يعد حدث إقالة الفريق محمد مدين، الملقب ب"التوفيق"، أبرز حدث استثنائي تعرفه الجزائر ما بعد المصالحة، بل وأكبر إنجاز يتمكن من تحقيقه الرئيس الجزائري المقعد عبد العزيز بوتفليقة. فقد ظل الفريق التوفيق لغزا محيرا للجزائريين! فالرجل لا يظهر على الإطلاق! فقط اسمه وجهازه القوي هو الذي يتكرر ويفرض له رنة وشنة. بل حتى الصورتين اليتيمتين اللتين تتداولهما وسائل الإعلام منذ سنوات محل تشكيك في كونهما ليستا له! فبمجرد ذكره ترتعد فرائص أعلى رتبة في الجيش مهما بلغ حجم النياشين التي قد تتوسمها والمراتب التي تتقلدها. وزاد من صيت وسطوة الرجل مكوثه الأسطوري على رأس الجهاز منذ بداية التسعينيات، وخوضه للحرب القذرة بتعبير الضابط الجزائري لحبيب سوايدية… ولربما أدرك الفريق مدين أن أيامه قد تكون معدودة باستقدام الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في أبريل 1999 وإبرامه لاتفاق استلام السلطة مع المؤسسة العسكرية بعد طبخ الانتخابات طبخا وانسحاب باقي المرشحين بعدما تأكدوا أنهم سيكونون مجرد أرانب سباق، وكومبارسات في مسرحية انتخابية محبوكة الجوانب. وقد تيقن الجنرال توفيق أن خصمه لن يكون سهل المنال أو مجرد رئيس للواجهة. فعبد العزيز بوتفليقة ثعلب قديم من ثعالب السياسة الجزائرية أيام جزائر العز والمرحلة الذهبية حين كانت للجزائر مكانة دولية وثقل دبلوماسي وازن. في هذا الملف سوف نرصد مسارات الرجل الغامض الجنرال محمد مدين الملقب ب"توفيق"، ومعه مسار جهاز المخابرات العسكرية DRS، مستشرفين مستقبل الجهاز عقب تعيين الجنرال عثمان طرطاق خلفا للجنرال توفيق. من حماية الثورة إلى تأمين حكم آل بوتفليقة يعود تأسيس جهاز المخابرات الجزائرية إلى سنوات الثورة التحررية؛ إذ في عام 1957 قررت قيادة الثورة تكليف عبد الحفيظ بوصوف بتأسيس جهاز للمخابرات لحماية الثورة ومنع أي اختراق محتمل. في 1962 وعقب ما عرف بانقلاب مجموعة حرس الحدود بقيادة الهواري بومدين، والتي نصبت أحمد بن بلا واجهة سياسية تمت الإطاحة بعبد الحفيظ بوصوف، الذي كان مواليا للحكومة المؤقتة. وهكذا استلم الجهاز العقيد هواري بومدين. ولأن هذا الأخير كانت له العديد من المهام السياسية الأخرى، فقد اختار أن يكون ساعده الأيمن قاصدي مرباح، الذي سيتسلم الجهاز بدوره بداية من عام 1965 أي عقب الانقلاب على الرئيس أحمد بن بلا، وتنصيب هواري بومدين رئيسا للبلاد. وسيستمر قاصدي مرباح بصفته مديرا للجهاز إلى غاية الوفاة المفاجئة للرئيس الهواري بومدين في ديسمبر 1978. وأهم ما ميز مرحلة قاصدي مرباح هو الاغتيالات السياسية التي طالت عددا من كبار قيادات الثورة التحررية والقيادات التاريخية المعارضة لحكم هواري بومدين. كاغتيال محمد خيضر في 4 يناير 1967 بمدريد، واغتيال كريم بلقاسم في 18 أكتوبر 1970 بفرانكفورت.. قاصدي مرباح كان مهندس استقدام العقيد الشاذلي بن جديد وتنصيبه رئيسا للجزائر. لتكريس الهيمنة العسكرية في مقابل إقصاء الأجنحة المدنية المتصارعة على الرئاسة، والمتمثلة في كل من وزير الخارجية آنئذ والرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة، ومحمد صالح اليحياوي أمين عام حزب جبهة التحرير. ولأن الرئيس الشاذلي بن جديد لم يكن بتلك الصورة الساذجة والطيعة التي رسمتها أجهزة المخابرات، فقد أطاح مباشرة برجل الجهاز القوي قاصدي مرباح وعينه كاتبا عاما لوزارة الدفاع. فيما نصب نور الدين يزيد زرهوني على رأس الجهاز في مرحلة انتقالية دامت سنتين، من 1979 إلى غاية 1981 وهو العام الذي استلم فيه الجهاز الجنرال لكحل عياط إلى غاية 1988. ونتيجة أحداث 5 أكتوبر 1988 سيتم الاستغناء عن الجنرال لكحل عياط وتعويضه بالجنرال محمد بتشين. ولا بد من الإشارة إلى أن الرئيس الشاذلي بن جديد وبداية من 1979 سعى إلى تفكيك الجهاز إلى وحدتين رئيسيتين، أي فصل المخابرات المدنية عن العسكرية. وعقب الفوز الكاسح وغير المنتظر للجبهة الإسلامية للإنقاذ في الانتخابات البلدية ل 12 يونيو1990 إذ حصلت الجبهة الإسلامية على 953 مجلسا بلديا من أصل 1539، و32 مجلسا ولائيا من أصل 48. تمت الإطاحة بالجنرال محمد بتشين وتعويضه بالجنرال محمد مدين الملقب بتوفيق في 4 سبتمبر 1990، مع القيام بإصلاحات جذرية للجهاز، وذلك بإعادة دمج المخابرات المدنية وإلحاقها بالجهاز العسكري. والهدف كان هو محاولة التصدي للجبهة الإسلامية للإنقاذ وعرقلة زحف الإسلاميين إلى السلطة. وبذلك عايش الجهاز بقيادة الجنرال توفيق أهم المنعطفات السياسية الكبرى في تاريخ الجزائر بداية من إقرار التعددية السياسية و»الانفراج» الديمقراطي الذي عرفته الجزائر، ومعها صعود نجم الجبهة الإسلامية للإنقاذ وفوزها الكاسح في الانتخابات البلدية يونيو1990، ثم فوزها الكاسح في الدور الأول من الانتخابات البرلمانية في 26 دجنبر 1991 بما نسبته 82% وب 188 مقعدا من مجموع 231، وصولا بدوامة العنف السياسي العارم عقب انقلاب11 يناير 1992. ثم اغتيال الرئيس محمد بوضياف في 29 يونيو1992. وصولا إلى مرحلة الانسداد السياسي والبحث عن واجهة مدنية طيعة في 1994 عقب انتهاء عمر المجلس الأعلى للدولة. وبداية بالمفاوضات الفاشلة الأولى مع عبد العزيز بوتفليقة ثم المفاوضات الثانية التي أتت به في 1999 وصولا إلى مرحلة بوتفليقة وسيطرته على كل مفاصل الدولة. لقد راكم الجنرال توفيق تجربتين سياسية وتسييرية كبيرتين جعلته الماسك الوحيد بتلابيب الجهاز، إلى درجة أن جهاز DRS تحول إلى دولة داخل الدولة. علاوة على الحرص الشديد للجنرال على عدم الانجرار إلى صراعات الأجنحة مثلما حدث في 2004.
الجنرال طرطاق يرث تركة DRS مفككة الأوصال ولد الجنرال عثمان طرطاق الملقب ب»بشير» بقرية صغيرة تقع ما بين العالمة وخروب عام 1950، لينتقل بعدها إلى مدينة قسنطينة شرق الجزائر حيث تربى ودرج فيها. ثم تلقى تكوينه المهني بمدرسة الاستخبارات السوفياتية KJB على غرار باقي ضباط المخابرات العسكرية الجزائرية، إذ ولج جهاز DRS بداية من عام 1972، واشتغل كملازم بالمنطقة العسكرية الثالثة بتندوف. وفي 1990 عين مسؤولا للعمليات بالقيادة العامة (CPMI) Centre Principal Militaire d'Investigations . ومع اندلاع أحداث العنف في العشرية السوداء، كان أحد الأذرع الباطشة بالجهاز. وفي 1999 ومع وصول الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وإقرار قانون المصالحة الوطنية، أحيل على المعاش قبل أن تتم المناداة عليه في 2011 ليرأس مديرية الأمن الداخلي (la Direction de la Sécurité Intérieure (DSI التابعة حينها لجهاز المخابرات العسكرية. تولى القيادة الشخصية لعملية تيقنتورين (30 كم غرب عين أمناس)، أقصى جنوبالجزائر، في 16 يناير 2013 من أجل تحرير الرهائن، والتي انتهت بفشل ذريع ومقتل 37 من الرهائن الغربيين، ما عجل بإحالته على التقاعد من جديد، قبل أن يتم إلحاقه بقصر المرادية كمستشار لدى شؤون الرئاسة، وهي المرحلة التهييئية قبل أن يستلم زمام الأمور ب DRS. ينتظر السيد الجديد للمخابرات العسكرية عدد من الملفات الأمنية المستعجلة والساخنة، منها تهديدات داعش بالبوابة الشرقية الليبية، وكذا تهديدات الجماعات الإرهابية بجنوب الساحل ومالي تحديدا، وعلى رأسها تهديدات جماعة «بوكو حرام» التي قد تجد لها موطئ قدم بالجارتين النيجر ومالي، علاوة على عدد من الملفات الأمنية الداخلية. ويبقى الملف المغربي أسهل ملف يمكن التعاطي معه نتيجة معرفته الميدانية بالحدود المغربية الجزائرية وهو الذي عمل سنوات ذوات العدد بمنطقة تندوف بالغة الحساسية. وعموما لا ينتظر من الجنرال عثمان طرطاق إعادة هيكلة الجهاز أو حتى المساهمة في تأهيل الجهاز، لأن الرجل رجل ميدان وعمليات ميدانية، زيادة على أن DRS قد فقدت كل ثقلها وقوتها بعد إلحاق أهم أذرعها الاستراتيجية والحساسة بوزارة الدفاع.
توفيق.. الجنرال الغامض الذي حول الجزائر إلى ألغاز! مسار العلبة السوداء لجزائر الدم والمصالحة ولد محمد لمين مدين الملقب بالجنرال توفيق سنة 1939، في قنزات بولاية سطيف وسط شرق الجزائر. لينتقل في صباه إلى العاصمة بالحي العتيق باب الواد، وقبل التحاقه بالثورة التحريرية، وعلى غرار معظم قيادات الثورة انتمى لحزب الشعب الجزائري بقيادة مصالي الحاج، الذي كان ينشط تحت يافطة حركة انتصار الحريات الديمقراطية. ثم التحق بجبهة التحرير الوطني في 1957، وفي ما بعد كلف بمهمة مراقبة تحركات الشرطة الفرنسية وعمدائها بداية من 1959. وبذلك ولج وزارة «المالغ» وجهاز المخابرات تحديدا، حيث أصبح يعرف باسمه الحركي توفيق. ثم في 1961 التحق بجيش جبهة التحرير الوطني لينتقل الى الولاية الثانية بالشرق الجزائري، حيث أوكلت إليه مهمة تسهيل عملية إدخال السلاح عبر الحدود الشرقية الجزائرية. وبعد الاستقلال دخل مدرسة KJB الاستخباراتية دفعة السجاد الأحمر بموسكو، حيث تلقى تكوينا عسكريا في مجال الاستخبارات. ثم عمل مسؤولا عن الأمن العسكري بمديرية وهران مع العقيد الشاذلي بن جديد مسؤول الناحية العسكرية الثانية. وهناك تعرف على الضابط النافذ العربي بلخير ما سيكون له تأثير بالغ في مساره المهني. إذ سيعينه الرئيس الشاذلي بن جديد في 1980 قائدا للمعهد العسكري للهندسة، ثم مديرا للمديرية الوطنية لأمن الجيش أي الأمن العسكري، لكنه أبعد من طرف مدير جهاز المخابرات العسكرية لكحل عياط إلى سفارة الجزائر بليبيا كملحق عسكري ما بين 1983 إلى 1986، قبل أن يعود إلى الجزائر. في 1986 تقلد إدارة الأمن الرئاسي. ثم في 1987 عين مديرا ل DADS مديرية شؤون الدفاع والأمن خلفا للجنرال حسين بلامين، وبذلك أحكم قبضته على كل الأجهزة الأمنية شرطة؛ درك؛ الشرطة العسكرية… ومع اندلاع أحداث 5 أكتوبر 1988 وإقالة كل من الجنرال لكحل عياط وتعيين الجنرال محمد بتشين على DRS، عوض توفيق الجنرال محمد بتشين في منصبه على رأس مديرية الأمن العسكري. الأحداث المتلاحقة، وصعود نجم الجبهة الإسلامية للإنقاذ كقوة مكتسحة، دفعت الرئيس الشاذلي بن جديد إلى إعادة هيكلة الأجهزة الاستخباراتية، وعلى رأسها DRS دائرة الاستعلام والأمن، وبذلك عين محمد مدين في 4 سبتمبر 1990 على رأس هذا الجهاز الجديد القديم وترقيته إلى رتبة عميد، وتعيين الجنرال خالد نزار وزيرا للدفاع الوطني. هذا الأخير الذي سيعد رأس الحربة في انقلاب يناير 1992، ومعه ستتكون نواة صلبة من العسكر ستحمل على عاتقها محاربة الإسلاميين وتدبير الملف الأمني وحكم الجزائر من خلف الستار، مكونة من الجنرال خالد نزار وزير الدفاع، والجنرال توفيق مدير المخابرات العسكرية DRS، والجنرال محمد العماري قائد الأركان، والجنرال كمال عبد الغني مدير الأمن العسكري، والجنرال إسماعيل العماري مدير مكافحة التجسس والذراع اليمنى القوية للجنرال توفيق. والأهم من ذلك، بدء مرحلة الحرب القذرة التي أودت بحياة 200 ألف جزائري ناهيك عن 10 آلاف مفقود. وعدد من الاغتيالات والمجازر التي وجهت فيها أصابع الاتهام إلى DRS بأفرعه المتعددة. ومنها الاغتيالات التي طالت أعلى رأس في الدولة، الرئيس المؤقت محمد بوضياف، المغتال من طرف لمبارك بومعراف أحد ضباط الأمن الرئاسي. وكذا الاغتيالات الذي طالت رئيس جهاز المخابرات الأسبق قاصدي مرباح، وعدد من الشخصيات العامة. ويبقى ملف GIA الجماعة الإسلامية المسلحة، والتي كانت مخترقة على الآخر من طرف DRS والمجازر التي ارتكبتها في حق الجزائريين أهم النقط السوداء التي تلاحق الجنرال توفيق والجهاز عموما. وإن كان رجل المرحلة الميداني في التصدي للجماعات الإسلامية وتدبير الحرب القذرة هو الجنرال إسماعيل العماري بامتياز. الجنرال والرئيس ظل الجنرال محمد مدين «توفيق» ينأى بنفسه وبجهازه عن أي صراع محتمل على السلطة؛ سواء بين الجناح المدني أو داخل أروقة الجيش. وقد بدأت بوادر الصراع قبيل انتهاء الولاية الرئاسية الأولى للرئيس المستقدم والمنصب من طرف المؤسسة العسكرية، لاسيما من طرف الجنرال ورجل الجيش المؤسسة العسكرية القوي محمد العماري ومعه الجنرال الداهية أو الكاردينال العربي بلخير، أو كما يلقب بصانع الرؤساء بالجزائر. علاوة على الجنرال والوزير السابق المتقاعد خالد نزار، إذ فضلت النواة الصلبة بالمؤسسة العسكرية الانقلاب على الرئيس بوتفليقة وعدم التمديد له في الولاية الثانية في انتخابات 2004؛ بعدما تأكدت من نواياه التوسعية، وعلى رأسها التخلص من دهاقنة مؤسسة الجنرالات. وبذلك دعمت وبشكل قوي منافسه الشرس والوزير الأول السابق وأمين عام جبهة التحرير الوطني علي بن فليس في انتخابات أبريل 2004. في مقابل ذلك، قرر الجنرال توفيق عدم الرهان على منافس الرئيس علي بن فليس وإبقاء ولائه للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الذي يعد ثعلب المناورات، إذ تمكن من إخماد الانقلاب العسكري الناعم ومدد لولاية ثانية. وبذلك بدأت عملية الإطاحة برؤوس المؤسسة العسكرية غير الطيعين. إذ بدأ بالجنرال محمد العماري الذي أحيل على المعاش بعد شذ وجذ وصراع تحت الأحزمة، ثم أبعد الجنرال والكاردينال العربي بلخير إلى المغرب حيث عينه سفيرا، ومكث في منصبه إلى غاية وفاته في28 يناير 2010. أما الجنرال إسماعيل العماري فقد غيبه الموت المباغت في 28 غشت 2007. وبذلك لم يبق من سفينة الجنرالات إلا الجنرال توفيق. وعلى العموم، هناك وجهتا نظر قيمتا؛ فالبعض يرى أن الجنرال توفيق كان على وفاق تام مع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وبعده شقيقه وكاتم سره والمسير الفعلي للمرادية: السعيد بوتفليقة. بينما يرى البعض الآخر أن العلاقة بين الرجلين، أي الجنرال توفيق والسعيد بوتفليقة، قد شابتها منعطفات شذ وجذب وصراع خفي ناعم انتهى بالإطاحة الفعلية بالجنرال توفيق يوم 13 سبتمبر 2015. سيناريو الوفاق والتنسيق المتبادل سيناريو الوفاق والتفاهم المتبادل بين الجنرال توفيق وعبد العزيز بوتفليقة ثم السعيد بوتفليقة هو الأقرب لتفسير مجريات الأحداث. وذلك لعدد من الاعتبارات. لعل أهمها أن الجنرال توفيق رجل ينأى بنفسه عن أي صراع سياسي. ثم إنه كان الحليف الدائم للرئيس بوتفليقة لاسيما في أحلك الظروف واشتداد الأزمة بين الجنرالات والرئيس إبان الانتخابات الرئاسية لأبريل 2004. لذا، لم يكن من المنطقي أن يصطدم الجنرال توفيق مع آل بوتفليقة وهم في عز قوتهم لأن المعركة كانت ستحسم لصالحهم وبسهولة كبيرة، خاصة بعد أن تخلصوا من كبار دهاقنة جنرالات الجيش. وكل ما حدث هو تفكيك مؤسسة DRS الذي تم باتفاق تام مع عبد العزيز بوتفليقة وشقيقه السعيد بوتفليقة. وبذلك لن يهدد الماسك الجديد ب DRS ساكن المرادية، لاسيما إذا كان الحاكم بالوكالة اسمه السعيد بوتفليقة. وعليه فكل ما حدث ابتداء من التغييرات الكبيرة لعام 2013 ثم إحالة الجنرال توفيق على المعاش قبيل أسبوع كان باتفاق تام بين الطرفين. ولا مجال للحديث المبالغ فيه كما فعل عدد من المنابر الصحفية ناشرة عناوين مثيرة من قبيل: «الإطاحة بالجنرال» و«الانتهاء من القبضة الحديدية لDRS» وغيرها من عناوين الإثارة والتهويل… سيناريو الصدام بين الجنرال وشقيق الرئيس في المقابل، يرى البعض بأن هناك صراعا مفتوحا عقب مرض الرئيس في 2005 وتولي السعيد بوتفليقة شؤون قصر المرادية، وأن السعيد بوتفليقة تمكن من تفكيك مؤسسة DRS بشكل تدريجي، بحيث ألحق كل المديريات الحيوية بوزارة الدفاع، التي يمسكها صديق بوتفليقة وحليفهم، الفريق أحمد قايد صالح، رئيس الأركان المعين حديثا نائبا لوزير الدفاع، وهو المنصب الذي يشغله عبد العزيز بوتفليقة. وربما أدرك الجنرال بأن أيامه أضحت معدودة، لاسيما بعد حادثة هجوم عمار سعداني المفاجئة، وهو الذي سيصبح أمين عام جبهة التحرير الوطني، على الجنرال توفيق ومطالبته بالاستقالة والتنحي عن الجهاز، بل واتهامه بالتقصير في أداء مهامه ! والحال أن عمار سعداني، الرجل النكرة القادم من أقصى الجزائر بمنطقة الواد، والذي يلقب بالطبال لأنه كان طبالا في فرقة موسيقية. والذي كان أحد قادة ميليشيات ما عرف في التسعينات بالحرس البلدي، ما كان له أن يتهجم على صانع الرؤساء بالجزائر لولا ضوء أخضر وحماية من أعلى سلطة. والحال أن عمليّة عين أميناس في بداية 2013 والتدخل الفاشل لوحدات المخابرات العسكرية وما أسفر عنها من قتل 37 من الرعايا الغربيين العاملين بحقول البترول بالجنوب… كلها عوامل عجلت بتوجيه الضّربة القاضية للجنرال التوفيق. ولا أدل على ذلك حبس مسؤول العمليات الجنرال عبد القادر آيت عرابي الملق بحسان بذريعة امتلاكه أسلحة حرب واعتزامه تأسيس لكوموندو مسلح !
MALG.. الأب الشرعي لجهاز DRS لا يمكن فهم نشأة وتطور جهاز المخابرات العسكرية DRS من دون المرور على MALG و هو الاسم المختصر لوزارة التسليح والاتصالات العامة، التي أنشئت في سبتمبر 1957 إبان عهد الحكومة الجزائرية المؤقتة، وقد ترأسها عبد الحفيظ بوصوف. وضمت عددا من الأجنحة والأنشطة، منها تكوين أول جهاز مخابرات جزائري كلف بمهمة الاستطلاع العسكري والتسليح، علاوة على التنسيق بين قادة الولايات التاريخية العسكريين. وكانت لها عدة فروع بالداخل والخارج، أهمها مركز ديدوش بطرابلس الليبية المكلف باليقظة ومهمته هي حماية الثورة. ومركز وجدة بالمغرب للإشارة والشيفرة DTN أي direction du transmission et du chifre : ومهمته التنصت والإرسال اللاسلكي عن طريق المورس أي باستعمال الشيفرة. وكذا الاتصال بوحدات جيش التحرير الوطني في الولايات التاريخية. كما كانت له فروع وأذرع بعدد من الدول الاشتراكية، كالاتحاد السوفياتي؛ والصين؛ وفيتنام؛ وكوبا … وبذلك رأت المخابرات الجزائرية النور على يد عبد الحفيظ بوصوف، أحد مؤسسي MALG و الأهم من ذلك هو تشابك السياسي بالعسكري بالاستخباراتي من لحظة الولادة سبتمبر 1957 إلى وقتنا الراهن!
كرونولوجيا التغييرات التي طالت جهاز DRS بداية من 2013 في يوليوز 2013 وقبل الحسم في خوض عهدة رئاسية رابعة، قرر الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وشقيقه ومستشاره الخاص السعيد بوتفليقة القيام بعملية تفكيك واسعة لجهاز المخابرات العسكرية DRS تمثلت في: إقالة العقيد فوزي من على رأس مديرية الإعلام وإلحاقها بالمديرية المركزية للأمن العسكري التابعة لوزارة الدفاع الوطني. تنحية الجنرال جبار مهني من على رأس مديرية الأمن والبحث الداخلي وتعيين الجنرال بوزين على رأسها وإلحاقها بوزارة الدفاع. تحويل المديرية العامة للأمن والحماية لوزارة الدفاع الوطني. استبدال قائد الحرس الجمهوري اللواء أحمد مولاي ملياني بالفريق بن علي. تغيير مدير الأمن الرئاسي العميد جمال مجدوب بالعميد ناصر حبشي، وهي الإدارة الموكل لها الحماية الشخصية للرئيس بالتنسيق مع الحرس الجمهوري. إعفاء الجنرال عثمان طرطاق الملقب ببشير من على رأس مديرية الأمن الداخلي وتعويضه بالجنرال بن داوود، مع تحويلها إلى ملحقة بوزارة الدفاع الوطني. و في سبتمبر 2014 تم تعيين الجنرال المقال عثمان طرطاق كمستشار لدى رئاسة الجمهورية. 27 غشت 2015 توقيف المصالح المختصة للجنرال الملقب بحسان، و اسمه الحقيقي عبد القادر آيت وعراب، المحال على التقاعد والموجود رهن الرقابة القضائية، تحت طائلة التهم الثقيلة التي وجهت له من قبل المحكمة العسكرية بالبليدة العام الماضي. 13 سبتمبر 2015 إحالة الجنرال توفيق على التقاعد بعد أن قضى على رأسه ربع قرن، وتعيين الجنرال عثمان طرطاق الملقب ببشير خلفا على رأس الجهاز.