صدرت طبعة جديدة من كتاب «النحو الريفي» الذي سبق أن طبع لأول مرة في سنة 1905، بطنجة. وقد تولت هذه الطبعة «الجامعة الوطنية للتربية عن بعد» في مليلية. والمؤلف هو الراهب الفرنثيسكاني الباسكي بيدرو صاريونانديا Pedro Hilarion Sarrionandia Linaza، أول مختص في اللغة الأمازيغية في إسبانيا، أسوة بنظيره ليرشوندي الذي كان مختصا في اللغة العربية. وقد مهد للطبعة الجديدة الأستاذ رامون لوريدو المؤرخ المعروف والمختص في القرن الثامن عشر المغربي، بمقدمة دسمة شغلت حوالي ثلاثين صفحة. وأبرز الأستاذ لوريدو أن مؤلف «النحو» انهمك علي إعداد كتابه مدة عامين، و ذلك في تطوان، التي انتقل إليها في 1902. وحينما أنهى عمله تم طبع الكتاب في المطبعة العربية الإسبانية للبعثة الكاثوليكية في طنجة التي كان الأب ليرشوندي قد أسسها في 1888. وقال لوريدو إنه قبل كتاب صاريونانديا لم يكن هناك أي شيء مكتوب في الموضوع حتى يستند إليه المؤلف، كما أنه لم تكن له أي مرجعية سوى منطقه هو وبحثه الخاص. وبعد «النحو» بحوالي ثلاثة عقود ظهر أول قاموس إسباني ريفي للراهب Esteban Ibanez. وكشف الأستاذ لوريدو أن الأب صاريونانديا كان قد ترك عملا غير تام هو قاموس ريفي إسباني وآخر صنهاجي إسباني، ولكن الموت لم تمهله حتى يتمه. ولا يستبعد أن إيسطيبان قد اعتمد علي عمل صاريونانديا لإنجاز قاموسه، إلا أنه لا يشير إلي ذلك. وكان صاحب «النحو» قد مهد لكتابه بمقدمة ذكر فيها أن اللهجة الريفية هي واحدة من التنويعات المتعددة للغة الأمازيغية التي كانت منتشرة في مجموع شمال إفريقيا، من الحدود مع مصر إلي النوبة والحبشة حتى المحيط الأطلسي، ومن البحر الأبيض المتوسط إلي ضفاف نهري السنغال والنيجر في تخوم السودان. ولاحظ بعد ذلك، أن تلك اللغة قديمة، وتوجد دلائل علي أنها كانت منتشرة في مناطق شاسعة، تشمل حتى المناطق التي لم تعد تتكلمها الآن، إذ أن أسماء العديد من المواقع من أنهار وجبال ومدن وقرى، تحمل أسماء أمازيغية تشير إلي أنها جهات كان يسكنها متكلون باللغة الأمازيغية. وقد أدى انصراف السكان كلية للغة العربية، لغة الدين الجديد الذي ساد في المنطقة وهو الإسلام، إلي ترك اللغة الأمازيغية التي يزعم المؤلف أنها فرضت فرضا مع الدين الوافد. ونعتبر ذلك القول داخلا في مجال الزعم المحض، لأن الأمازيغية ظلت تستعمل علي نطاق واسع لمدة تقرب من ثلاثة قرون، كان الإسلام فيها قد شبع انتشارا، دون أن يزيح ذلك الأمازيغية عن مكانها. وكانت أسر حاكمة أمازيغية هي التي قررت تعريب لغة الإدارة لضمان التواصل مع سكان إمبراطورية شاسعة يسيطرون عليها تمتد حتى طليطلة شمالا وبرقة شرقا. ولهذا دعت مصلحة الحكم المتمركز غالبا في مراكش، إلى اختيار اللغة العربية كلغة تواصل مع أجزاء الإمبراطورية المغربية التي أصبحت متعددة الأعراق، وللتواصل مع أنداد تلك الأمبراطورية في المجتمع الدولي الذين كانوا بدورهم يلوذون بالعربية لأنها كانت لغة العلم والاقتصاد. ويرجع الأب صاريونانديا ظهور لهجات أمازيغية متعددة إلى تكون مجموعات سكانية صغيرة معزولة بعضها عن بعض، فتأثر لسان كل مجموعة بمن كان يجاور تلك المجموعة تبعا لكثرة أو قلة الاحتكاك مع هؤلاء الجيران. ويحصي الاختلافات القائمة بين كل لهجة وأخرى من لهجات اللغة الأمازيغية، فيذكر أنها تتمثل أولا في غنى اللغة الأمازيغية بالمفردات. وحين تفرق الناطقون بها أصبحت في هذه اللهجة وتلك مفردات دالة على نفس الأفكار ونفس الأشياء. ثم وجود كلمات مشتركة فيما بين عدة لهجات يمكن أن يكون لها معنى مختلف. ويضاف إلى ذلك أن في كل لهجة توجد حركات متميزة. وأخيرا فمن لهجة إلى أخرى يوجد اختلاف في النطق والقيمة الصوتية لحروف الأبجدية. ومن ذلك التشديد على هذه الحركة أو تلك من لهجة إلى أخرى. ويرجع الأب صاريونانديا، التغيير الذي طرأ على اللغة الأمازيغية إلى سيطرة العربية. ويلح على أن ذلك تم لفائدة لغة القرآن. كما يرجعه إلي تشبع مختلف اللهجات بتعبيرات عربية تبعا لعوامل سياسية وغيرها. إلا أن الأمازيغيين تبنوا بعض تلك التعبيرات وأخضعوها للطابع الخاص للغتهم. وفات صاحب «النحو» أن يشير إلي العكس وهو تأثر اللغة العربية المستعملة في المغرب بالصيغ الأمازيغية. ويبرز الأب صاريو نانديا أن الأمازيغية احتفظت بنحوها وصرفها وهما متشابهان في اللهجات الأمازيغية الثلاث الرائجة في المغرب. إلا أنه يسجل أن هناك فوارق فيما بينها، مما يجعل التفاهم متعذرا فيما بين المتكلمين بالريفية وأولئك المتكلمين بالسوسية وبالشلحة. ويقول إنه حتى في داخل الريفية توجد تنويعات تتجلى خصوصا في النطق. ولا يفوته أن يلاحظ أن اللهجة الريفية كانت تكتب بالحروف العربية، وهذا منتشر فيما بين السوسيين على نطاق أوسع، وهذا الانتشار مرتبط بعدد المتعلمين. ويشير أخيرا إلى مسألة التدوين بالتيفيناغ وهي الأبجدية الفنيقية، التي يشير إلي بعض جوانب القصور فيها. ويشرح في الأخير أن هناك ضرورة لتعلم الريفية بالنسبة للإسبانيين، وينص خصوصا على ما يلي: «إن بلادنا فقدت كل مستعمراتها فيما وراء البحار، وهذا ما يجعل الأمل يتركز على جنوب المضيق، خاصة وقد اعترفت لنا اتفاقيات حديثة العهد بأن لنا منطقة نفوذ في المغرب. وهناك رغبة شعبية عامة في التوسع التجاري بإفريقيا، وأصبح من المهم بالنسبة لنا دراسة اللغات المستعملة في هذا البلد، وذلك هو السبيل لممارسة النفوذ. وهو شرط لا مناص منه لإقامة علاقات مع الأهالي، ولكي ندخل إلى القارة الإفريقية منتجات صناعاتنا، والتعرف على أسرار جيراننا، كما أن هذا هو السبيل إلى التسلل السلمي» في المغرب وذلك من خلال الصداقة والتجارة».