فترة التسجيل الإلكتروني لموسم الحج 1447 ه    وزارة الأوقاف تعلن موعد فتح تسجيل الحجاج لموسم حج 1447ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المغرب.. الدبلوماسية الروحية جسر حضاري لتعزيز التواصل مع الآخر.
نشر في عالم برس يوم 01 - 12 - 2017

بعد كل عملية إرهابية تحدث في مكان أو آخر، ترتفع الأصوات المنادية بضرورة ترسيخ خطاب ديني وسطي ومعتدل، يسحب البساط من تحت الدعاوى المتشددة التي توصلت إلى التسرب إلى مساحات التديّن الشعبي واستغلت أهمية الدين في الوجدان الشعبي، في هذا الصدد من البحث عن بديل ديني هادئ يسد الطريق على الرؤى المغالية والمتشددة يصبح الرهان على التدين الشعبي الصوفي رهانا ممتلكا لكل مقومات الوجاهة، بل إن بعض القراءات الفكرية توصلت إلى أن التدين الصوفي يمكنه أن يلعب دور الدبلوماسية الروحية التي تلعب دورا مركزيا في تفعيل الحوار بين الأديان وترسيخ قيم التعايش، وهو ما كان صلب حوار فكري ينتظم في المغرب.
يلعب التصوف دورا مهما في الحياة الروحية والاجتماعية للمغاربة ويرتكز الإسلام السني بالمغرب على التصوف السني إلى جانب مرتكز المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية كخصوصية تحدد الهوية الدينية بالمملكة. ويتمظهر الحضور الصوفي في الممارسة والسلوك الشخصي والمؤسساتي سواء عبر اهتمام المغربي العادي بالطرقية أو من خلال احتضان وعناية الدولة بما بات يسمى بالدبلوماسية الروحية.
وفي هذا الصدد يجتمع منتسبو الطريقة القادرية البودشيشية، بشراكة مع المركز الأورومتوسطي لدراسة الإسلام اليوم، في الدورة الثانية عشرة للملتقى العالمي للتصوف، بين 28 نوفمبر الجاري والفاتح من ديسمبر المقبل بمداغ شرق المغرب، تحت شعار "التصوف والدبلوماسية الروحية: الأبعاد الثقافية والتنموية والحضارية"، لدراسة أبعاد الدبلوماسية الروحية لمواجهة ترسبات الفكر المتطرف وتهديده للاستقرار والأمن الروحي والمادي للمجتمع الإنساني.
وشدد مدير الملتقى، جمال القادري بودشيش، على أن "الدبلوماسية الروحية بمثابة جسر حضاري للتواصل مع الآخر، وعلينا أن نستلهم من القيم الإسلامية التي تنبني على إحساس الرحمة والتسامح وترسيخ روح التعايش لنسج خطاب إسلامي أصيل يعطي صورة مشرقة عن الإسلام والمسلمين ويقوي صلاتهم مع سائر المكونات الثقافية الأخرى".
ويشارك في ملتقى مداغ عدد من العلماء من مختلف الدول، إذ سيعرف تنظيم مجموعة من الندوات والورشات، وأكد المنظمون أن المغرب يشكل نموذجا حيا في الدبلوماسية الروحية؛ إذ يساهم بشكل كبير في نشر قيم المحبة والتسامح واحترام الآخر وترسيخ منهج الوسطية والاعتدال في الدين تحت قيادة العاهل المغربي الملك محمد السادس. وسيناقش المشاركون في الدورة الثانية عشرة للملتقى العالمي للتصوف، قضايا راهنة تتعلق ب"الدبلوماسية الروحية وترسيخ ثقافة السلام"، "والدبلوماسية الروحية ودورها في الوقاية من آفتي الغلو والتطرف"، و"الدبلوماسية الروحية وتنمية الرأسمال اللامادي للشعوب"، و"الدبلوماسية الروحية المغربية في العمق الأفريقي"، و"الدبلوماسية الروحية والقضايا الوطنية".
ويرى باحثون في التصوف أن اهتمام الدولة المغربية بالزوايا ليس وليد اليوم، إذ أن دور الدبلوماسية الروحية ترسخ أكثر إثر اعتداءات 16 مايو الإرهابية في العام 2003 بالدار البيضاء، وذلك تحقيقا للأمن الروحي وتشجيع المد المعتدل في ممارسة الجماعات الإسلامية ومواجهة كل نزعة متطرفة تهدد الاستقرار والسلم الاجتماعي.
ولم يتأثر المشهد المغربي بشكل كبير بصعود أحزاب تيار الإسلام السياسي مع موجة ما يسمى "الربيع العربي"، فرغم حكم العدالة والتنمية منذ العام 2012 لم تتأثر التوجهات الاستراتيجية للدولة في دعم وتوسيع نطاق الدبلوماسية الروحية وتشجيع الخطاب الوسطي المعتدل الذي تمثله الطرق الصوفية بشكل واسع.
وباعتبار التصوف ممارسة وثقافة وتربية روحية، فضلا عن الأدوار التي يمكن أن يلعبها في مواجهة مد الإسلام السياسي، فقد أكد صابر مولاي أحمد، باحث مغربي مختص في قضايا الفكر الإسلامي المعاصر، ل"العرب" أن الأمر هنا لا يتعلق بمواجهة الإسلام السياسي أو منازعته، لأن المشكلة في الأصل هي انسداد العقل الجمعي للأمة المسلمة بشكل عام وتقوقعه حول الماضي وكل ما هو قديم ومتجاوز على حساب الالتحام بروح العصر وثقافته.
ولم يتضاءل اهتمام المغاربة بالخطاب الصوفي سواء الشعبي أو النخبوي لكونه خطابا يتأسس على الأخلاق والسلوك القويم والتربية الروحية، والدليل على ذلك الإشعاع الذي طبع مهرجانات الموسيقى الصوفية والسماع بفاس كمبادرة لتوسيع دبلوماسية روحية تحجم دور الخطاب المتزمت.
ويرى الباحث صابر مولاي أحمد، أنه بالرغم من أن المسلمين بشكل عام يتعاطون مع كل ما هو حديث من مظاهر الحداثة بروح إيجابية وفعالة، إلا أنهم على مستوى المضمون من حيث الرؤية الفلسفية والثقافية لكل مظاهر الحداثة ينجذبون لماضيهم، بدل نسج وبلورة رؤى ثقافية تليق بخصوصيتهم الفكرية والحضارية وتميزهم عن غيرهم، وهنا ينتعش ويتغذى الإسلام السياسي وتتضخم الأصولية التي تحارب الحداثة بوسائلها وتبشر بنظم ثقافية ولت وانتهت ولا وجود لها إلا في الماضي.
وقال مهتمون بالشأن الديني المغربي، إن الزوايا منخرطة تاريخيا منذ قرون روحيا وسياسيا واجتماعيا داخل النسيج المجتمعي المغربي، حيث أكد هؤلاء أن المملكة غير معنية بشكل مباشر بما جاء في وثيقة "راند" الشهيرة الصادرة في فبراير 2004 والتي تقسم المسلمين إلى أربع فئات: مسلمون أصوليون، مسلمون تقليديون، مسلمون حداثيون، مسلمون علمانيون.
وأكد منتصر حمادة، الباحث في مركز المغرب الأقصى للدراسات والأبحاث، أن "ما يُميز التدين الصوفي أن خطابه الديني معتدل ووسطي، وبعيد عن تصيد هفوات الاعتقاد والتطاول على عقائد العامة والخاصة، إضافة إلى أنه لا ينازع السلطة السياسية في قضايا خلافية، ذات صلة بالسياسة أو الدين أو الاجتماع، لأن هاجس الفاعل الصوفي هاجس فردي وجماعي وإنساني، وليس هاجسا سياسيا أو قتاليا جهاديا" أو شيئا من هذا القبيل. وتعمل وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية على تدبير الحقل الديني ومنه مجال التصوف الذي تريد إخراجه من حلقة المواسم والطابع الاحتفالي والفلكلوري إلى تنظيم مؤسساتي ذي طابع عالمي.
ونظرا لخطابها الصوفي المعتدل والوسطي تستقطب الزاوية القادرية البودشيشية أكثر من مئة ألف مريد يحضرون من كل الطبقات الاجتماعية البورجوازية والمتوسطة والفقيرة حيث يُستدعى الفنانون من داخل المغرب ومن خارجه، وخصوصا في احتفالات ذكرى المولد النبوي، وتمتد هذه الطريقة إلى آسيا وأميركا وأوروبا بل وبعض دول الخليج العربي. وحول الدور المنتظر من العناية بالمعرفة الصوفية كرؤية للوجود والكون والإنسان لمقاومة كل مظاهر التطرف وإعلاء قيم الحداثة والتسامح، يقول صابر مولاي أحمد إن التصوف بدوره في حاجة إلى أن يُحرَّر ويتحرر من قالب الطقوس إلى قالب المعرفة، كما كان الأمر مع ابن عربي وغيره.
وأوضح الباحث المغربي أن هذا الشكل من التصوف سيفيدنا في التحرر من القوالب الفقهية الجاهزة، وسيفيدنا كذلك في الخروج من الدوائر المغلقة باسم العقيدة والمذهب، وسيفيدنا في الخروج عن القول بأن الخلاص يكمن في القوى التي تعتبر نفسها تمثل الإسلام والمسلمين، وهو ما يروج له الإسلام السياسي بوعي أو بدون وعي.
وركز القائمون على ملتقى مداغ على الدور الكبير والرائد للمغرب في تفعيل الدبلوماسية الروحية في أرقى مستوياتها، وذلك في سياق ما عرفه من تميز وتفرد لهذا البعد الروحي وما شكله من عمق وتأصل مكونات هويته، معتبرين أن التصوف شكل مرجعا ثقافيا وروحيا وحضاريا هاما ضمن مقومات هذه الهوية، ما أعطى للتجربة الدينية المغربية توازنها وخصوصيتها.
وأكد صابر مولاي أحمد أن المعرفة الصوفية كمنهج ورؤية للوجود ستجعلنا نساهم نوعا ما في أن نتصالح مع أنفسنا ومع العالم والإنسان.
ومن جهته شدد منتصر حمادة على أهمية تغذية التدين الصوفي والدفاع عنه، وهو ما يتم بشكل نسبي في المغرب، لكنه لا يتم بالشكل المطلوب بسبب المقاومة التي تواجهه من طرف التدين الإسلامي الحركي، في تفرعاته الدعوية والسياسية، الإخوانية والسلفية، وليس صدفة أن التدين الإخواني ينتقد التصوف، ولا يذكره إلا بما هو سلبي في الغالب، في إعلامه المحلي أو الأجنبي، وفي المراكز البحثية الإخوانية أو باقي المراكز التي تتعامل مع الأقلام البحثية الإخوانية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.