تنظم الطريقة القادرية البودشيشية، خلال عطلة نهاية الأسبوع، ببلدة مداغ بإقليم بركان بشراكة مع المركز الأورو - متوسطي لدراسة الإسلام الدورة التاسعة للملتقى العالمي للتصوف حول موضوع «التصوف في السياق المعاصر: الحال والمآل» محورا للدرس والبحث، وذلك في إطار الاحتفاء بذكرى المولد النبوي الشريفٍ. النسخة التاسعة للملتقى العالمي للتصوف، والتي يترأسها مدير الملتقى الدكتور مولاي منير القادري بودشيش حفيد «حمزة ابن العباس» شيخ الطريقة، ستتميز بتنظيم موائد مستديرة طيلة الأيام الثلاثة للملتقى، حيث سيتم تأطيرها من قبل ثلة من الباحثين والعلماء من المغرب والعالمين العربي والغربي، هؤلاء متخصصون في علوم الفلسفة والسوسيولوجيا والاتصال والاقتصاد والعلاقات الدولية، من بينهم على سبيل المثال الدكتور محمد وسام خضر(باحث ومدير دار الفتوى بمصر) والدكتور جون جاك تيبون (أستاذ باحث بمركز الأبحاث والدراسات حول العالم العربي والإسلامي بفرنسا) و(الوزير الأول السابق لجمهورية النيجر) والدكتور جمال أبو الهنود (مستشار بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية بدولة فلسطين) والدكتور محمد صلاح الدين المستاوي (عضو المجلس الإسلامي الأعلى بتونس وخريج جامعة الزيتونة بتونس) والدكتور حسام سباط (رئيس دائرة الأوقاف في طرابلس والأستاذ المحاضر في عدد من جامعات لبنان) والدكتورة ليلى خليفة (جامعية اختصاصية في التصوف بالأردن ) والدكتور عفيف منصور الجيلاني (متخصص في أصول الفقه والتصوف من العراق) وزعيم حنشلاوي (مدير الأبحاث بوزارة الثقافة بالجزائر). الملتقى العالمي للتصوف، حسب الورقة التقديمية، أصبح يمثل جسرا تواصليا بين الحضارات والثقافات، مساهما في الحوار الثقافي والحضاري وبالتالي أصبح محطة أكاديمية تجلب إليها العديد من العلماء والأساتذة المتخصصين من المغرب والدول العربية والغربية. ويعتبر الموضوع الذي تم اختياره هذه السنة، كما جاء في أرضية الملتقى، من الإشكالات الكبرى التي تعرف اهتماما متزايدا من طرف جميع المشتغلين بقضايا الإنسان وأسئلته في أبعادها المختلفة الروحية والنفسية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية. فأحوال الوجود الإنساني في تبدل دائم، مما يستدعي ضرورة التكيف المستمر مع متغيراته. فالعالم حالا قد خرج من طور التناهي في الكبر إلى التناهي في الصغر، بحكم التطورات المذهلة في التواصل والاتصال، حسب أرضية الملتقى، وقد نتج عن هذا السياق المعولم ظواهر مؤشكلة وأزمات عميقة منها: الأزمات المالية المتعاقبة، توليد مزيد من التفاوتات بين الشعوب والدول، تعميق الهوة بين الأغنياء والفقراء، تفكك الروابط الأسرية، الإفراط في الفردانية والأنانية، المخاطر البيئية والإيكولوجية. المنظمون أكدوا على أن الغاية من طرح التصوف في علاقته بالسياق المعاصر في هذا الملتقى العالمي التاسع هو البحت الأكاديمي الجاد عن إمكانيات التصوف في المساهمة في تقديم حلول لعلاج الذات الإنسانية الجريحة، التي تئن تحت وطأة الاستلاب والضياع والإحباط، والخوف من المستقبل، بعد أن تحطمت على صخرة الواقع كل الأحلام الوردية التي بشرت بها صيحات التقدم والرفاه والمساواة والعدل والكرامة الكونية لبني البشر. إن التصوف باعتباره منظومة القيم الأخلاقية التي يكتنزها ديننا الإسلامي الحنيف، كما جاء في الأرضية، يعتبر تجربة روحية شديدة الاتصال بكينونة الإنسان في حقيقتها الأصلية، إذ يخاطب عمق هويته الفطرية، فهو رؤية للعالم يمكن أن تنتشل الإنسان من قلقه المتزايد، وتزرع في كيانه يقينا جديدا يبدد سحب الرعب الكثيفة التي تعيق حركته المسؤولة والإيجابية والبناءة، وتصله بحبل الإجابة الشافية التي انبرى إلى بيانها والسهر على ترسيخ معالمها الموصولون بالوحي الإلهي من الأنبياء والرسل الذين رسموا للبشرية خريطة طريقهم في الوجود العاجل والآجل، وأوضحوا لها مهمتها الاستخلافية والإعمارية ضمن منظومة القيم العليا التي تضمن الكرامة والحرية والعدالة للعالمين. إن هذا الدور الهادي للإنسانية الذي اختتم بالبعثة المحمدية المتممة لمكارم الأخلاق التي عكف أهل التصوف على تجليتها في مختلف تفاصيلها الدقيقة أصلا ومقصدا، وحالا ومقاما، ومنهاجا وسلوكا، - حيث خُص التصوف تعريفا بأنه أخلاق: « فمن زاد عليك بالأخلاق زاد عليك بالتصوف»- كل ذلك جعل من جهودهم مرجعا مؤطرا لبناء الإنسان. ولذلك، يضيف المنظمون، فالمملكة المغربية تعتز بهذا الموروث الصوفي الكبير الذي عمل أهله في الماضي على رعايته وتعهده وترسيخ قيمه الهادية والبانية في مختلف ربوع البلاد، واجتهدوا في تعميم الانتفاع بفضائله في مختلف الآفاق، والذي نشهد حضوره وتأثيره القوي اليوم في ضمان تدين وسطي معتدل يعتبر المغرب رائده ونموذجه الحي إقليميا وقاريا وعالميا، مما له من فاعلية كبيرة في نشر قيم المحبة والوئام والاستقرار والسلام ونبذ كل أشكال الغلو والتطرف، إذ يمكن اعتبار القيم الصوفية دعامة كبيرة للدبلوماسية الروحية والحضارية. ويؤكد مدير الملتقى الدكتور مولاي منير القادري بودشيش على أن الملتقى العالمي التاسع يسعى من خلال طرحه لإشكال التصوف والسياق المعاصر حالا ومآلا إلى أن يظهر ما يختزنه التصوف من قدرة على مواكبة السياقات المتغيرة باعتباره طاقة روحية وأخلاقية لا غنى للإنسان عنها إن أراد انضباطا لوجهته، وقوة اقتراحية يمكن أن تسهم في استرداد اليقين والطمأنينة والسكينة المفتقدة، ويؤسس لرؤية بانية للتعارف والتعاون والتكامل الحضاري.