دروس وعِبر للمستقبل.. الكراوي يقارب 250 سنة من السلام بين المغرب والبرتغال‬    أخنوش: فقدنا 161 ألف منصب شغل في الفلاحة وإذا جاءت الأمطار سيعود الناس لشغلهم    طنجة.. توقيف شخص بحي بنكيران وبحوزته كمية من الأقراص المهلوسة والكوكايين والشيرا    عمره 15 ألف سنة :اكتشاف أقدم استعمال "طبي" للأعشاب في العالم بمغارة الحمام بتافوغالت(المغرب الشرقي)    "المعلم" تتخطى مليار مشاهدة.. وسعد لمجرد يحتفل        الإسبان يتألقون في سباق "أوروبا – إفريقيا ترايل" بكابونيغرو والمغاربة ينافسون بقوة    انعقاد مجلس الحكومة يوم الخميس المقبل    أخنوش: حجم الواردات مستقر نسبيا بقيمة 554 مليار درهم    الجديدة.. ضبط شاحنة محملة بالحشيش وزورق مطاطي وإيقاف 10 مشتبه بهم    استطلاع رأي: ترامب يقلص الفارق مع هاريس    هلال يدعو دي ميستورا لالتزام الحزم ويذكره بصلاحياته التي ليس من بينها تقييم دور الأمم المتحدة    النجم المغربي الشاب آدم أزنو يسطع في سماء البوندسليغا مع بايرن ميونيخ    أطباء القطاع العام يخوضون إضرابا وطنيا الخميس والجمعة المقبلين    حصيلة القتلى في لبنان تتجاوز ثلاثة آلاف    سعر صرف الدرهم ينخفض مقابل الأورو    البحرية الملكية تحرر طاقم سفينة شحن من "حراكة"    استنفار أمني بعد اكتشاف أوراق مالية مزورة داخل بنك المغرب    الجفاف يواصل رفع معدلات البطالة ويجهز على 124 ألف منصب شغل بالمغرب    المعارضة تطالب ب "برنامج حكومي تعديلي" وتنتقد اتفاقيات التبادل الحر    «بابو» المبروك للكاتب فيصل عبد الحسن    تعليق حركة السكك الحديدية في برشلونة بسبب الأمطار    في ظل بوادر انفراج الأزمة.. آباء طلبة الطب يدعون أبناءهم لقبول عرض الوزارة الجديد    إعصار "دانا" يضرب برشلونة.. والسلطات الإسبانية تُفعِّل الرمز الأحمر    الجولة التاسعة من الدوري الاحترافي الأول : الجيش الملكي ينفرد بالوصافة والوداد يصحح أوضاعه    رحيل أسطورة الموسيقى كوينسي جونز عن 91 عاماً    مريم كرودي تنشر تجربتها في تأطير الأطفال شعراً    في مديح الرحيل وذمه أسمهان عمور تكتب «نكاية في الألم»    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    مصرع سيدة وإصابة آخرين في انفجار قنينة غاز بتطوان    عادل باقيلي يستقيل من منصبه كمسؤول عن الفريق الأول للرجاء    الذكرى 49 للمسيرة الخضراء.. تجسيد لأروع صور التلاحم بين العرش العلوي والشعب المغربي لاستكمال الاستقلال الوطني وتحقيق الوحدة الترابية    أمرابط يمنح هدف الفوز لفنربخشة        متوسط آجال الأداء لدى المؤسسات والمقاولات العمومية بلغ 36,9 يوما    "العشرية السوداء" تتوج داود في فرنسا    إبراهيم دياز.. الحفاوة التي استقبلت بها في وجدة تركت في نفسي أثرا عميقا    بالصور.. مغاربة يتضامنون مع ضحايا فيضانات فالينسيا الإسبانية    أطباء العيون مغاربة يبتكرون تقنية جراحية جديدة    مدرب غلطة سراي يسقط زياش من قائمة الفريق ويبعده عن جميع المباريات    عبد الله البقالي يكتب حديث اليوم    تقرير: سوق الشغل بالمغرب يسجل تراجعاً في معدل البطالة    "فينوم: الرقصة الأخيرة" يواصل تصدر شباك التذاكر        فوضى ‬عارمة ‬بسوق ‬المحروقات ‬في ‬المغرب..    ارتفاع أسعار النفط بعد تأجيل "أوبك بلس" زيادة الإنتاج    استعدادات أمنية غير مسبوقة للانتخابات الأمريكية.. بين الحماية والمخاوف    الكاتب الإسرائيلي جدعون ليفي: للفلسطينيين الحق في النضال على حقوقهم وحريتهم.. وأي نضال أعدل من نضالهم ضد الاحتلال؟    عبد الرحيم التوراني يكتب من بيروت: لا تعترف بالحريق الذي في داخلك.. ابتسم وقل إنها حفلة شواء    الجينات سبب رئيسي لمرض النقرس (دراسة)        خلال أسبوع واحد.. تسجيل أزيد من 2700 حالة إصابة و34 وفاة بجدري القردة في إفريقيا    إطلاق الحملة الوطنية للمراجعة واستدراك تلقيح الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة بإقليم الجديدة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    وهي جنازة رجل ...    أسماء بنات من القران    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القادة: أسرار ماقبل وبعد أزمة الخليج 1/2
نورييغا يهدد مصالح أمريكا
نشر في العلم يوم 06 - 02 - 2009

لا يكشف كتاب «القادة، أسرار ما قبل وبعد أزمة الخليج» بوب ودوورد، والذي ترجمه الى اللغة العربية عمار جولاق ومحمود العابد، وراجع الترجمة علي لرمان، وصدر عن دار الجيل في بيروت، «أسرار» من أزمة الخليج بمقدار ما يكشف (طرائق تفكير «القادة» الأمريكان وطبيعة نظرتهم الى أنفسهم والى غيرهم، ويستطيع القارئ أن يتعرف الى الدوافع الحقيقية وراء ما حدث.
والكتاب في مجمله يمثل رواية أمريكية غير محايدة.
والمترجم يعرب عن عدم موافقته على كثير مما ترجمه، ومع ذلك يستميح القارئ عذرا بإيراد بعض فقرات مما ورد في هذا الكتاب: هناك دائما غموض تاريخي حول الأحداث كما هو الحال في أحداث بنما أو حرب الخليج.
موظفو الحكومة الأمريكية طبعا هم بالطبيعة متحفظون على ما عندهم من معلومات.
تشيني: «لايستطيع أحد أن يزعم أنه على قدر منصب وزير الدفاع».
« إن للرئيس الأمريكي تاريخا حافلا بأعمال سياسية انتقامية، وإن من يخالف الرئيس يدفع الثمن».
هيربتس مساعد سابق لوزير دفاع أمريكي: «الجهاز برمته أي جهاز البيت الأبيض والبنتاغون تديره عصابة».
«المخابرات المركزية لاتصلح له أي لباول لأنها منحدرة أخلاقيا».
«وهو مثل عميل مخابرات، كان يجزئ المعلومات التي يقدمها للآخرين بحيث تكون متكاملة في دماغه هو فقط». المقصود بالكلام بوش.
غلاسي مخاطبة صدام: «ليس لدينا أي خيار فيما يخص الصراعات العربية العربية مثل اختلافك الحدودي مع الكويت».
تشيني: «نحن في الحقيقة نأخذ بجدية أي تهديد للمصالح الأمريكية أو للأصدقاء في المنطقة».
«إن المزاوجة بين القوة العسكرية العراقية المكونة من مليون جندي مع 20% من نفط العالم يمثل تهديدا كبيرا».
هذا غيض من فيض ما يعتمل في صدور «القادة»، وإذا كان مؤلف الكتاب قد تتبع كيفية اتخاذ القرار العسكري الأمريكي، فإنه أغفل عن عمد «العناصر السياسية» التي أثرت في ذلك القرار، كما نبه الى ذلك المترجم.
استراتيجية باول
فالكتاب يتضمن، إذن، متابعة لصنع القرار العسكري الأمريكي خلال الثمان مائة يوم من انتخاب جورج بوش رئيسا حتى بداية حرب الخليج.
تتركز أبحاث المؤلف بشكل رئيسي على البنتاغون في عهد بوش، لكنه قام أيضا بمقابلات مع وزراء دفاع وموظفين كبار سابقين يعودون حتى عهد إدارة كنيدي، إن الاقتراب السريع لنهاية الحرب الباردة جعل البعض يفكر بفترة هدوء للعسكريين، وكانت هذه فرصة للمؤلف لمحاولة فهم التعقيدات الخفية لدوائر وزارة الدفاع. ولكن غزو بنما (1989) وأزمة الخليج (1990) غيرت ذلك كله. يقول: «كل المعلومات تقريبا جاءت من مقابلاتي مع أشخاص مرتبطين مباشرة بالقرارات. لقد قابلت 400 شخص في 27 شهرا، والمصادر الرئيسية كانت إدارة وموظفي البنتاغون مدنيين وعسكريين.
بالنسبة لعملية الخليج، كان باول مستشار الأمن القومي سابقا يدعم استراتيجية الاحتواء ، ولكنه كانت لديه أوامر فلم يعد يلقي بالا «للاحتواء» فالرئيس كان قد قرر بشكل مطلق بناء الخيار العسكري. وتفرغ رئيس هيئة الأركان لتجهيز قوة عسكرية فعالة. وتذكر باول كيف أنه عرض على الرئيس كل الخيارات الممكنة في الخليج بما فيها احتواء العراق ليتأكد أن كل الاحتمالات قد درست «لقد كان الأمر صعبا». وفي الشهر الذي سبق، كان باول يكتب بعض الملاحظات لنفسه عن استراتيجية الاحتواء واستخدم المصطلح «الخنق» وهي كلمة أشد من «الاحتواء» وهي تشير الى الحصار وكل الضغوطات التي مورست على صدام حسين وقد أخذ تلك الملاحظات الى تشيني مرتين ثم الى مستشار الأمن القومي برنت سكاو كروفت، والى وزير الخارجية جيمس بيكر.. وأخيرا لما سأل باول الرئيس: «الى أين تريد أن تصل، إنني في كل أسبوع أفعل المزيد من حشد القوات».
أجاب بوش مشيرا الى سياسة «الاحتواء»: لا أعتقد أن هناك وقتا لتلك الاستراتيجية.
نورييغا يهدد مصالح أمريكا
كان «كراو» قد مل من بنما التي لم ينجح معها شيء، لا إدانات وزارة العدل لنورييغا لتورطه في تجارة المخدرات عام 1988، وفشل المفاوضات حول إسقاط تلك التهم إن تخلى نورييغا عن السلطة، ولا محاولات المخابرات المركزية للإطاحة به. وكان كراو يواجه مشكلة حقيقية مع اليوت إبرامز مساعد وزير الخارجية لشؤون الأقطار الأمريكية في عهد ريغان والذي كان يصف كراو بالجبن لأنه اعترض على استخدام القوة للإطاحة بنورييغا.
كان كراو يتشكك في استخدام القوة المطلقة وليس فقط في بنما. كان يعرف أن للرؤساء أفكارا مبالغا فيها وطموحات في مسألة استخدام القوة لتحقيق الأهداف كان كراو يعتقد أن الحرب عملية قذرة غير مضمونة وليست أداة من أدوات السياسة الخارجية. كان يؤمن بالقيام بخطوات قصيرة ومضمونة. وكانت أول عملية في عهده هي قصف ليبيا سنة 1986 التي استغرقت بضع دقائق وكان كراو قد أيد استخدام الأسطول الامريكي لحماية ناقلات النفط الكويتية في الخليج.
مع أن كراو كان يشكك في حكمة اختطاف نورييغا، كان لابد أن يفكر في الأمر جيدا وأن عليه قبل الخروج باستنتاجه الخاص، أن يحاول فهم ما الذي يريده تشيني بالضبط. كان كراو يشعر أنه لم يغلق بعد تلك الفجوة بينه وبين تشيني، وأنه لم يعرف الرجل جيدا بعد، وفي إحدى النقاشات الخاصة قال تشيني: «أتعرف أن للرئيس تاريخا حافلا بأعمال سياسية انتقامية» وأضاف أن من يخالف الرئيس يدفع الثمن وذكر أسماء بعض الضحايا وقال: إن بوش له ذاكرة قوية، وعليك أن تكون حذرا.
وقال كراو لنفسه: «يالها من فكرة مهمة» بوش له ذاكرة قوية وعليك أن تكون حذرا. لقد سقط قناع تشيني للخطة، هل كان يقصد ذلك هل كان تحذيرا لكراو؟ أم تذكيرا لتشيني نفسه؟
لم يكن كراو متأكدا، ولكن الواضح أن تشيني كان خائفا من بوش.
كان تشيني مصرّا في أوّل شهرين من منصبه على أن يطلع على احتمالية الردّ الانتقامي على عملية تفجير الطائرة الأمريكية فوق سكوتلاندا وقتل 270 شخصا.. كان الاشتباه يدور حول ليبيا وسوريا وإيران، وقد وافق على خطط انتقامية في حال ثبوت التهمة على إحداها، وبالرغم من هذه الدلالة المبكرة على رغبة تشيني في استخدام القوة فإن كراو لم يكن متأكدا من آراء الوزير في قضية اختطاف نورييغا.
وذكر كراو لتشيني في إحدى الجلسات أن هذه العملية خطيرة وليست حكيمة بالضرورة، درس تشيني الاحتمالات جميعها، وقال ، إنه بفضلها إن لاحت الفرصة وإن كان هناك استطلاع جيد لتحركات نورييغا، أو إن قام بشيء استفزازي علني، ولكن لا يحبذها إن كان لها سلبيات سياسية..
بعد أن أنهى تشيني وكراو العمل في التنسيب للرئيس بوش بنشر قوات معلن، بالإضافة إلى إرسال سري لفرقة من دلتا وجزءا من فريق سيل 6 ووافق بوش، ظهر الرئيس ذلك المساء أمام الصحافة في البيت الأبيض ليعلن أنه سيرسل 1881 جنديا أمريكيا إلى بنما، وعند سؤاله إن كان يفضل انقلابا ضد نورييغا، راوغ قائلا: «لقد أوضحت أن اهتمامي الأوحد هو الديمقراطية وحماية أرواح الأمريكان في بنما».
سئل سكاوكروفت في موجز أنباء عما ستفعله القوات الأمريكية إزاء تزوير الانتخابات قال: «لا أذكر أن الرئيس قال: إن القوات الأمريكية ستعيد الديمقراطية فإرسال القوات هو ببساطة، خطوة احتياطية حكيمة.
وكان الرمز للعملية هو «نيمرود دانسر» وكانت تتكون من 1716 جنديا و 165 جنديا من مشاة البحرية.
وأعطى تشيني في اليوم التالي موافقته الرسمية على الجزء السري من العملية، تم إخبار أغلب الأشخاص المطلعين على العملية أن القوات الخاصة أرسلت لوجود احتمالية خطف رهائن وبما أن نورييغا وكتائب الكرامة قد تفعل أيّ شيء للأمريكان في بنما، فإن القيام بعملية معقدة لإنقاذ الرهائن هو خطوة احتياطية حكيمة.
ركب بوش الطائرة وتوجه إلى المسيسبي لإلقاء خطاب حفل تخريج، فاستدعى المراسلين المسافرين معه إلى غرفته وقال لهم: إن المشكلة ليست مع جنود بنما وإنما مع نورييغا وقرصنته، وفي أقوى تعليقاته العلنية طلب بوش من الشعب البنمي أن يطيحوا بنورييغا. وقال : «يجب أن يفعلوا كل ما يستطيعون لإخراج السيد نورييغا من هناك» كان شيئا غير عادي أن يطالب رئيس دولة بانقلاب في دولة أخرى، ويعلن بجرأة عن إباحة مطاردة زعيم أجنبي، وعندما سئل فيما إذا كان هنالك أي حدود لكلامه قال: «لا، لن أضيف كلاما حذرا».
بعث كراو إلى الجنرال وورنر رسالة سرية شخصية تقترح أن يقوم الجيش الأمريكي بعمل تدريبات جديدة في بنما. وفي مكالمة على الخط السري أخبر كراو وورنر بأن الرئيس بوش قد وافق على التدريبات وحذر كراو ووزينر قائلا: «ولكن إياك أن تقوم بأي عمل استفزازي»
كان وورنر قد تعود على تنفيذ سياسات إيحائية خفية تتعلق ببنما، وفسر تعليمات كراو على أن القيادة يجب أن تثير الخوف وتظهر التصميم وتزرع الشكوك في عقد نورييغا حول نوايا الولايات المتحدة ولكن لا تجر القوى الوطنية البنمية إلي رد فعل مسلح. هناك خيط دقيق بين المسألتين.
وبالنسبة لتشيني إذا وقعت الواقعة في بنما فإن لدى الولايات المتحدة خيارين: الأول: تنفيذ عملية «بلوسبون» الهجومية. والثاني: اختطاف نورييغا، لكن وورنر متحفظ على كليهما، ويبدو أنه لن توجد الظروف التي تجعله يتحمس لأي منهما.
وصلت إلى تشيني تقارير استخباراتية جاءت من مصدر تابع لمكتب التحقيقات الفدرالية تقول: إن لورد المخدرات الكولومبي بابلو غافيريا، البليونير الذي يترأس اتحاد ميدلين موجود في بنما وربما يخطط لنقل قاعدة عملياته هناك. وكان إيسكوبار حسب تصنيف مجلة فور تشيني أحد أغنى عشرة رجال في العالم وهو زعيم عالمي للتصنيع غير القانوني للمخدرات. وتقول التقارير الاستخباراتية إنه من الواضح أن إيسكوبار يعتقد أن نورييغا يستطيع أن يقدم له حماية أكثر من كولومبيا حيث يظهر المسؤولون جدية أكثر في محاولة القضاء علي سادة المخدرات. واعتقد تشيني أنها أخبار ممتازة خصوصا أن التقارير الاستخبارية من تلك المنطقة هي في أحسن أحوالها منقطعة. كان من المقرر أن تعلن الحكومة عن خطة شاملة لحربها ضد المخدرات، وكان الرئيس سيلقي خطابا إلى الشعب حول هذا الموضوع وشعر تشيني بالحاجة الشديدة ليقوم بشيء ما للمساعدة في مشكلة المخدرات. فقد كان يرى خيبة أمل بوش في حالة تزايد، وكان هناك مؤشر على أن الحكومة تتوجه نحو شنّ الحرب على المخدرات وجاء هذا المؤشر من خلال رأي قانوني صدر عن وزارة العدل يتكون من تسع وعشرين صفحة، ويقول هذا الاجتهاد القانوني
أن الرئيس يملك الصلاحية القانونية لتوجيه المحققين الفدراليين لاختطاف شخص هارب يقيم في بلدي أجنبي إذا انتهك القانون الأمريكي، وأضاف أن بالإمكان القيام بهذا حتى لو كان مخالفا للقانون والأعراف الدولية.
وقد جاء هذا الرأي مخالفا لرأي حكومة كارتري عام 1980 القائل بأن التحقيقات الفدرالية لا تستطيع تنفيذ القوانين الأمريكية خارج حدودها.
ويمكن تطبيق هذا الاجتهاد القانوني على إيكسوبار ونورييغا. كانت معلومات التحقيقات الفدرالية الجديدة حول تحركات إيسكوبار ضربة حظ جاءت في وقتها، مما دفع تشيني الى الطلب من كراو أن يرى فيما إذا كانت هيئة الأركان المشتركة تستطيع أن تخرج بشيء يدعم الجهود الرامية الى القبض على إيسكوبار. ومع أن الجيش لايستطيع أن يقوم بمثل هذه الاعتقالات إلا أن تشيني شعر أن قواته تستطيع أن تقدم مساعدة كبيرة.
وافق الرئيس على خطة مؤقتة عرضها تشيني والمدعي العام ريتشارد ثورنبرغ للقبض على إيسكوبار، وكانت المرحلة الأولى وضع عيون على الأرض للقيام بمراقبة تكتيكية للموقع الذي كان يختبئ فيه إيسكوبار والذي يبلغ به عميل التحقيقات الفدرالية، ويمكن لوحدة عمليات خاصة موجودة حاليا في بنما أن تقوم بهذا العمل بحيث تؤكد معلومات مصدر التحقيقات الفدرالية، وعندها يتم الخطف بسرعة مع قيام الجيش بتوفير المخابرات والاتصالات والحماية، أما الاعتقال نفسه فيتم على يد التحقيقات الفدرالية أو عملاء وكالة مكافحة المخدرات الذين يرافقون الفريق . وقد تم تقديم ثلاث حجج للقيام بالعملية أولها: أن اعتقال إيسكوبار سيكون نصرا كثيرا في حرب المخدرات لأنه سيقول لتجار المخدرات أن بنما لن تكون محمية آمنة لهم. وثانيا: ستثير الرعب في قلب نورييغا الذي سيأخذ في الحسبان أنه الهدف التالي. وثالثا: يعطي كتاب خطابات البيت الأبيض أمثلة واضحة بل ومذهلة عن نجاحات الحرب على المخدرات من أجل تضمينها في خطاب الرئيس المقبل؟
ولم تبدأ العملية فقد كان مخبر التحقيقات الفدرالية على اتصال غير منتظم وكان قد قدم معلومات عامة عن مكان وجود إيسكوبار، وبحثت بعثة العمليات الخاصة عن البيت ولكنها لم تستطع أن تعثر عليه، كما كان هنالك دليل على أن التقرير الذي أفاد أن إيسكوبار في بنما قد اختلقه مكتب التحقيقات الفدرالية للإيقاع بتجار المخدرات الآخرين!
تضايق تشيني لأنهم لم يستطيعوا أن يوفروا مخابرات دقيقة التوقيت، تأمر هيئة الأركان بزيادة قدرتها الاستخباراتية.
ولأنه لم يتم تنفيذ اعتقال إيسكوبار فقد كانت هنالك فجوة في خطاب الرئيس المقرر حول الحرب على المخدرات ولكي يملأوا هذه الفجوة طلب مساعدو بوش من وكالة مكافحة المخدرات أن تغري مشبوها بتجارة المخدرات وتجره الى عملية بيع في منتزه لافييت الذي يقع على بعد أمتار مقابل باب الرئيس.
ورفع الرئيس أمام المشاهدين حقيبة بلاستيكية مشموعة وقال: «هذه شحنة كوكايين ضبطها عملاء وكالة مكافحة المخدرات قبل بضعة أيام في منتزه يقع في الشارع الذي يقابل البيت الأبيض، وهي تبدو بريئة وكأنها تحوي حلويات، ولكنها تحول مدننا الى ساحات قتال، وهي تقتل أطفالنا».
لكن ما لبثت صحيفة الواشنطن بوست أن كشفت أن عملية بيع المخدرات كانت مرسومة وكان أمرا محرجا للإدارة. ثم عادت الأضواء وتسلطت على نورييغا وهو رمز بغيض للعجز الأمريكي أمام تجارة المخدرات!
القوات الأمريكية تغزو بنما وتعتقل نورييغا
قرر القادة تنفيذ خطة «بلوسبون». كانت خطة معقدة بشكل لايصدق وتتطلب دقة كبيرة. إذ يمكن لخطأ واحد أن يحدث سلسلة من الأخطاء تماما مثل كومة على طريق سريع للسيارات.
كان من المقرر أن تغادر طائرات اف 117 أي (ستيلث) قاعدة نيفادا في الولايات المتحدة لتقوم بقصف القاعدة الرئيسية لقوات الدفاع البنمية في ريوهيتو وذلك قبل دقيقة واحدة من إنزال جنود المشاة الجوالين في تلك المنطقة. وهذان توقيتان متقاربان جدا، فأي تأخير في عملية القصف الجوي أو إنزال مبكر للجنود معناه حدوث كارثة، وستكون هناك فترة عشر دقائق تقوم خلالها مدافع السفن من نوع إي سي 30 بعملية الإعداد أي تدمير مبنى الكوماند انسيا قبل أن تهاجمه المشاة.
وتساءل باول فيما إذا كانت مجموعات رجال البحرية مرتبطة مع بعضها وفق نظام اتصالات محكم وفيما إذا كانت مندمجة بشكل كامل مع بقية عناصر الخطة.
وأسئلة أخرى: أين كان نورييغا؟ هل علم شيئا ما؟ هل سيشك بأي شيء؟هل سيكتشف مكانه؟!
بعد أن بدأت العملية العسكرية، استمر تشيني في تزويد بوش بالمعلومات المستجدة كل نصف ساعة: لقد تم تحويل الكوماند انسيا الى ركام، وتم تحقيق الأهداف العسكرية الرئيسية، والقضاء على معظم المقاومة المنظمة لقوات الدفاع البنمية.
لكن ظهرت انتقادات للعملية في الصحافة نتيجةالفشل في القبض على نورييغا إضافة الى مشاكل أخرى بما فيها اندلاع أعمال السلب والنهب في بنما سيتي كانت هذه هي أسوأ أيام باول. كانت قضية نورييغا المراوغ الطليق أعظم قضية أساءت الى العملية، فأعلنت الولايات المتحدة عن جائزة مقدارها مليون دولار لمن يقبض عليه آملة في أن يقدم على ذلك أحد أفراد قوات الدفاع البنمية، أو مواطن بنمي تواق الى إنهاء حكم نورييغا.
وبدأ باول يشير الى القبض على نورييغا على أنه «آخر شيء» مثير للأعصاب، واستمر التأكيد بأنه تم القضاء على نورييغا كقائد، وبرزت في مخيلته عملية مطاردة نورييغا الهارب وكأنها إحدى الحملات الصليبية!
بعد ذلك وصلت سيارة إلى مقر إقامة ممثل الفاتيكان في بنما، وهو السفير البابوي، وخرج نورييغا من السيارة لابسا قميصا بنصف أكمام ، وواضعا في كتفيه بندقيتين نصف آليتين من نوع إي كي 47، ثم دخل إلى مبنى السفارة البابوية وطلب حق اللجوء السياسي.
أدرك باول أن ذلك لايحل المشكلة إطلاقا، إذ أن باستطاعة نورييغا البقاء في مقر الإقامة مدة غير محدودة من الزمن، مسببا بذلك أزمة دبلوماسية بعد ذلك خرج نورييغا من السفارة البابوية في زيه العسكري وسلم نفسه لأفراد قوة دلتا ثم أخذ يصرخ ويشتم السفير البابوي الذي كان يقف بجواره عندما وضعت القيود حول معصميه. كان واضحا أن نورييغا قد توقع أن يعامل كرئيس دولة، أو كأسير حرب، وهاهو الآن يلوم السفير البابوي لخداعه إياه.
أما عدد الإصابات، فقد نشرت القيادة الجنوبية أرقاما أولية عن عدد الموتى في العملية : 314 عسكري بنمي، 202 مدني بنمي، 23 جنديا أمريكيا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.