طرحت زيارة مدير المخابرات الأميركية جيمس كلابر للجزائر نهاية الشهر الماضي، وقبلها لقاء سفيرة الولاياتالمتحدة جوان بولاشيك مع قادة "حركة مجتمع السلم" لبحث الوضع السياسي في البلاد، العديد من الاستفهامات حول الاهتمام الأميركي النوعي بالمسائل السياسية والأمنية في الجزائر. وتزامنت تلك الزيارة لاسيما مع توقيف مصالح الأمن للجنرال عبد القادر آيت أوعرابي وتحويله إلى المحكمة العسكرية بالبليدة بتهم وصفت ب"الخطيرة"، تتعلق بتشكيل مجموعات مسلحة، والتصريح الكاذب، وتكوين مخزون من الأسلحة والذخيرة. وبنفس الوتيرة تبدي باريس اهتماما لافتا بالشأن الجزائري في الآونة الأخيرة، رغم الهيمنة الاقتصادية والمصالح التجارية على علاقات البلدين منذ سنوات، حيث أوفدت باريس رئيس مجلس شيوخها جيرار لارشي للجزائر، في زيارة أولى للرجل خارج القارة الأوروبية، فيما ينتظر أن يتحول وزير الخارجية رمطان العمامرة إلى باريس في غضون الأيام القادمة، لشرح ما يجري في الجزائر من تغييرات أمنية حساسة، خاصة في ظل الأحاديث الدائرة، عن عملية تطهير تنفذها القيادة العسكرية للمؤسسات الأمنية، من العناصر المعروفة بولائها الأيديولوجي والسياسي لباريس، وعلى رأسها إقالة الجنرال عبد الحميد بن داود من على رأس جهاز الأمن الداخلي، وهو الذي قضى سنوات طويلة كضابط أمني في سفارة الجزائربباريس. ويقول متابعون للشأن الأمني والسياسي في الجزائر، "إن فرنساوالولاياتالمتحدة، بلدان مهمان في صناعة القرار الدولي والإقليمي، والجزائر بلد مهم بالنسبة لهما، ويهمهما كثيرا معرفة عن كثب ما يجري في أوصال جهاز الاستخبارت، ودلالات التغييرات الجذرية التي مست ضباطه ودوائره، خاصة في ظل الرصيد الأمني والمعلوماتي المتراكم لديه طيلة عقدين من محاربة الإرهاب، والذي يعتمد عليه في أي خريطة دولية لمكافحة التنظيمات الجهادية. وجاء القلق الأميركي الفرنسي بحسب هؤلاء في ظل الغموض الذي يخيم على العملية منذ سنتين، حيث تمت إقالة كبار الضباط الذين ارتبطت أسماؤهم بمرحلة العشرية الحمراء، وألحقت أبرز دوائره بقيادة أركان الجيش ولم يبق في حوزة الجهاز إلا دائرتي الأمن الداخلي والخارجي، فيما يجمع الكثير على إدراج العملية في خانة صراع خفي بين مؤسستي الرئاسة والاستخبارات، مرتبط بخلاف بين بوتفليقة والجنرال توفيق حول عدد من المسائل الهامة. وتكتسي زيارة جيمس كلابر أهمية بالغة لكونها الأولى من نوعها منذ توليه المنصب سنة 2010، ويعمل تحت رقابة مباشرة من الرئيس باراك أوباما باعتباره أهم مستشار لمؤسسة الرئاسة ومجلس الأمن القومي، في كل ما يتعلق بالاستخبارات المتصلة بالأمن القومي، كما يرأس كلابر مجتمع الاستخبارات وهو اتحاد ل17 وكالة استخبارات أميركية، ويشرف على توجيه البرنامج الوطني للاستخبارات. ورغم اطمئنان الجانب الفرنسي على مصالحه ونفوذه في الجزائر منذ مطلع الألفية، وامتلاكه لأوراق مؤثرة في القرار السياسي الجزائري، إلا أن حلحلة أذرعها في المواقع الاستراتيجية بفعل عملية التغييرات الجارية، يدفعه لمعرفة الخلفيات والدلالات التي تنطوي عليها العملية.