رغم تأكيد بيان رئاسي سابق، على أن مسألة التغييرات المستمرة في جهاز الاستخبارات الجزائرية، أملته ظروف المرحلة، وقد جاء تنفيذا للإصلاحات التي وعد بها الرئيس بوتفليقة، إلا أن الوتيرة المتسارعة في تنحية عدد من الضباط المحسوبين على الرجل القوي سابقا في الجهاز الجنرال توفيق، ووضع آخرين تحت الرقابة القضائية ومنع البعض من السفر، يطرحان مجددا تساؤلات عدة حول خلفية ودلالات التغيير الذي لا زال يلفه الكثير من الغموض. وكشفت مصادر مطلعة أن الحديث عن تصفية المدير السابق لجهاز الاستخبارات الجنرال توفيق، يتخطى التنحيات التي طالت عددا معتبرا من الضباط السامين في المؤسستين العسكرية والأمنية، وإحالة البعض منهم القضاء أو المنع من السفر، إلى تصفية طالت عددا معتبرا من الضباط المدنيين الذين كانوا يشغلون مناصب حساسة في مؤسسات مختلفة في الدولة. وأضافت نفس المصادر، أنه بغض النظر عن 24 لواء وعميدا الذين زحزحوا من مواقعهم تحت طائلة التقاعد أو إنهاء المهام، فإن ضباطا آخرين تمت تنحيتهم بعيدا عن اهتمامات وسائل الإعلام والرأي العام، بما أنه تم الاستغناء عنهم في حركة رؤساء الدوائر والمحافظين ومديرين ومسؤولين سامين في مؤسسات مدنية، كانوا يشغلون مناصب تمويهية ويحظون بحماية الجنرال توفيق. وتابعت المصادر بأن السلطة ماضية في تصفية تركة الجنرال توفيق وستطال كل العناصر والعيون التي كانت تشتغل لحسابه وتحظى بحمايته في مختلف المؤسسات، وأن عددا من الكوادر السامية وحتى الوزراء سيتم الاستغناء عنهم لاحقا، بموجب تغييرات لاحقة ستمس هؤلاء، بما في ذلك تعديلا حكوميا سيطال طاقم الوزير الأول عبدالمالك سلال قريبا، تنهي من خلالها مهام عدد من الوزراء المحسوبين ولو سرا على الجنرال. وتميزت الحركة الأخيرة التي أجراها الرئيس بوتفليقة على سلكي رؤساء الدوائر والمحافظين في شهر سبتمبر الماضي، لأول مرة في تاريخ الإدارة الجزائرية، بترقية ضباط من صفوف الشرطة لشغل مناصب رؤساء دائرة، ولم يقدم بيان التعيين أي تفسيرات، مما فتح المجال للتأويل السياسي والإعلامي، بكون العملية ردا مبطنا من بوتفليقة على تغلغل جهاز الاستخبارات في مفاصل مؤسسات الدولة، وذهب البعض الآخر إلى القول بأن الجزائر تريد استنساخ التجربة المصرية التي تعين ضباطا لشغل مناصب محافظين. وكان قرار قد سبق تنحية الجنرال توفيق، يقضي بإنهاء مهام ضباط من العيار المتوسط من جهاز الاستخبارات، كانوا يشغلون مناصب أمنية في عدد من المؤسسات الاقتصادية والخدماتية والإدارات، وسحبهم إلى مقار عملهم الرسمية في الثكنات والمراكز الأمنية، واعتبرت السلطة حينها أن مبررات تواجد هؤلاء في تلك المناصب قد انتفت، باستتباب الأمن في ربوع البلاد، بعدما عينوا فيها في منتصف التسعينات. ولا زالت إجراءات الإحالة على التحقيق أو المنع من السفر التي طالت ثلاثة من الجنرالات الذين تمت تنحيتهم، تثير استفهامات المراقبين، ولا يستبعد أن يتم الزج بهم في ملف قضية الجنرال عبدالقادر آيت أوعرابي (حسان) الموقوف بسجن البليدة، أو ملف حادثة زرالدة في يوليو الماضي، لاسيما وأن الأمر يتعلق بمدير الأمن الرئاسي الجنرال جمال كحول مجدوب، ورئيس الحرس الجمهوري الجنرال أحمد ملياني، وقائد جهاز الدرك الوطني الجنرال أحمد بوسطيلة. وكان رأي الجنرال توفيق حاسما في تعيين أو تنحية أي مسؤول، وفي أي مؤسسة مهما كانت أهميتها، فإلى جانب دائرة التحقيقات الشخصية التابعة سابقا لجهاز الاستخبارات، فإن الرجل وعلاوة على نتائج تحقيقات الدائرة المذكورة، كان صاحب حصة في عزل أو تعيين مسؤولي المؤسسات والهيئات الإدارية، ويزاحم في ذلك صلاحيات رئاسة الجمهورية. وإن شقت التغييرات صفوف الطبقة السياسية إلى رافضين ومحذرين ومرحبين ومؤيدين وفق استقطاب المعارضة والموالاة، فإن شخصيات عسكرية وأمنية سابقة أقرت بالغموض الذي يلف القضية، على غرار ما صرح به مؤخرا وزير الدفاع السابق الجنرال خالد نزار، الذي قال في تصريحات صحفية بأن الغموض يكتنف تنحية الجنرال توفيق، ولم يتوان بالإشادة بدور وكفاءة الرجل في إدارة أخطر مؤسسة في ظروف جد حساسة مرت بها الجزائر في حقبة التسعينات. في هذا السياق، يرى مراقبون في الجزائر بأن تزامن القرارات المتخذة في الأسابيع الأخيرة ضد عدد من الشخصيات العسكرية، مع تصريحات مدير ديوان الرئاسة، الداعية إلى التزام كل طرف بحدوده وعدم استمرار الدولة في دور المتفرج، يؤشر إلى تصعيد غير مسبوق في لهجة السلطة تجاه من يعارضها، لا سيما من المحسوبين على الجنرال السابق. وكانت السلطة قد أوقفت منذ أسابيع الجنرال المتقاعد حسين بن حديد، وأحالته على التحقيق في شأن التصريحات التي أدلى بها لعدد من وسائل الإعلام، وانتقد خلالها حركة التغييرات، ووصف المستشار وشقيق سعيد بوتفليقة ب"المختل عقليا"، واتهمه ب"مصادرة القرار الرئاسي، وإدارته شؤون البلاد خلف الستار نيابة عن أخيه، ووقوفه وراء تنحية الجنرال توفيق وباقي الجنرلات، بسبب إعاقتهم لطموحاته السياسية".