منعت شرطة مطار الجزائر جمال كحال مجدوب القائد السابق للحرس الرئاسي من مغادرة البلاد، بحسب مصدر امني جزائري. واكد المصدر خبرا سبق ان نشرته صحيفة الخبر الجزائرية الاحد مفاده بأن "شرطة الحدود ابلغت الجنرال كحال بأن هناك أمر بمنعه من مغادرة البلاد عندما كان بصدد السفر الى باريس" السبت. واقيل قائد الحرس الرئاسي من منصبه في اواخر يوليو/تموز بعد حادث اطلاق نار في محيط اقامة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة في زرالدة بالضاحية الغربية للعاصمة الجزائرية. كما اقيل في الوقت نفسه قائد الحرس الجمهوري اللواء احمد مولاي ملياني ومدير الامن الداخلي بالمخابرات اللواء علي بن داود. واشارت الصحف المحلية الى ان منع اللواء كحال من مغادرة الجزائر مرتبط بشكل مباشر بالتحقيق الجاري أمام نيابة المحكمة العسكرية. وقالت الصحيفة الجزائرية ايضا نقلا عن مصدر لم تسمه أن اللواء أجرى مكالمة هاتفية مع جهة عليا في السلطة، استفسر فيها عن أسباب وخلفيات منعه من السفر قبل أن يصاب بأزمة حادة نقل على إثرها إلى مستشفى عين النعجة. واشارت 'الخبر' الأحد إلى ان القائد السابق لحرس الرئاسة كان قد تلى قبل ما يزيد عن أسبوع استدعاء من جهة قضائية للتحقيق معه، مرجحة أن الامر يتعلق فقط بحادثة اطلاق النار في محيط قصر الرئيس في رمضان الماضي. ويرجح محللون، ان منع الجنرال مجدوب من السفر واقالة قائد الحرس الجمهوري اللواء احمد مولاي ملياني ومدير الامن الداخلي بالمخابرات اللواء علي بن داود، اجراءات تأتي في سياق تغييرات غامضة في اجهزة الجيش والمخابرات وحرس الرئاسة، قد تكون استباقية للحدّ من نفوذ عدد من الجنرالات. واضافوا أن اقالة الجنرال جمال كحال مجدوب ومنعه لاحقا من السفر تطرح العديد من نقاط الاستفهام، رغم أن عائلته قد استنكرت في رسالة وجهتها للصحف المحلية في يوليو/تموز ما قالت انها تأويلات غير صحيحة حول "القرار السيادي" بتنحية الرئيس بوتفليقة الجنرال مجدوب من منصبه وقد تم تعويضه بالعقيد ناصر حبشي. ولم تقدم الرئاسة أو الحكومة تفسيرات لإقالة مجدوب لكنها تصف قرارات تنحية عدد من الجنرالات بمن فيهم رئيس جهاز الاستخبارات الفريق محمد مدين المعروف باسم "الجنرال توفيق" بأنها تغييرات معدّ لها سلفا ضمن اصلاحات أوسع في الأجهزة الأمنية والعسكرية. وتبدو التغييرات في هذه الأجهزة أمرا عاديا ومن صلاحيات الرئيس بوتفليقة، إلا أن التكتم الشديد الذي احيط بالاقالات، وبمنع الجنرال مجدوب من السفر فتحت ابواب التخمينات على مصراعيها. وتشير بعض القراءات إلى أن "الحرب" على جنرالات المخابرات والجيش والرئاسة، قد تكون استباقا لانقلاب محتمل على الحكم خاصة في ظلّ مرض بوتفليقة واستحواذ متنفذين من الدائرة المقربة من الرئيس على القرار السياسي. ورأت ان منع القائد السابق لحرس الرئاسة من السفر امر مفهوم، قد تبرّره السلطة الحاكمة بأنه لايزال مطلوبا للتحقيق، إلا أن الأرجح هو ان الامر يتعلق اساسا بمخاوف لدى النظام الجزائري من ان يكشف الجنرال مجدوب اسرارا خطيرة وهو الذي كان قريبا من 'مطبخ' صناعة القرار. وتشير مثل هذه القراءة إلى سابقة أحرجت بوتفليقة حين فرّ احد جنرالات الجيش ابان العشرية السوداء في تسعينات القرن العشرين، إلى فرنسا وكشف أمورا تتعلق بالفساد في المؤسسة العسكرية. إلا ان قراءات اخرى رأت ان منع قائد الحرس الرئاسي السابق يأتي تمهيدا لاعتقاله وقد توجه له تهم خطيرة على غرار الجنرال المتقاعد حسين بن حديد الموقوف حاليا على اثر توجيهه انتقادات حادة للنظام. وبن حديد ليس الجنرال الوحيد الذي شملته اجراءات التحقيق، فهناك آخرون يخضعون للتحقيق او أحيلوا للتقاعد وقد تشملهم التحقيقات ايضا. واثارت سلسلة التغييرات في أجهزة الامن والمخابرات والجيش، لغطا كثيرا في الأوساط السياسية الجزائرية. وقد حذرت لويزة حنون الامينة العامة لحزب العمال (يسار) السبت من أن "إحالة 13 جنرالا في المخابرات على التقاعد هو خطر على الأمن القومي ويفتح الباب للاختراقات والتدخل الخارجي، وأن سكوت القوى العظمى ومستعمر الأمس عن تفكيك هذا الجهاز دليل رضاهم عن القرارات". وكانت حنون قد دافعت بشدة عن الجنرال توفيق الذي يقال إنه صانع الرؤساء والحاكم الفعلي للجزائر. وقالت إنه رجل شريف، بينما تثار في الأوساط الجزائرية حول الجنرال المقال شبهات كثيرة. وحرصت الحكومة على اظهار أن تلك التغييرات تأتي في سياق الاصلاحات التي يقوم بها الرئيس بوتفليقة، ودافعت عنها بشدة في خضم جدل بين عن عدد من الاحزاب (بما فيها احزاب الموالاة) بين من زكّاها وبين من اعتبرها خطرا على الأمن القومي للجزائر. وقد عبر الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي أحمد أويحيى الجمعة عن استغرابه من "المحبة المفاجئة" التي أبدتها بعض الأطراف السياسية تجاه دائرة الاستعلامات والأمن في أعقاب إبعاد مسؤولها السابق الفريق محمد مدين (الجنرال توفيق). وكان أويحيى يقصد في خطابه الجهات السياسية التي عبرت عن امتعاضها من التغييرات الأخيرة التي طالت المؤسسة العسكرية. وقال أويحيى وهو ايضا مدير ديوان الرئاسة "هناك أطراف سياسية تريد إرباك المشهد، لقد نزلت عليهم محبة مفاجئة تجاه 'دي آر آس' (وهو الاسم المختصر لجهاز الاستعلامات والامن العام)... هؤلاء كانوا يسمون هذا الجهاز بالبوليس السياسي والجزارة". وتابع "نحن نؤيد هذه المحبة، ولكن بشرط ألا يكون هدفها هو تكسير الجيش"، مشيرا إلى الجنرال المتقاعد حسين بن حديد المحتجز بتهم خطيرة منها تكوين "عصابة اشرار" وحيازة اسلحة، إلا انه لم يذكره بالاسم. وكان بن حديد قد انتقد بشدّة النظام ودعا الرئيس بوتفليقة للتنحي والخروج من الباب الكبير، إلا أن انتقاداته قادته إلى الايقاف. وقال أويحيى "هؤلاء من بينهم ضباط سابقون ينامون ويستيقظون على انتقاد الرئيس والمؤسسة العسكرية، الجميع مطالب بأن يزن كلماته ويفرض الرقابة على لسانه لأن هيبة الدولة فعلا أصبحت لا تتحمّل التطاول ولن تقف مكتوفة الأيدي تتفرّج على المتطاولين". وفي تعليقه على بيان الرئاسة المتعلق بالقرارات التي طالت دائرة الاستعلام والأمن، نفى أويحيى أن يكون اعتذارا، لأن "الرئاسة لم تكن مطالبة بذلك"، كما نفى وجود نية للتراجع عن تلك القرارات، مشيرا إلى أن الطريقة الخاطئة التي تلا بها التلفزيون الرسمي البيان، زادت من حدة الشكوك. وردا على من أدرجوا قرار توقيف الجنرال المتقاعد في خانة عسكرة الحياة السياسية أو التوجه نحو نظام عسكري، قال أويحيى "إنه بفضل جهود أبناء المؤسسة العسكرية نعيش اليوم مرحلة حرية التعبير ودولة القانون". ورفض التشكيك في شرعية بوتفليقة، مرددا العبارة التي اعتاد رفعها الذين طالبوا الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد بالاستقالة، قائلا "ثقافة مسمار جحا لا بد أن تتوقف". وأضاف "وصلنا إلى درجة أنه ليس مسمار جحا الذي تنحى فقط بل البلاد أوشكت على الاحتراق". وقال أويحيى إن من يرفع شعار مطالبة الرئيس بالتنحي هم "دعاة المرحلة الانتقالية" من الذين يريدون الوصول إلى السلطة خارج الإطار المتعارف عليه. وشدّد على أن "بوتفليقة رئيس شرعي لأن الجزائريين صوتوا له وهو على كرسي كما نرفض التشكيك، لأن الفارق بينه وبين الذي احتل المرتبة الثانية (علي بن فليس) كان شاسعا جدا". وترى مصادر من أحزاب المعارضة التي هاجمها أويحيى أن التغييرات الأخيرة ربما تكون في اطار التصفية السياسية لكبار قادة الجيش والمخابرات، وأن الدائرة المقربة من الرئيس هي على أرجح التقديرات من يقف وراء اجراء تغييرات واسعة قد تكون لها تداعيات خطيرة على الجيش.