صدرت طبعة جديدة من الترجمة العربية لكتاب «المعرفة والسلطة في المغرب.. صور من حياة مثقف من البادية في القرن العشرين» للباحث الأمريكي أف أيكلمان، حيث اختار الزاوية الشرقاوية بأبي الجعد موضوعا لبحثه الأكاديمي بعدما اطلع على مرجع بريطاني قديم تناولها بإيجاز باعتبارها مركزا دينيا، ومن خلال هذه العوالم سيرصد سيرة جمعية للزاوية تستنطق حضور العلماء والفقهاءونفوذهم في الحياة الاجتماعية لسكان الأرياف. صدرت للباحث الأمريكي ديل أف أيكلمان طبعة جديدة من الترجمة العربية لكتاب «المعرفة والسلطة في المغرب.. صور من حياة مثقف من البادية في القرن العشرين»، وهي الطبعة الثالثة لهذا الكتاب الذي قام بتعريبه الأستاذ محمد أعفيف، ضمن منشورات مركز طارق بن زياد للدراسات والأبحاث، الطبعة الثانية، مطبعة نور كرافيكس طنجة ومطبعة النجاح الجديدة-الدارالبيضاء- سنة 2000، وقد صدر لأول مرة سنة 1985 باللغة الإنجليزية، وقدم الكتاب من طرف الأستاذ سعيد بن سعيد العلوي. وتلاه تمهيد للباحث ايكلمان ، وتعود الطبعة الجديدة والمهداة إلى ذكرى عبد الرحمان المنصوري (1949 –1995 )، عن دار مالاباطا بطنجة. ويقع كتاب المعرفة والسلطة بالمغرب في 298 صفحة ويتألف من سبعة فصول يمكن اعتبار آخرها بمثابة خاتمة للكتاب، التقديم وضعه محمد الشرقاوي مدير البحث بالمركز الوطني للبحث العلمي بجامعة باريس الخامسة السربون. يطرح ديل أف أيكلمان من خلال مؤلف المعرفة والسلطة في المغرب إشكاليات عدة جعلها موضوع دراسته، ونذكرمنها: - انهيار التعليم الديني واستمرار احترام المعرفة وتقديرها. - دور العلماء في تاريخ المغرب ومسؤوليتهم السياسية. - سبب سكوت العلماء عن دورهم في المرحلة الاستعمارية. - النفوذ الأخلاقي للعلماء ومشروعيتهم السياسية. - استيعاب التغيرات التي طرأت على التعليم الديني بالمغرب. - مفهوم المعرفة وعلاقة العارف بالمجتمع والسلطة. - التحديات المطروحة أمام العلماء في المغرب خلال القرن العشرين. - جدلية العالم القروي والعالم المديني. - محاولة فهم أوضاع المغرب، وواقعه السياسي والاجتماعي والثقافي. ما يمز منهجية أيكلمان هو تناولها للإشكاليات المطروحة عن طريق كتابة سيرة اجتماعية لقاض من البادية المغربية اعتمادا على تتبع مسار نشأته وتكوينه، بملازمته واستنطاقه عبر الحوارات المطولة، بمنهج استقرائي توثيقي، أي أن أيكلمان عمل على استغلال سيرة هذا القاضي لفتح نقاش ووضع دراسة أكثر شمولية للمعرفة والسلطة بالمغرب، ومما يميز دراسة هذا النوع الأدبي خلافا للعديد من الدراسات الحضور القوي لذات الباحث ليس فقط على مستوى الصوت الإثنوغرافي، ولكن كذلك على مستوى معاينة الشخصية والأحداث، وتواجده كعنصر بارز في السيرة الاجتماعية للحاج عبد الرحمان المنصوري. وحول هذه المنهجية المتبعة في الكتاب، قال إيكلمان في حوار خص به وكالة المغرب العربي للأنباء:«إنها ليست أمريكية بالضرورة بل إن أول من نادى بها هو الباحث النمساوي منهايم المتوفى في أواسط القرن العشرين والذي ركز على الدور الاجتماعي للمثقفين في الأرياف وخاصة منهم الفقهاء والعلماء. وأوضح إيكلمان أن هذه المنهجية تفرض نفسها لما يكون الموضوع غير معروف في الأوساط العلمية، وتصعب بالتالي مقاربته وتقديمه بالطريقة الأكاديمية المعروفة (الإحصائيات مثلا) بل يكون من الأجدى نقل الصور الحياتية على لسان مثقفين بالبادية. وأشار الباحث الأمريكي إلى أن الهدف يتمثل في «طرح أسئلة على هؤلاء المثقفين من أجل التأسيس للإجابات التي تحيل على أسئلة أخرى» ثم «فسح المجال أمام باحثين جدد من أجل القيام بدراسات تكميلية في الموضوع ذاته» من أجل إثرائه. وأكد ديل إيكلمان في نفس الحديث أن العديد من الباحثين والكتاب صاروا يولون اهتماما أكبر لهذه المناقشات حول وجهات نظر مثقفين وفقهاء وعلماء في البادية ومدى تأثيرهم في المجتمع الذي يعيشون فيه وتأثرهم به، معربا عن ارتياحه للاهتمام الذي صار يوليه عدد من الباحثين لدور الدين في تغيير المجتمعات. وقال في هذا الصدد «إن منهجيتي في الدراسات الأنثربولوجية تمثلت على الدوام في السعي إلى محاورة مثقفين وفقهاء في البوادي والمدن الصغيرة والنائية، وفي الابتعاد ما أمكن عن محاورة المثقفين العصريين في المدن الكبرى لارتباطهم غالبا بإيديولوجيا معينة وغلبة اللغة الفصيحة على اللغة الشعبية في أحاديثهم». لكنه استطرد قائلا حسب نفس المصدر «إن كل أسرة مغربية لها امتدادات في المدن الصغيرة والقرى والبوادي وأقارب داخل الوطن وخارجه مما يجعل اللسان المغربي ينتقل بين عدة لهجات ولغات واشتقاقات لغوية معقدة في سهولة ويسر». وعن اختياره المغرب موضوعا لبحثه الأنثربولوجي بعد تخصصه الأكاديمي في الشرق الأوسط، أوضح إيكلمان أنه فضلا عن طموحه الشخصي لتحقيق ريادة وسبق في مضمار ما، فإن أستاذه في العلوم الاجتماعية كليفورد غيرتز وعددا من طلبته اختاروا المغرب، وخاصة مدينة صفرو ومناخها المعرفي، قبل أن يكتشف المملكة بعدما استعصى عليه الأمر في كل من العراق ومصر حين قصدهما عام 1968.