بعد زلزال القمة الذي ضرب مؤسستين كبيرتين بالجزائر، وفي غياب معطيات رسمية تفصل الأهداف والإستراتيجية التي اعتمد عليها بوتفليقة لتفسير هذه الجرأة الزائدة بالنسبة للجزائريين الذين ظلوا يطالبون بتغييرات دون استجابة تذكر منذ سنين، أصيب الرأي العام بالجزائر بدوخة وانقسمت القراءات بشأن الذي حدث. الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة أحدث رجة كبرى في هيئات ومؤسسات الإدارة والحكم بقرارات سياسية إدارية مفاجئة ومتسارعة إلى حد الإرباك، شملت القرارات إقالة وتغيير عدد من الوزراء والولاة، وثلاثة جنرالات أُنهيت مهامهم في غموض وبعيدا عن التوقعات، ورافق كل ذلك حديث عن وجود صراع حقيقي وصل حد إطلاق الرصاص من قرب سكن الرئيس في قصر زيرالدا، وآخر عن وجود تقصير أمني خطير. وإذا كانت التغييرات التي مست مؤسسة الحكومة والولاة، تعتبر شيئا عاديا ومألوفا في التدبير، والقيام بها قد يطرح تساؤلات تبقى في حدود زاوية النظر في التدبير اليومي لإدارة تلتهم أدواتها في كثير من الأحيان، فإن الزلزال الذي ضرب قمة الهرم في السلطة العسكرية كان له وقع آخر، فإقالة ثلاثة جنرالات برتبة لواء مثيرة حقاً للتوقف، لأنها شملت في يوم واحد قائد الحرس الجمهوري، خط الصد الأول في الأمن الرئاسي، وقائد الحرس الرئاسي المكلف بحماية القصور الرئاسية وشخصية الرئيس وضيوفه، ومدير إدارة المخابرات الداخلية، وهو العمود الرئيسي في جهاز المخابرات الذي يُسوق للجزائريين منذ الاستقلال على أنه يقبض على كل شيء ويحول بين المرء وقلبه! إقالة الجنرالات علي بن داود مدير المخابرات الداخلية وقائد الحرس الجمهوري أحمد مولاي ملياني وقائد الحرس الرئاسي محمد مجدوب أعقبت بيوم واحد تعديلا وزاريا هو الثاني في أقل من ثلاثة أشهر، وإجراء حركة في سلك الولاة. بالنسبة للجزائريين تعددت الروايات والقراءات لكن المعطيات لم تؤكد ولم تنف من طرف الجهات الرسمية، ففي مسألة التغييرات المدنية صدرت بلاغات توضح ذلك، في حين أطبق الصمت حيال التغييرات العسكرية، وانفتح باب الاجتهاد في جلب المعطيات وتوليد القراءات والتأويلات إلى درجة خلق شرخ داخل الرأي العام الجزائري. من الأحاديث الأكثر رواجا بالجزائر هناك التقصير المهني الذي نسب للمبعدين ووردت الإشارة إليه في مجموعة من المقالات الصحفية بالصحف الأكثر انتشارا بالجزائر وكذا بالقنوات شبه الرسمية. ثم ورد كلام عن إطلاق نار في القصر الثاني للرئيس على الساحل الغربي للعاصمة. وسرت إشاعات عن اجتماع مسؤولين في تلك الإقامة، بينهم شقيق الرئيس، انتهى بإطلاق نار. وكان أول رد على هذا التفسير ما صدر عن عائلة قائد جهاز الحماية والأمن الرئاسي الجزائري، اللواء جمال كحال مجدوب، والتي شجبت ما تناولته بعض وسائل الإعلام بخصوص تنحية هذا الأخير من منصبه، وربط القرار ب "تقصير في المهام"، معتبرة ما تم تداوله مزاعم وتشهيرا تتحمله هذه الوسائل الإعلامية. ولأن الصحافة الجزائرية بعيدة عن ترف تدفق المعلومة والحق في الحصول عليها، فلم تجد ما تفيد به الرأي العام، لتكتفي بسرد التكهنات وطرح الأسئلة ذاتها التي يطرحها الشارع بدلا من تقديم أجوبة أو ملامح أفكار مفيدة، وهي وضعية وصفها الصحفي الجزائري توفيق رباحي على الموقع الإلكتروني «جزائر تايمز» بأنه غموض ك«سمة من سمات الحكم الجزائري وأهله، لأن نظام الحكم مبني ب«تقاطعات» تجعل كل مجموعة تحمي نفسها على طريقتها». ليستدرك بالقول «لكن الأكيد أن الغموض والسرية لم يكونا مطلقين عندما تعلق الأمر بإقالة الجنرالات الثلاثة، وأن هناك من تعمد تسريب المعلومة عبر وسائل إعلامية معروفة بقربها من جهات في الرئاسة». وبناء على هذه الفرضية يعتبر الصحفي أن إبعاد الجنرالات الثلاثة، ونظرا لعامل السرعة والمباغتة التي صاحبته، يحمل في مضمونه نوعا من العقاب، ولا يمكن اعتباره إبعادا إداريا أو إحالة على التقاعد، لأن التقاعد والقرارات الإدارية التي تخص القادة الكبار في الجيش تتخذ عادة في احتفالات العيد الوطني أو في ذكرى الاستقلال المصادفة للخامس من يوليوز التي تصاحبها عادة ترقيات وتغييرات في المواقع. لكن هذه الذكرى مرت والعيد الوطني ما يزال بعيدا. وفي زاوية بعيدة يطرح الجزائريون سؤالا عريضا حول فرضية الصراع، ويعتبرون أن ذلك مجرد أكذوبة لتسويق مشروع أكبر، ويرى نجيب بلحيمر في صحيفة الوطن الجزائرية «أن احترام العقل سيقودنا حتما إلى اعتبار قصة الصراع بين بوتفليقة والمخابرات مجرد أكذوبة استنزفت كثيرا من الوقت الذي كان من الممكن استغلاله في السعي إلى تغيير حقيقي يخلص الجزائر من نظام يسير بها على طريق الخراب». وتساءل الكاتب «هل يمكننا أن نصدق أن القايد صالح الثمانيني من عمره يقوم بتطهير الجيش من ولاد فرنسا، كما نعلم جيدا أن هذا الفريق له سوابق كثيرة مع الفساد، كيف يطيح بعمارة بن يونس الشيات ويطيح بالجنرال بن داود من المخابرات وهو صهر سلال، ويقال إن القائمة طويلة وستطال حتى رموز المافية المالية مثل حداد وهو شريك السعيد، وأنه سيطيح بالكثير من رؤوس المخابرات لتقزيم توفيق، معادلة صعبة جدا جدا لها عدة مجاهيل». ويختم الكاتب بالقول «المهم، الأيام بيننا، وما قصة الإرهاب الذي خرج علينا من عين الدفلى وباتنة؟ و تحركات لإرهابيين من عدة أماكن؟ وما حقيقة ما جرى في إقامة الدولة بزرالدا؟». عبد الكبير اخشيشن